وهم الدولة المدنية ذات المرجعية الدينية
وسط الاحتفالات والاحباطات التي صاحبت وصول أول رئيس مدني للرئاسة في مصر، كثر الجدل حول مفهوم مدنية الدولة وهل تعني الدولة اللاعسكرية أم الدولة اللادينية، ولا سيما مع انتماء رئيس الدولة لجماعة الإخوان المسلمين.
كان سارتر دائما يؤكد أن “لدى الإنسان سوء نية، يعتمد فيها التعامل مع البشر على أنهم قطيع، على أنهم أشياء، على أنهم دمى”، مستغلا في ذلك عدم إدراكهم الحقيقى لمعنى الأشياء..
خلاصة هذا التعامل نجده الآن عند تداول “البعض” في مصر للفظي ” الدولة المدنية”، و”الدولة العلمانية”، وسط حالة من الجدل واللغط حول مواد الدستور الجديد، التي تؤسس لهوية وشكل الدولة المصرية، التي يتصارع عليها السلفيون وأصحاب التيار الإسلامي عموما لتأكيد هوية مصر الإسلامية، مع النفي الشديد والغريب في الوقت نفسه لوجود “دولة دينية” في الإسلام، وأن دولة الإسلام “مدنية” في الأساس.
ومصر كبقية بلدان الربيع العربي شهدت حالة استقطاب ما بين التيار الإسلامي، وما يدور في فلكه من أحزاب ومجموعات تتبنى رؤى تراوح بين الوسطية والسلفية، المشغولة بالماضي أكثر من المستقبل، وبين بقية التيارات اليسارية والليبرالية، المهمومة بالحاضر، التي تنظر تحت أرجلها فقط، ولا تتطلع للمستقبل، ولا تدافع “بحق” عن الليبرالية.
أما العجيب هو ما سمعناه كثيرا من الإخوان المسلمين أن مصر دولة “مدنية”، ولم نفهم هل المقصود دولة مدنية، أي لا عسكرية أم لا دينية؟ ثم فوجئنا بدعاوي كثيرة تؤكد أن مصر دولة مدنية ذات مرجعية دينية، ففهمنا أن المقصود أنها “لا عسكرية”، مع الإبقاء على أنها دولة دينية/ إسلامية. ولكن دخلنا في جدل شديد آخر حول معنى الدولة المدنية، ولماذا لا نقول دولة “علمانية”؟
وبهذا ندخل في دوامة من الكلام، لا سبيل للخروج منه إلا بتوضيح معنى الأشياء، وعدم التعامل مع البشر على أنهم قطيع أو دمى!.
فيلسوف كبير مثل الدكتور مراد وهبه قال إن الأصل هو “الدولة العلمانية” لا “الدولة المدنية”، التي حلت محل الدولة العلمانية، نتيجة الهجوم الضاري الذي يشنه الأصوليون ضدها. ليس هذا فقط بل طلب من العلمانيين بث لفظ العلمانية على مسامع الناس، مع التأكيد أنها تحارب الأصولية الدينية، وليس الدين ذاته. وتجاوزا خشى وهبه من زوال “الدولة المدنية/ العلمانية” التي تم حرقها لفظيا، بعد قول الإخوان المسلمين بـ”دولة مدنية ذي مرجعية إسلامية”.
ورأى وهبه أن الأزمة التي يواجهها الإخوان المسلمون الآن هي أن المعتقد الديني لديهم مطلق وغير قابل للتطور. وتطبيق المطلق على واقع نسبي من شأنه أن يحدث أحد أمرين: أما أن المعتقد يصيبه التطور أو التغيير، وأما أن المعتقد يمنع الواقع النسبي من التطور.
وكلام د.وهبه صعب الفهم من أول قراءة. لذلك نعيده بتبسيط. هو يؤكد أنه لا يستقيم القول إن بوجود معتقد مطلق لا يتغير في حين أن العالم يتغير بل ويهتز، فالجمود أوانه ولى.
شارحا أنه لا يوجد معنى لكلمة دولة “مدنية”، فما بالنا بدولة مدنية ذات مرجعية دينية؟
العلمانية .. منهج حياة
ويشدد على لفظ “العلمانية”، وهي منهج للنظر في المعرفة باعتبارها نسبية، وهي منهج للتعامل مع حقائق الواقع باعتبارها تتسم بسمتين متلازمتين: فهي نسبية ومتغيرة، وهذا معناه أنها منهج وليست أيديولوجيا، وليست تيارا سياسيا واحدا، بل يمكنها أن تكون مرجعية لجملة من التيارات السياسية الليبرالية والاشتراكية وغيرها من التيارات، وهي ليست موقفا سياسيا بعينه، بل يمكن أن يتواجد أفراد وجماعات علمانية ولها مواقف سياسية متنوعة، فالعلماني لا يعرف بموقفه السياسي، والعلماني لا يعرف بدينه، والعلماني لا يعرف بتياره السياسي، ولا بتياره الثقافي، ولا بانتمائه الطبقي أو الاجتماعي أو العرقي، بل يعرف بمنهجه في التفكير والبحث، على اعتبار أن العلمانية منهج للحياة الاجتماعية”.
وحتى يفك د. وهبه الالتباس بين المفاهيم “علمانية”، و”مدنية”، و”مدنية بمرجعية دينية”، أوضح أن أي دولة لابد أن تطمح لتحقيق الديمقراطية. والديمقراطية في الفكر الفلسفي لا تتحقق إلا بوجود أربعة مكونات أساسية، هي بالترتيب الزمني: العلمانية، التسامح “العقد الاجتماعي”، التنوير، الليبرالية. وبدون المكون الأول وهو العلمانية “أي التفكير النسبي”، لا نستطيع التحدث عن دولة ديمقراطية. وهو بذلك ينسف كل التأويلات الخاصة بتحقيق الديمقراطية عبر صندوق الانتخابات، أو الدعوى للمكون الرابع “الليبرالية” وإغفال المكونات الثلاثة الأخرى.
نعود مرة أخرى إلى إشكالية المادة الثانية في الدستور المصري، هذه المادة الجدلية بامتياز، والتي تقرر أن مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع. فمن وجهة نظر العلمانيين أمثال مراد وهبه أو منى أبو سنة أو أصحاب تيار ابن رشد للتنوير فإن إشكالية تلك المادة هي كالآتي: الإسلام دين ودولة، والشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع.
ويقولون أولا هل للدولة دين؟، وإذا كان للدولة دين هل ستحاسب في الآخرة، وهل ستحاسب في جميع فتراتها أم في فترة معينة؟. أما إشكالية الجزء الثاني من المادة الثانية، هي أن مبادئ الشريعة مطلقة، وبالتالي هي تخضع الواقع النسبي، فتمنعه من التطور، أو أن الواقع النسبي يصبح مطلقا وجامدا في مبادئ الشريعة.
ذريعة المادة الثانية من الدستور
والمادة الثانية في جملتها منطقيا، تلزم الدولة، بعدم التصريح لأي حزب إلا إذا كان حزبا دينيا بوجه عام، وإسلاميا بوجه خاص. وفي عبارة أخري أن هذه المادة تلزم الدولة بعدم التصريح لأي حزب يخلو من الشعارات الدينية.
وهذا ما تم منذ أيام، حيث طالب إخوان وسلفيون بحظر تأسيس أي أحزاب “علمانية”، حتى لا تتعارض مع المادة الثانية من الدستور.
ود. منى أبو سنة أيدت هذا الرأي، قائلة إن من يطرح مشروع الدولة المدنية ذات المرجعية الدينية، لديه مراهقة سياسية، معتبرة أن ذلك تشويها للدولة المدنية/ العلمانية التي تختلف عن الدولة العسكرية، وتعارض جوهريا الدولة الدينية “الثيوقراطية”، مؤكدة أن نظام الدولة إما أن يكون مدنيا بقيادة مدنيين، أو عسكريا بقيادة العسكر أو دينيا بقيادة رجال الدين. فلا يمكن أن يجمع صفتين في الوقت نفسه، أي مدنيا وعسكريا أو مدنيا ودينيا في آن.
أما الدكتور عصام عبدالفتاح، الأستاذ بجامعة حلوان، وأحد مريدي منتدى ابن رشد للتنوير، فيرى أن أغلب الناس سواء من انتصر منهم للعلمانية أو من هاجمها بشدة ذهبوا إلى فكرة شائعة اختزلت مفهوم “العلمانية”، اختزالا مجحفا مؤداه أن “العلمانية”، تعني انفصال السلطة الدينية عن المدنية، وهذا غير صحيح بالمرة، فضلا عن محاولة تشويهها، واستبدالها بـ” المدنية”، قفزا على الاختلاف الجوهري بينهما؛ نتيجة أن العلمانية أصبحت من الكلمات “الكافرة”.
وقال إن الدين يمكن أن يمارس دورا ايجابيا في المجتمع، إذا كان من جملة وظائفه، كما اقترح الإمام محمد عبده أن يكون سلطة أخلاقية مراقبة للدولة تساهم في منعها من التسلط، وفي الحيلولة دون اعتدائها علي حقوق وحريات الأفراد في التفكير والتغيير. لكن السلطة المراقبة تتحول إلى” آلة جهنمية للقهر، لو صارت بمثابة مشروع دولة أوذريعة للتسلط وآلة للاستبداد”.
ويتفق كل دعاة العلمانية أن أهم شرط من شروط التنوير هو الحيلولة دون أن تكون هناك سلطة رسمية تدعي لنفسها حق التحدث باسم الدين وحدها، وتطلق لنفسها العنان في ممارسة السياسة باسم الدين، حتى ولو استندوا لحجة دولة مدنية ذي مرجعية إسلامية.
عبد الفتاح أكد أنه استقر في الوعي الايديولوجي السائد في العالم العربي والإسلامي التصور القائل بتدامج السلطتين الدينية والسياسية في الإسلام، ولم يفكر أحد في مقولة حسن البنا منذ الثلاثينيات من القرن الماضي، والقائلة بأن “الإسلام دين ودولة”، مع أن كلمة “دولة” نفسها لم ترد في النص القرآني، ولا في عشرات الآلاف من الأحاديث النبوية.
milanoo formal dresses
I like this blog very much, Its a really nice situation to read and incur information.
cocktail dress in uk
Attractive section of content. I just stumbled upon your weblog and in accession capital to assert that I get in fact enjoyed account your blog posts. Any way I’ll be subscribing to your augment and even I achievement you access consistently quickly.