هل أصبحت المعضلة السورية واقعاً مزمناً؟!
بعد مرور تسع سنوات على الازمة السورية, سنوات ماحقة ورهيبة لطّخت سماء سوريا ومستقبلها المنظور, سنوات بدأت كأي انتفاضة شعبية ومحلية تنشد رشفة من الحرية وكوباً من العدالة, لينتهي بها الامر نزاعاً شاملاً وخبيثاً اختلط فيه المتحاربون وتعدد فيه اللاعبون, فغدا التراب السوريّ مرتعاً لمن اشتهى ومسرحاً لمن تحمّس وبغى, وبعد ان تحوّلت احلام درعا البريئة الى كوابيس يقظة واشباح موت لا تفارق السوريين مهما حاولوا, وبعد ان تيبست وشاخت اقلام رصاصهم الثكلى, وبقي منها بقايا رفات واشباه قبور تُنبئنا بما جرى, بعد كل ذلك لم تبرح الحالة السورية موقعها الكئيب, ما دامت الحركة الاحتجاجية المنشودة قد دُفنت تحت صراع معقد ومتعدد الاطراف, لكل طرف فيه اجندته المارقة ودوره الخاص, والمحصلة مئات الاف القتلى والمفقودين, وملايين المهجرين في وطنهم او اينما شاءت الاقدار أن تقذفهم, والنتيجة ليست بأقل من دمار هائل واقتصاد اقل ما يوصف بأنه منهار.
في سوريا اليوم اغرب فسيفساء قد يدركها العقل, وفي سوريا الغد اصعب خارطة قد يتصورها المتنبئون, فقوات الرئيس السوري او ما تبقى منها تصارع جاهدة لتحقيق اي انتصار يُذكر, وترميم ذلك الواقع الميدانيّ المهلهل, وفي مقابلها خليط ملون من الفصائل المسلحة ذات العناوين الوطنية والاسلامية والجهادية كما يدّعون, تكاد تكون كلها مدعومة وربما مأجورة من اطراف خارجية تموضعت في صفوف السرية او العلن, وعلى ارض سوريا “درع فراتٍ” تركيّ طامحٍ وجسور, يريد وأد ما تيسر من احلام الكرد حتى قبل ان تولد, وأن تبقى عفرين السورية وكوباني السورية في فرقة الى يوم الدين, وفي سوريا جيش روسيّ وجند ايرانيّ وذراع امريكيّ, وفي سوريا ايضا عطش في الحسكة وظلمة في دمشق, وفيها جائحة مستجدة لا يعلم تمددها وهولها الا الله, اما الطفولة السورية فحدث ولا حرج, فكل طفل سوري الا من رحم ربي قد تأثر بنوازع العنف والتشرد وتهتك القيم والروابط الأسرية, فأصبحت النظافة اولوية على الغذاء, وأصبح الغذاء اولوية على التعليم, في واقع اصبح فيه البؤس والموت اولوية على الطمأنينة والحياة!.
ن غرائب وعجائب الامور على الرقعة السورية وبالقرب من نهاية عامها التاسع, كثرة الحديث والتنظير لحتمية ” الحل السياسيّ” واستبعاد ورفض “الحل العسكريّ” رغم تكرار فقدان الامل وانسداد الافق السياسي للازمة, ورغم التدفق الاقليمي والخارجي لبواعث ابقاء المحرقة السورية تترنح مكانها, ومن الغرائب ايضاً المبالغة والتشدق بضرورة المحافظة على سوريا سليمة موحدة, في الوقت الذي كُسرت فيه حدودها واستبيحت سيادة اراضيها مرات ومرات, ورُفعت على سهولها الخصبة وجبالها المنهكة رايات ورادارات واعلام, واغتصبت سماءها وأهين ” قاسيونها|” في عتمة من الليل وعلى مرأى من النهار, وبقيت تدمر تبكي تاريخها المدمّر وتلملم اعمدتها المذبوحة وتماثيلها المشوّهة, وتخاطب السماء بأن مجموعة من القتلة والسفهاء قد مرّوا من هنا!.