انت هنا : الرئيسية » الواجهة » هل من براغماتية فلسطينية بعد الخطوة الاماراتية!؟

هل من براغماتية فلسطينية بعد الخطوة الاماراتية!؟

المهندس زيد عيسى العتوم

الاردن

اربد

جامعة اليرموك

ربما لا يُنكر احد ولا يختلف اثنان أن شرعية وعدالة القضية الفلسطينية نابعة من حق اصيل ترسّخ بعد قهرِ وظلمِ شعب برمّته, ورغم مرور تلك القضية بمراحل عديدة ومنعطفات خطيرة, اجتهدت فيها الرموز الفلسطينية حرباً وسلماً, ممسكة مقبض بندقية تارة او قلم تفاوض تارة اخرى, لتعظيم مكاسب او ترسيخ موطئ قدم, وبرغم تهافت وانشغال العديد من الاطراف الاقليمية والدولية لإيجاد مسارات واقعية وقواسم مشتركة قد يستسيغها صاحب او اصحاب القرار الفلسطيني, لتلبية ما تيسر من المطالب المشروعة للشعب الفلسطيني, وبرغم التجبّر الاسرائيليّ والانحياز الامريكيّ والانشغال الدوليّ, وليس بعيداً عن سياسات التهويد والتصعيد, وعوامل التهجير والتطهير, وتحت مهانات المعابر وظلال جدران الفصل العنصريّ وظلمات السجون, بقيت فلسطين تحمل شرعيتها الانسانية وعدالتها التاريخية, رغم انف الجغرافيا السياسية وبواعث وافرازات ضغوط الامر الواقع. 

لقد تكيّف الضمير السياسي والوعي الشعبي الفلسطيني مع متغيراتِ ومستلزماتِ عقودٍ طويلةٍ ومؤلمةٍ في طريق قضيته, وتقبّل ان يُغير ادواته آخذا بالاعتبار ثقل الضغوط الخارجية وقساوة حالة الجمود او التقهقر, فعاش حقبة الكفاح المسلح والعمل الفدائي, لتحرير كامل التراب الفلسطيني المغتصب, وازاحة ذلك الاحتلال المشؤوم, فقدم طوابيراً لا تنتهي من الشهداء والمصابين, ورسم نهراً من الدماء الزكية واسمع الدنيا صدىً من اصوات المعذبين والنازحين, وكانت الانتفاضة الاولى والثانية دليلاً على قدسية ذلك الحق الفلسطيني في وجدان وعقل كل طفل فلسطيني مقهور, وكانت أوسلو كأول اتفاقية رسمية ومباشرة بين اسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية, وشكل اعلان المبادئ فيها نقطةً فارقةً في الواقع الفلسطيني الجديد, وبقيت معظم احبار تلك التعهدات والوعود الاسرائيلية سائلة لا تجف, وبقي الحلم الفلسطيني بإقامة دولته المستقلة القابلة للحياة مطلباً يتجدد وبخاراً يتبدد, وحصل ذلك الانفصال المشهود بين الضفة وقطاع غزة ليلقي بمزيدٍ من الثقل وانعدامِ الاملِ على كاهل ذلك الشعب الصابر.

اعلن الرئيس الامريكي ان اسرائيل والامارات توصلتا الى اتفاقٍ لإقامة علاقات رسمية بينهما, مهللاً بأن يؤدي هذا الاختراق التاريخي الى دفع عجلة السلام في الشرق الاوسط حسب رأيه, وقد سارعت جميع الاطياف والفصائل السياسية والشعبية الفلسطينية لرفض ذلك الاعلان المقيت, واعتبرته نسفاً للمبادرة العربية للسلام, وتخلياً صارخاً عن الثوابت الفلسطينية مما يصب في خانة شرعنة الاحتلال, وهنا لا بدّ ان نسأل ونستوضح الامر ملياً, وفي الاستفهام غاية تجعلنا نقرأ الواقع جيداً او هكذا ندعي, وتجبرنا ان نرفع الرأس بعيداً عن الرمال او هكذا نجتهد, بعيداً عن الشعارات وفي محاولة بريئة لقراءة الغد بما له وما عليه, فهل تستطيع السلطة الفلسطينية بوضعها الحاليّ وتحدياتها الثقيلة ان تضغط على دولة الامارات العربية لثنيها عن القيام بتلك الخطوة الغير مرغوبة بتاتاً؟, وهل يستطيع الواقع السياسي الفلسطيني المجزأ وربما المتناحر, والذي رسّخ لوجود سلطتين فلسطينيتين تمثلان دراما الأخوة الاعداء, ان يُلقيا بما تبقى من ثقلهما العربي على الواقع السياسي الخليجي المستجد, ودفعه لممارسة الضغوط الرحيمة لمنع حدوث ذلك السلام المفترض؟, متذكرين وغير مغفلين  لتصريحات العديد من الدول الخليجية المرحّبة والمؤيدة للموقف الاماراتي الجديد, وهل الواقع العربي المشتت والمأزم  والمثقل بما لديه وما عليه, عراقياً وسورياً ولبنانياً ويمنياً وليبياً وغيره يستطيع ان يشدّ الأزر الفلسطيني عدا التغني بأن قضية فلسطين هي قضية العرب الأولى!, وهل انشغال الوضع الاقليمي والدولي بتلك الجائحة المستجدة سيسمح لتلك الاذان المقفلة بسماع ذلك التظلم الفلسطيني المشروع؟, وهل تهديد السلطة الفلسطينية بقطع علاقاتها السياسية مع دولة الامارات سيلقي ربما بظلاله على الواقع المعيشي لأعداد هائلة من العمالة الفلسطينية المتواجدة هناك سواء رسمياً او شعبياً لا قدر الله؟, ثم الم تمضغ القيادات الفلسطينية المتعاقبة اتفاقية وادي عربة بين الاردن واسرائيل محاولةً الاستفادة من الدور الاردني والثوابت الاردنية لتحفيز الكثير من المبادرات التفاوضية والجيوسياسية رغم نتائجها المخيبة للآمال!, وهل قام صانع القرار الفلسطيني بمئات الزيارات والاف المشاورات مع جمهورية مصر العربية والتي ترتبط بأول اتفاقية للسلام مع اسرائيل سواء رأيناه ساخناً او بارداً, لبلورة ما تيسر من الضغط على الممارسات الاسرائيلية الاحادية الجانب, بالإضافة لإسراع رجالات المؤسسة الامنية المصرية للجم بدايات الصراع المسلح بين حماس واسرائيل لحقن دماء الفلسطينيين في غزة ولتهدئة الموقف المشتعل مرات لا تنتهي, وهل ستقوم الادارة السياسية الفلسطينية بمزيد من القطيعة السياسية والتنديد الصارخ بمزيد من الدول العربية ان قامت لا قدر الله بالتقارب مع تل ابيب, فتصبح النتيجة مزيداً من التمدد الاسرائيلي الممنهج على انقاض مزيدٍ من التحوصل والعزلة الفلسطينية شئنا ام ابينا!.

عن الكاتب

عدد المقالات : 1688

اكتب تعليق

الصعود لأعلى