انت هنا : الرئيسية » الواجهة » لو نظر فرويد الى العلاقات الدولية!

لو نظر فرويد الى العلاقات الدولية!

المهندس زيد عيسى العتوم

الاردن

جامعة اليرموك

بنَفَسٍ عميق, أم بعلم نَفْسٍ أعمق, وبداخل غرفة صامتة تتصاعد فيها سحب دخان يقظة, متحرّرة من بقايا تبغٍ داكنٍ ومحروق, وبأريحية تامة تلامس اوتار سباتٍ مقصود, تتساقط فيها مفاتيح احلام, وتترنّح حولها ستائر غليظة, وتنفتح فيها حجرات تملأها الرهبة, وامام أريكة تبحر في جزرٍ من المجهول, وشواطئ خطيرة لا يمكن حتى الافصاح عنها, وقف فرويد متحمساً امام بوابة الاحلام, بوابة رآها طبيعية ودالّة, بوابة تهاوت وتكشّف سترُها الدفين, ما دامت وليدة الطبيعة ولا تأتمر الا بقوانين النفس, فأطلق عنان تلك الروح المعذّبة, بعد ان توهّمت واستمرأت  تجاوزها لما تناست وأخفت, وقف فرويد ليخبرنا ان امتداد الكون ورحابة الفضاء حاضرة ايضاً فينا, وأن صراعنا الداخليّ وتوترنا الخفيّ هما رفاقنا من المهد الى اللحد.

قد لا يختلف السلوك الجمعيّ لدولة ما عن محصلةٍ كبيرةٍ ومتفاعلةٍ من تراكم سلوك افرادها, مثلما أن منظومة العلاقات الدولية في برجها المخمليّ قد تعكس خارطة النفس البشرية بغثّها وسمينها, تُرى لو اسقط سيجموند فرويد نظرية التحليل النفسي بشقها البحثيّ والعلاجيّ على كينونة الدولة متجاوزاً خصوصية النفس البشرية, باعتبار ذلك طريقة نظرية لفهم ذلك الخليط  المفترض من ميول ورغبات ودوافع وربما عدوانية شخصية دولة ما, فهل سيفسِّر السلوك العدائي لبعض الدول في محيطها الاقليميّ وربما الدوليّ كنوع من الهستيريا السياسية والايدولوجية, تلك المنبثقة من المحتوى التاريخيّ والنفسيّ المرير والمتقلب لتلك الدول منذ لحظة تشكلّها, وهل انفجار واهتزاز بنية الدولة قد يطفو على سطح معضلة الكبت فيها, ما دام الكبت يجمع في ثناياه تراكم مشكلات الدولة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي طالما بقيت غير محلولة, مفسراً بذلك التغيرات الدراماتيكية والقسرية التي تفاجئ واقع دولة معينة وفي لحظة معينة, وهل سيفترض رائد التحليل النفسي أن اللبنات الاساسية والهيكل الطفولي بدوافعه الجامحة وقلقه المشروع في المراحل الاولى لعمر الدولة ستُحدد بالضرورة المنحنى المستقبلي لها, وهل سيتفاجأ فرويد بأن للدولة ايضا عُقدها التي تقضّ مضجعها ولا تفارقها, وتنتج غالبا من سطوة التاريخ وغبن الجغرافيا, والتي سرعان ما تنجلي طلاسمها بدراسة معمّقة للماضي دون ارهاق فرويد باستخدام ادواته للتنويم المغناطيسيّ, وهل سيفرح فرويد ان استقر رأيه ان للدولة احلام كأحلام البشر حتى لو بقيت يقظة ولم تمتلك نعمة الجفون,  فللدولة اهدافها الخارجة من رغباتها ورحم تخيلاتها, تتراوح بين تناسقها تارة وبين عبثيتها تارة اخرى, وحتى في العلاج النفسي القائم على البوح والتخاطب, الا ينسجم ذلك مع تواصل الدول ذات المعضلات المتشابهة لحلحلة ازماتها بفهم بعضها لبعض, والفارق ان اريكة الاعتراف قد استُبدلت بطاولة النقاش!.

ربما سيندهش فرويد ان ايقن أن شخصية الدولة وتفاعلاتها الخارجية ربما تتشكل من ثلاثيّ شخصية الفرد حسب رأيه, فللدولة مخزونها الزمني المستبعد ومكب نفايات ذاكرتها القديمة, انه الهو الذي أُختزن فيه وأُختزل فيه كلّ ما لم يعد مقبولا في يومنا وعالمنا, ذلك الارث الذي ربما يستحضره البعض لغاية في رؤاهم واهوائهم, متجاوزين عندئذ خطوط ومحاذير الواقع والمنطق وربما الاخلاق, وقد يندهش اكثر واكثر ان ابصر الأنا في عالم الدولة وفي اكثر حالاتها اعتدالا, فللدولة اذرعها التي تسعى لتحقيق متطلباتها وفقا لمبدأ الواقع, اعتماداً على ادراكها للمتغيرات والتفكير المرتكز على الحكمة والملاءمة السياسية المتوازنة, لكن فرويد لا شك سيتوقع وجود الأنا العليا في بوتقة كل دولة ومجتمع, فالنصوص الدستورية والقانونية مشبعة بالمعايير المثالية والقيم الاخلاقية, لتُنتج بمجملها مبادئ السلم والأمن والشرعية الدولية, حتى لو ضرب بها البعض عرض الحائط ومع سبق الإصرار!.

في عالمٍ طالما عجزت فيه اروقة المنظمات الدولية عن احقاق ما لزم من الحقوق بعيدا عن التجبّر والقهر, وعجزت فيه الكثير من الدراسات السياسية النظرية عن رأب صدع ويلات عالمنا واهوال بشريتنا, هل نفتقد فرويد ونحمّله اكثر مما يحتمل, ونشعر بالسعادة عندما نسمعه يقول:” نشعر بالراحة عندما ننظر الى الزهور….على الرغم من أنها لا تمتلك عواطف ولا صراعات”!.

عن الكاتب

عدد المقالات : 1688

اكتب تعليق

الصعود لأعلى