رضوى عاشور التي ساءلت الماضي وناضلت للحاضر
عبد الدائم السلامي
رحلت، مساء الأحد، في القاهرة، الروائية والأستاذة الجامعية المصرية رضوى عاشور عن 68 عاماً بعد صراع مع المرض واستطاعت عاشور (5مايو 1946 – 30 نوفمبر 2014) أن تحافظ على وقارها الإنساني في مسيرتها
الحياتية و الإبداعية.
فهي لم تسعَ، على غرار مجامليها، إلى شهرة أو جاه، وكانت جديرة بهما بفضل نضالاتها وإبداعاتها. وإنما نزعت إلى البحث عن حقيقة ذاتها وسط خراب الواقع والتاريخ من حولها. إذْ انفتحت بمخيالها على ثقافات العالَم انفتاحاً غذّى رغبتها في النظر إلى مفردات واقعها العربي الإسلاميّ، نظرة لا تحفل بالسائد فيه والمألوف من استعارات تجميلية زائفة، بل راحت ترصد إكراهاته الممعنة في إذاية لاوعينا الحضاريّ، وتُحاور حُمولتَها الاجتماعيةَ والثقافيةَ والسياسيةَ محاورات إبداعية جريئة يشعر معها القارئ بكثير من الخجل من عظمة تاريخنا بجميع سوءاته وضآلة حاضرنا بكل محاسنه.
ولعلّ ما يميّز كتابات رضوى عاشور هو قوّة انصبابها على ثيما تها، فهي تربك موضوعها بأسئلتها، وتناوره بتقنياتها السردية، وتعرّيه بلغتها الناقدة، حتى إذا استكان لها عادت تشرّحه باحثة فيه عن أعطابه على غرار ما فعلت في “ثلاثية غرناطة” (غرناطة – مريمة – الرحيل، حيث استجلبت أهمّ أحداث التاريخ العربي الإسلامي ببلاد الأندلس، لا لتملأ فراغاتها المنسية أو لتنتصر للفاعلين فيها بجميع هزائمهم كما يفعل أغلب كتّاب الرواية التاريخية العرب، وإنّما لتتكئ عليها سبيلاً إلى الغوص في أسباب هذا الوجع الحضاري الأندلسيّ، وصياغة تاريخ له موازٍ لتاريخه الرسمي، هو تاريخ مصائر الأندلسيّين وهي تتواجه مليئة برغائب السياسة ورغائب العاطفة ورغائب الخذلان. وبذلك تكون هذه الكاتبة قد فتحت كوّة جديدة تطلّ منها الكتابة الروائية على تاريخها الحضاريّ والثقافي والسياسيّ، ومثّلت لها باباً جديداً تعبر منه إلى التاريخ الثقافي العربي وتقف على كلّ ما تختزنه ذاكرتنا الجماعية، وهو ما يجوز معه القول إن ” انتهاكه إبداعيا. “ثلاثية غرناطة” قد حرّرت الرواية العربية من ارتها نها لقداسة التاريخ الرسمي ومكّنتها من أسباب وهي واحدة من روايات وكتب كثيرة عن الأندلس منها”ليون الإفريقي”لأمين معلوف و”أحد عشر كوكباً” لمحمود درويش الى جانب كتب أجنبية.
ولأنّ رضوى عاشور كاتبة تتوفّر على فاعلية نقدية في الأدب وفي الحياة، فقد دخلت مبكِّرًا في مواجهة مع أحداث واقعها، حيث عزّزت مسيرتها الإبداعية بسيرة نضالية حرصت فيها على أن تكون المثقّفة المدافعة عن حقّ الإنسان في الحرية والكرامة، وهو أمر سبّب لها منذ العام 1979 مشاكل اجتماعية مع السلطة المصرية. فأدّى قرار منع زوجها الشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي من الإقامة في مصر إلى تصدّع في عائلتها غالبته بالكتابة والإصرار عليها، وبالمثابرة على الفعل الجمعياتي عبر انخراطها في العديد من الجمعيات المدنية على غرار لجنة الدفاع عن الثقافة القومية، واللجنة الوطنية لمقاومة الصهيونية في الجامعات المصرية، ومجموعة 9 مارس لاستقلال الجامعا ت.
في كتابها النقدي “الحداثة الممكنة” تؤكد صاحبة الثلاثية أنّ “الساق على الساق فيما هو الفارياق” التي كتبها اللبناني أحمد فارس الشدياق العام 1855 هي الرواية الأولى في تاريخ الأدب العربي الحديث… لكنّ صاحبها حورب وهُمِّش بسبب مواقفه السياسيّة والاجتماعية. تعرض رضوى عاشور ظروف كتابه “الساق باعتبارهارد فعل تمرد مفاجئا في يملك كتاباته إلا إمام من أئمة البيان. لا مواجهة المهانة يبدع نصا كبيرا
رحلت المبدعة رضوى عاشور بهدوء، تاركة فينا ثقافة المصالحة مع الذّات، والصّدق في الفعل، والإخلاص للفكرة، وتحمّل أتعابها. ولعلّ في هذه القيم التي مثّلت بالنسبة إليها شريعة حياتية أغنت سيرتها الأدبية والعلمية والنضالية ما جعلها في أيامها وفقَ ما يروي ابنها تميم البرغوثي،)”تكرر قولها:الحمد لله بنفس راضية بلا غضب من أي شيء أو من أي شخص.
يُذكر أن الراحلة رضوى عاشور، أصدرت مجموعة من الكتب النقدية منها “الطريق إلى الخيمة الأخرى: دراسة في أعمال غسان كنفاني” و”البحث عن نظرية للأدب” إضافة إلى إصدارها لمجاميع قصصية وروايات من أهمّها “حجر دافئ” و”أطياف” و”تقارير السيدة راء” و”سراج” و”قطعة من أوروبا” و”ثلاثية غرناطة” التي تضمّ “غرناطة” و”مريمة” و”الرحيل”. ونالت جائزة قسطنطين كفافيس الدولية للأدب في اليونان 2007، وجائزة سلطان العويس للرواية والقصة من الإمارات2012
المصدر:المدن
الحياتية و الإبداعية.
فهي لم تسعَ، على غرار مجامليها، إلى شهرة أو جاه، وكانت جديرة بهما بفضل نضالاتها وإبداعاتها. وإنما نزعت إلى البحث عن حقيقة ذاتها وسط خراب الواقع والتاريخ من حولها. إذْ انفتحت بمخيالها على ثقافات العالَم انفتاحاً غذّى رغبتها في النظر إلى مفردات واقعها العربي الإسلاميّ، نظرة لا تحفل بالسائد فيه والمألوف من استعارات تجميلية زائفة، بل راحت ترصد إكراهاته الممعنة في إذاية لاوعينا الحضاريّ، وتُحاور حُمولتَها الاجتماعيةَ والثقافيةَ والسياسيةَ محاورات إبداعية جريئة يشعر معها القارئ بكثير من الخجل من عظمة تاريخنا بجميع سوءاته وضآلة حاضرنا بكل محاسنه.
ولعلّ ما يميّز كتابات رضوى عاشور هو قوّة انصبابها على ثيما تها، فهي تربك موضوعها بأسئلتها، وتناوره بتقنياتها السردية، وتعرّيه بلغتها الناقدة، حتى إذا استكان لها عادت تشرّحه باحثة فيه عن أعطابه على غرار ما فعلت في “ثلاثية غرناطة” (غرناطة – مريمة – الرحيل، حيث استجلبت أهمّ أحداث التاريخ العربي الإسلامي ببلاد الأندلس، لا لتملأ فراغاتها المنسية أو لتنتصر للفاعلين فيها بجميع هزائمهم كما يفعل أغلب كتّاب الرواية التاريخية العرب، وإنّما لتتكئ عليها سبيلاً إلى الغوص في أسباب هذا الوجع الحضاري الأندلسيّ، وصياغة تاريخ له موازٍ لتاريخه الرسمي، هو تاريخ مصائر الأندلسيّين وهي تتواجه مليئة برغائب السياسة ورغائب العاطفة ورغائب الخذلان. وبذلك تكون هذه الكاتبة قد فتحت كوّة جديدة تطلّ منها الكتابة الروائية على تاريخها الحضاريّ والثقافي والسياسيّ، ومثّلت لها باباً جديداً تعبر منه إلى التاريخ الثقافي العربي وتقف على كلّ ما تختزنه ذاكرتنا الجماعية، وهو ما يجوز معه القول إن ” انتهاكه إبداعيا. “ثلاثية غرناطة” قد حرّرت الرواية العربية من ارتها نها لقداسة التاريخ الرسمي ومكّنتها من أسباب وهي واحدة من روايات وكتب كثيرة عن الأندلس منها”ليون الإفريقي”لأمين معلوف و”أحد عشر كوكباً” لمحمود درويش الى جانب كتب أجنبية.