استراتيجية العنونة ودلالاتها في قصص سناء الشعلان(الجزء الأول)
الباحث محمد وهاب/ الجزائر
ملخص:
من غير شك أن للعنونة في حقل الأدب والفن حظا كبيرا من اهتمام المبدع حين يجهد نفسه في اختيار عنوان يلاءم مضمون نصه، لكن العنونة في القصة القصيرة أشد حظا، كونها منظومة تتقاطع فيها أفكار وهواجس وأيديولوجية ورؤى القاص لتتمركز كنص موازِ يمكن فهم بنيته السطحية من طريق التفسير الذي ينهض على إدخال بنيته الدلالية في بنية أوسع تكون فيها الأولى جزءا من مقوماتها. إذ يقتضي الشرح إنارة النص بعناصر خارجية عنه من أجل إدراك مقوماته وكشف الحقيقة.
الكلمات المفتاحية: المنظومة العناوينية، القصة القصيرة، البنية الدالة، التماثل، الرؤية.
تقديم:
إن من أهداف هذا البحث; إثبات فاعلية المنظومة العناوينية في تمثُّل الرؤية، وتماثلها والعناصر المكون للرؤية نفسها حتى وإن حملت هذه العناوين في بنيتها كثافة دلالية رمزية عالية يغيب معها المضمون إلا أن تتالي العناوين في المجموعة الواحدة وما يجمعها من لحمة حين تشكل إيقاعا عاما متجانسا تصب في بؤرة واحدة يعوض صراحة العنوان المفقودة في التعبير عن المضمون ومنه الرؤية، مع فرضية اشتمال العنوان على عناصر الخطاب المكنى عنه، وتشغيلها بما يضمن عدم إرباك العلائق الوظيفية بين المكنى والمكنى عنه.
ويهدف البحث كذلك إلى; منازعة السيميوطيقا في هيمنتها على العنوان والانطلاق منه في المقاربة. وهنا يهتم البحث بالقصة القصيرة وكيف أنها تمتلك تشكيلا مخصوصا في بنية عنونتها الذي يمكِّنها من التعبير عن رؤية صاحبتها، فالعنوان أضحى موضوعا شركا بين “اللساني والسيميوطيقي وعالم النفس وعالم الاجتماع والمنظر للأدب والناقد باعتباره مقطعا إيديولوجيا un fragment idéologique” (بوطيب.ج.193:1996)
العنوان هوية النص وحامل أفكاره التي هي أفكار مبدعه، ومُركِّز محتواه العام بوضعية لغوية شديدة الافتقار مقارنة بما يُعنوِن، ذا دلالة، ليس على مستوى البنية السطحية فحسب ، بل يمتد حتى البنية العميقة الدالة.
والعنوان الذي يختاره القاص لمجموعته القصصية وعنوان القصة الأولى –المفتاح-الذي غالبا ما يكون هو نفسه، يتضمنان خيوطا حريرية تربط أحداث القصة المفتاح بأحداث قصص المجموعة. وما توالد من هذه الأخيرة وعناوينها. ولعله من اللافت للنظر عند أي قارئ مدرك لمعطيات العمل الأدبي أن يصل إلى مغزى اختيار الأديب عنوانا معينا ضمن عناوين مجموعته القصصية، وإيثاره إياه دون غيره، “فيكشف عن مغزى ذلك الاختيار وهو أن العنوان الذي اختاره المبدع يمثل انعطافة كبيرة في تجربته الشعورية/الحياتية، وفي تجربته الفنية من حيث كون القصة التي وقع الاختيار عليها لتكون بالعنوان المفتاح الذي قد يستطيع من خلاله القارئ الولوج إلى ما يعتري القصص من معطيات ثقافية واجتماعية وأيديولوجية ونفسية.”(ذنون.س م.19:2012) فيغدو العنوان “وسيلة للكشف عن طبيعة النص وللإسهام في فك غموضه.(Grivel. Ch.1973:169).
والمبدع لحظة اختيار عناوين المجموعة القصصية يرقى إلى لحظة التسامي، إذ يستحضر في ذهنه كل أنساق النص وبؤره لينتج نصا آخر ألا وهو عناوين المجموعة–النص الموازي-أكثر تكثيفا من النص المسرود (ذنون.س م.19:2012)، وهنا هل يكون العنوان علاوة على وضعه السيميائي المكتظ بالعلامات والإشارات والرموز والأيقونات والاستعارات; بمنظومته، ذا وضع بنيوي دلالي تتماثل فيه بنيته السطحية التي تتمظهر فيها الرؤية بوصفها بنية عميقة دالة والعناصر السياقية المكونة لها؟ و هل يمكن أن يتوازى نص المنظومة مع النص المسرود في التعبير عن رؤية القاص؟ وهل نستطيع من خلالها اكتشاف طبيعتها وحصرها؟ وكيفية تعبيرها التشكيلي عنها؟ خاصة إذا فرض أن النص المسرود الذي بين أيدينا له هته الرؤية أو تلك، هل يمكن للمنظومة العناوينية مكاشفة هته الرؤية؟
ومن خلال ما تقدم جاء البحث في محورين اثنين، الأول: العنونة في القصة القصيرة المفهوم والبناء، حيث يعرض مفهومه والخصوصية البنائية للمنظومة العناوينية في القصة القصيرة أي في المجموعة القصصية التي تحوي قصصا قصيرة والتي قد تتوالد منها قصص قصيرة جدا مرة أخرى بعناوين فرعية أو بمنظومة فرعية سليلة تشكيلات أصلها، لتحمل كل هذه العناوين في تشكيلاتها مضمون أو مضامين القصة الأم وتمظهرات رؤية المبدع.
أما الثاني: تشكيلات المنظومة العناوينية وتجلي الرؤية، ومن خلال قراءة في عناوين بعض المجموعات القصصية لسناء الشعلان وبنيتها السطحية ومحاولة فهم أنساقها البنائية في تماثلها والبنية الدالة العميقة-الرؤية- تأتي عملية تفسيرها بالبحث عن المكونات الفاعلة لهذه البنية العميقة أو الرؤية التي تقوم على مبدأ التكوين المرتكز على الكيفية التي تتولد بها الأبنية العقلية على المستوى التاريخي ومنه الاجتماعي والسياسي والإقتصادي…
أولا: العنونة في القصة القصيرة المفهوم والبناء.
العنوان في لغة العرب من “(عنَنَ) وعَنَّ الشّيءُ يَعِنُّ ويَعُنُّ عَنَنًا وعُنُونًا، ظَهرَ أَمامكَ، وعَنَّ يَعِنُّ ويَعُنُّ عَنًّا وعُنُوانًا واعْتَنَّ اعْتَرَضَ وعَرَضَ ومنه قول امرئ القيس:
فَعَنَّ لنا سربٌ كأن نعاجه” (ابن منظور. 1992: 3139)
ومن (عَنَا) و”عَنَوْتُ الشّيءَ أبديته وعَنَوْتُ به أخرجته، وعَنَتِ الأرض بالنبات تَعْنُو وأَعْنَتْه أَظهرتْه. قال ذو الرمة:
ولم يبق بالخلصاء مما عَنَتْ به *** من الرطب إلا يبسها وهجيرها” (ابن سيده. 366:2000).
من هذا التأصيل المعجمي يتضح أن الظهور والاعتراض يشيان بمعنى المادتين -عَنَنَ وعَنَا-فأما الأول فيعني سطوته وتجبره إن على مبدعه لأنه صاحب صدارة النص وله دقة البناء واتساع المعنى الذي يوشك أن يوازيه به. وإن على متلقيه لفرض نفسه عليه، حين يعلو النص وحين يفصح بإيجاز شديد عما فيه. وأمّا الثاني فوقوف العنوان حاجزا معترضا ما بين القارئ والنص.
والعنوان في اصطلاح النقاد علاقة بنائية دالة يشتبك فيها العمل وعنوانه على أساس بنائي حيث يَختزل فيها بناءً ودلالة العنوانُ القصةَ بشكل كامل (فضل.ص.236:1992). إنه بنية سطحية بنظام دلالي له مستوى عميق مثل نصه تماما، ولهذا نجد صاحبه يجهد نفسه حتى يحمله محتوى نصه العام(قطوس.ب.37:2001). ليجعله عامل تفسير مهمته الأولى وضع المعنى أمام القارئ. وهنا يصبح العنوان هو البنية الظاهرة التي يمكن أن تدرج على رأس كل نص لتحدده وتدل على باطنه ومحتواه العام (Comprubi.JB.2002;5). هذا عن مفهوم العنوان عموما في حقل الأدب لكن ما يريده البحث هو خصوصية العنوان في السرد، بل في القصة القصيرة حين تشتغل فيها المنظومة العناوينية لتأخذ تشكيلا يمكن أن يفهم ويفسر من خلال تماثله والعناصر المكونة لبنيته العميقة الدالة.
والقص بصفته فعلا سرديا; أممي عبر تاريخ وثقافات الشعوب. والمتتبع لتاريخ العنونة في النتاج الأدبي يجد أن النثر أوفر حظا من غيره في امتلاك العنوان (الغذامي.ع.267:1985). فيأتي هذا الأخير في النص السردي ملازما ولصيقا للنص أكثر من النص الشعري وبخاصة الشعر العربي القديم الذي نراه قد استغنى عن العنونة أحيانا (قطوس.ب.2001: 117/118).
ولعل السرد العربي يستمد قوته وديمومته من عراقة العنونة فيه، فالمرويات الكبرى; القرآن الكريم، كليلة ودمنة، وألف ليلية وليلة، والمقامات، ورسالة الغفران، ورسالة التوابع والزوابع… تكسب السرد المعاصر إرثا ثريا في مجال التسمية , حتى وإن كانت الأنواع السردية المعاصرة: القصة القصيرة , السيرة الذاتية, الرواية. انتقلت إلى الفضاء العربي نتيجة التثاقف والترجمة، فإن العنونة في مجال المرويات السردية التراثية غدت رأس مال للسردية المعاصرة , يتحاور معها السارد المعاصر ويتقاطع. فالعنونة في السرد تقليد وسمة وقانون، حتى أصبحت مقاربة العنوان أمرا حيويا للإمساك بمكائد السرد ومراوغاته.
والكشف عن أسرار عنونته يعني كشفا لطرائقه في البنية والأسلوب وكيفيات التدليل(حسين.خ ح.303:2007)، فالعنوان في القصة يدل على موضوع الخطاب السردي فيكتسب عضويته منذ الوهلة الأولى بما يمكن أن يحمل من دلالات البنية السردية والمغزى الذي تهدف إليه “عندما يكون بنية عامة قابلة للتحليل والفهم والتفسير والتقويم، من خلال عناصر النص الأساسية التي تتمثل في مشاهده ومتوالياته، ووحداته الوظيفية، ومراحل تكوين بنيته العامة. وتتمثل كذلك في بنياته الأساسية وخطاباته ومنظوره الفني الذي يبدو في الشخوص، والأحداث، والفضاء الروائي، والراوي، ومنظور التعدد.(لحمداني.ج.70:2016). فتشي الصياغة الفنية للمنظومة العناوينية بالنظم الجيد للبنية السردية والتخطيط المنسق لحبكة القصة، لاسيما إذا علمنا أن السرد، إنما هو جملة من التحولات التي تتابع وفق برنامج سردي ولا سبيل إلى معرفة وضعية قصصية إلا برصد العناصر التكوينية والعلاقات التي تندرج فيها.
إن مقاربة أي نص إبداعي من خلال عنوانه وبأي منهج كان، أمر في غاية الصعوبة. صحيح أن العنوان هو النص وأنه مفتاحه “لكنه قد يصادر رؤية المتلقي وقد يوجهه أو يختاله فلا يكشف له عن شيء من رؤى النص”(العبيدي.ع أ.م.74:2009). فما يتهم به البحث هنا هو ما تقدمه المنظومة العناوينية في المجموعة القصصية من تدليل على الرؤية يساعد في حصرها وبيان طبيعتها، من خلال تشكيلات العنونة ثم فهم بنيتها السطحية وتفسير الدالة العميقة منها، عندما تُقرأ مجتمعة. فصاحبها وقت صناعتها-العنونة-يستجيب لقوة داخلية غامضة تملي عليه هذا الاختيار، تكون ناتجة عن مكونات بنيته العميقة التي تستمد من لاوعيه الثقافي، الاجتماعي، العقدي … فيبحث عن التشويق عبر استخدامه الألفاظ المتناقضة والتركيبات الغامضة الموحية أو تلك التي تداعب مشاعر القارئ أو تستفز أحاسيسه و التي في النهاية “تجسد نظرة الكاتب إلى الكون أو الطبيعة أو البشر”(العلاق.ع.ج.05:2002) ليغدو العنوان والنص في تشكيلهما ورؤيتهما بنية معادلية كبرى: >المنظومة العناوينية: نص المجموعة القصصية< .
ثانيا: تشكيلات المنظومة العناوينية وتجلي الرؤية
نعمد هنا إلى قراءة المنظومات العناوينية لبعض قصص سناء الشعلان – فما كتبت يقارب العشرين مجموعة قصصية، عدا ما تكتبه للطفل أو الرواية أو المسرح- إلى محاولة فهم بنياتها السطحية وتشكيلاتها التي تتماثل والبنية الدالة العميقة والعناصر المكونة للرؤية. هذا الاهتمام بالعنونة لا يقصي النص بل يستند إلى تعبيراته المتجزءة لتكون دلالات العنونة جامعة، حتى تحمل المضمون العام وتحصر الرؤية و تكشف طبيعتها المجملة. فالعنونة تفتح ما أغلق في النص إذ تبرهن مباشرة على ما تلاعب به النص، وتجمله. فتصبح رؤية الكاتب محصورة بها مكشوفة الطبيعة مقيدة .
-مجموعة: تراتيل الماء(الشعلان.س.2010)
تتوزع المجموعة على إحدى عشرة قصة قصيرة، تنقسم هذه القصص بدورها إلى متتاليات قصصية مرة أخرى لتقدم فروعا وأغصانا جديدة من النصوص التي تحمل كل واحدة منها شيئا مما يحمله عنوان المجموعة، يوضحها الجدول التالي:
المنظومة العناوينية لمجموعة تراتيل الماء:
عناوين قصص المجموعة | عناوين المتواليات القصصية لقصص المجموعة | |
عنوان المجموعة ‘ تراتيل الماء’
|
تراتيل الماء
سيرة مولانا الماء
س.ص.ع لعبة الأقدام
سفر البرزخ
المفصل في تاريخ ابن مهزوم وما جادت مه العلوم
حكاياتها
قاموس الشيطان
أحزان هندسية
خرافات أمي نفس أمارة بالعشق مليون قصة للحزن
|
(1)ماء السماء(تراتيله مقدسة).(2)ماء الأرض(تراتيله مكاء وتصدية)
(3)ماء البحر (ترتيله سخط) .(4)ماء البحيرة(تراتيله بكاء) (5)ماء النهر(تراتيله رقص).(6)ماءالينبوع(تراتيله حكايا) (7)ماء الشلال(تراتيله عشق).(8)ماؤهما(تراتيل نسل) (1) سيرة التكوين. (2) عروس مولانا الماء. (3) حوريات الماء. (4) عرافة الماء.(5) نحولات السيد. (6) مذكرات مولانا الماء. (7) الطوفان. (8) المدينة الفاضلة. (9) عام مولانا الماء. “س” “القدم العرجاء تهوى لعبة الأقدام أيضا”. “ص” “الضفائر السوداء تتقن لعبة الأقدام”. “ع” “عليك أن تحضر جسدك معك كي تلعب لعبة الأقدام”. “لعبة الأقدام” “من حق الأقدام أن تتمرد على الأعراف والعادات والأحزان” قصة الخلاص الأولى(من الصفر إلى…). قصة الخلاص الأخيرة (من…إلى الصفر) (1) ابن زريق لم يمت. (2) شهريار يتوب. (3) جالاتيا مرة أخرى. (3)(أ).(3)(ب). (4) مسرور المجنون. (5) معروف الإسكافي. (6) السندباد السماوي (7) حذاء سندريلا. (8) شمشوم الجبار.(9) العذراء الذبيحة. (10) ثورة اللصوص(11) الخيل والماء والنار وما يزرعون.
(1) الحكاية الأم . (2) الحكايا النموذج 1:1. 1:2. 1:3. 1:4. 1:5. 1:6. 1:7. 1:8 . (3) الحكاية المأساة
الألف: أَحَدَثَ. الباء: بَدا . التاء: تاه . الثاء: ثلثا . الجيم: جمعهم . الحاء: حالته . الدال: دلّلها . الذال: ذاتي . الراء: ردفها . الزاي: زائر . السين: سنين . الصاد: صمودهم . الضاد: ضمّ . الطاء: طال . الظاء: ظاهر . العين: عقدو. الغين: غيوم. الهاء: هي. الواو: وَقَفَ . الياء: يمر
(1) أحزان نقطة المركز. (2) أحزانخطين متوازيين. (3) أحزان مثلث. (4) أحزان مربع . (5) أحزان دائرة.
الخرافة الأولى. الخرافة الثانية. الخرافة الثالثة. الخرافة الرابعة. الخرافة الخامسة. نفس أمارة بالعشق مليون قصة للحزن
|