انت هنا : الرئيسية » الواجهة » رواية من تولستوي ودعوة من الرئيس عباس!

رواية من تولستوي ودعوة من الرئيس عباس!

المهندس زيد عيسى العتوم

الأردن،إربد جامعة اليرموك

على رقعة فلسطين التاريخية أماكن سُوّيت وأخرى خُلقت وشُيّدت, وبذاكرة فلسطين الصامدة الآم وجراح وأحزان كُمّمت وأخرى أُحدثت ورُسّخت, وفي التاريخ الفلسطيني احتلال ونكبات تكرّرت وتوالت, وعلى مفترقات القضية الفلسطينية رموز ورجالات رحلت وستائر أُسدلت, وعبر رحلة الكفاح الفلسطينيّ أرقام وأيام ربما نُسيت, وتبدّلت الى سرطانات ومعابر وأسوار أُنشئت, ومن أصحاب القرار الفلسطينيّ اجتهادات ربما غُفرت وانقسامات وأخطاء ربما تجلّت فتعمّقت, فتشتدّ الصعوبات وتضمر الخيارات على تلك السفينة الحالمة إن رست او أبحرت!

لقد أبدع عملاق الرواية الروسيّة وأحد اصلب أعمدتها الجاثمة على تلال الأدب الروسيّ العريق, تولستوي المعنون بالواقعية والسلام والأخلاق والمحبة الروحيّة, صاحب مقولة ” أن لا إنسان ضعيف, بل يوجد إنسان يجهلُ موطن قوته”, فخطّت أنامله المسالمة تلك الرواية التي حملت اسم آخر جملها الحزينة, وغرقت تفاصيلها في سراديب الظلم وغياهب القسوة, فتدور الرواية حول ذلك التاجر المسكين الذي تدفعه الرغبة بالربح الى السفر والمغامرة, دون الأخذ بنصيحة زوجته التي رأت مناماً أزعجها وأربكها, وفي الطريق يقع ذلك التاجر في شِباك جريمة قتل لم يقترفها, ويُعثر على أداة الجريمة في حقيبة سفره, ويُحكم عليه بالسجن في أحد سجون سيبيريا مدة 26 عاما, وفي أحد الأيام يدخل الى السجن أحد المساجين الجدد, والذي يَثبت بعدئذٍ كونه المجرم الحقيقيّ لتلك الجريمة القديمة والبائسة, وبعد أن تعلم ادارة السجن بالحقيقة المرّة, تُصدر أمراً بإخلاء سبيل ذلك التاجر المظلوم, بعد كل تلك السنين العجاف والأيام الماحقة, لكنّ القدر لم يهب للحقِّ مخرجا, ولكنّ الغد لم يتفضّل عليه برؤية النور الذي كاد أن ينساه, وقبل أن يموت ذلك التاجر في سجنه الذي غدا مقبرته الأبدية, يقول جملته الشهيرة:” ان الله يرى الحقيقة, لكنه ينتظر!”.

منذ انشغال الإقليم وربما القوى المؤثرة في عالمنا ايضاً برياح ذلك الربيع العربيّ المُفترض, حيث خرجت شعوبٌ واهتزّت عروشٌ وتكسّرت خطوطٌ وأنظمة, أصبحت أعين السياسيين وجولات المفاوضين تجد ضالتها ليس بقريب من قضية فلسطين العميقة, ثم مروراً بجملة من التضاربات والاستقطابات الدولية التي تعددت بؤرها وتلوّنت أشكالها, غدت أطروحات الحلول ودعوات السلام المرجوّة للنزاع الفلسطينيّ الاسرائيليّ مجرّد سطور تُزيّن مسك ختام اللقاءات والمؤتمرات, ومن بعده ومن قبله تزحلقت وأوحلت عجلات محاولات حلحلة الوضع الراهن, على مرمى مقصلة التعنّت والتشدد السياسيّ والأمنيّ الاسرائيلي, فتظهر دعوة الرئيس الفلسطيني محمود عباس لعقد مؤتمر دوليّ للسلام أوائل العام المقبل, في محاولة جادة من طرفه للإمساك بإحدى زوايا زمام الامور, وبرغبة طيبةٍ للخروج الآمن من عنق زجاجة تيبّس الحال, وربما بنيّة بريئةٍ لوضع القدم الفلسطينية بحذرٍ على عتبات عربات السلام المتدحرجة في المنطقة, لإنعاش المجتمع الدوليّ في نظرته الى ملفات حل الدولتين, وتدشين المشروع الفلسطينيّ الكبير بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة القابلة للحياة وبعاصمتها القدس الشرقية, وتعظيم المكاسب الفلسطينية الى حدّها الأقصى.

ربما ليس غريباً ربط تلك الرواية المؤلمة بتلك الدعوة الحالمة, ففي كليهما ظلم وقهر وسوء حال, وفي كليها أعوام عاشتها النفوس الممزّقة خلف قضبان الاحتلال الذي لا يرحم, وفي كليها عقود وعقود وأحياء وأموات, وبداخلهما طفولة كادت أن تشيخ وآمال كادت أن تتوارى, وفي رواية تولستوي تحدّث ذلك المغلوب على أمره كثيراً وكثيراً, لكن لم ينصت اليه أحد ولم يأبه بحاله كائن من كان, وفي مقدمة دعوة الرئيس محمود عباس سؤال بلون التعجّب “كم كنت أتساءل, وانا أعدّ كلمتي هذه, ماذا يمكن أن أقول لكم مجدداً؟ بعد كلّ ما قلته في المرات السابقة عن مأساة شعبي المتواصلة!”, أطال الله بعمر صاحب الدعوة الفلسطينية لنرى قضية فلسطين العادلة تكسر قيدها وتنتزع بريقها, وأدام الله عليه عافيته عندما يجلس مع عُصبة من الصقور وثلة من حفاري القبور, وأما الشعب الفلسطيني فإنه يرى الحقيقة, وينتظر!.

عن الكاتب

عدد المقالات : 1688

اكتب تعليق

الصعود لأعلى