انت هنا : الرئيسية » الواجهة » بين الموت والحياة… تأملات في صراع الإنسان ووهم الخلود

بين الموت والحياة… تأملات في صراع الإنسان ووهم الخلود

محمد سعد عبد اللطيف

لماذا نتشبث بالحياة وكأننا خالدون؟ لماذا نصارع بعضنا ونكبر على بعض، نصنع من بعضنا آلهة وهمية، ونمشي وراء ظل رجل كأنه قدرنا المحتوم؟ لماذا نقدس أصحاب المال والسلطة، ونجعل من الحياة سلعة رخيصة أو مسرحاً للكبرياء والتفاخر؟

هل ماتت الآلهة حقاً في عصرنا؟ نيتشه حين كتب عن “موت الإله”، لم يكن يقصد موت الدين أو الله الحق، بل موت المعنى في عالمٍ تاه عن القيم وانشغل بالمادة وأوهام القوة. كان يرى أن الإنسان رفع صنماً مكان صنم، وجعل من البشر آلهة صغيرة يقدّسها، ومن السلطة ديناً جديداً يعبده.،

لكننا، في عمقنا الروحي، ندرك أن كل ما سوى الله زائل. هنا تستيقظ الروح الصوفية التي تعيدنا إلى جوهر الإسلام: “كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام”. ندرك أن الكبرياء على البشر وهم، وأن القداسة لا تُعطى إلا لله، وأن الإنسان مجرد عابر سبيل في دنيا زائلة، سيعود يوماً حفنة تراب، كما جاء منها أول مرة.،

الفلاسفة على مر العصور صرخوا في وجه أوهام الإنسان. سقراط حين حاكمته أثينا قال: “إن الموت ليس شراً بل هجرة من عالم إلى آخر”، فيما رأى الغزالي أن “الموت ليس عدماً، بل انتقالاً من دار إلى دار”. والمتصوفة جعلوا الموت عرساً للروح، لأنه لقاء مع الحق، وانعتاق من قيود الجسد وصراعات الدنيا.،،،

وها نحن، في زمن تتضخم فيه الأنا البشرية، نعيد ارتكاب الخطأ ذاته: نصنع لأنفسنا أصناماً جديدة، نعبد القوة والجاه والمال، ونمشي في ركاب من يوهمنا بالقداسة، بينما القبور مليئة بأجساد أولئك الذين ظنوا أنهم خالدون.،

كفانا جهلاً وكبرياءً على الآخر. كلنا تراب، وسنعود يوماً حفنة تراب. فلماذا نقدّس البعض وندّعي القداسة؟ اذهبوا إلى القبور، وتأملوا: أين فلان وفلان؟ أين الذين ملأوا الدنيا صخباً وجاهًا وسلطاناً؟ لقد ذابوا في التراب، ولم يبقَ إلا أثر عابر في ذاكرة من عرفهم، ثم يذوب الأثر مع الزمن…،،

فالحياة ومضة قصيرة، لا تكتمل إلا بالرجوع إلى الله، وبالتواضع أمام حقيقته المطلقة. وكل ما عدا ذلك صراع عابر، وهمٌ لا يستحق أن نفني أعمارنا فيه.

تأملات كاتب أمام المقابر ،،

 

عن الكاتب

عدد المقالات : 1696

اكتب تعليق

الصعود لأعلى