في الأدب العربي «الأم” امرأة مزيفة تحجب كل النساء
أمين الزاوي – الجزائر – ” وكالة أخبار المرأة “
تتميز المجتمعات العربية والمغاربية بحرية كبيرة جماعية وفردية في استعراض ثقافة “الكراهية” عبر الخطاب الشفوي أو بالكتابة أو بالاعتداء الجسدي، وهي حالة لا تثير حرجا ولا تزعج المحيط الاجتماعي، بل يبدو السلوك عاديا وسليما ومُتَسامَحا معه، بل كثيرا ما يبرر “دينيا” و“عاداتيا”، وتشترك في صناعة وإنتاج “ثقافة الكراهية” الأسرة والشارع والمثقف والمربي والجاهل والسياسي على حد السواء.
وفي المقابل ما أن يبدي مواطن آخر مظهرا من مظاهر “ثقافة الحب” كأن يعلن من خلال سلوك أو خطاب أو كتابة عن وضعية حب لامرأة أو أن يبدي غزلا… وإذا به يبدو وكأنه خارج “القطيع”، فستهب القبيلة والأسرة والشارع والمثقف والإمام والمربي والقاتل والمجرم لإعلان حالة من الاستنفار، حالة من الاستنكار، فالحب يصنف في باب “المنكر”.
الأم المزيفة
داخل هذا التصرف الاجتماعي المتوحش المعادي للحرية الفردية والمناهض لقيم الجمال والحب تتم صناعة إنسان عربي ومغاربي في البرامج المدرسية وفي خطب المساجد وفي الشارع وفي الأسرة وفي الأحزاب السياسية بشكل عام.
ويجب التوضيح بأن هذه الحالة المرضية لا تصيب المواطن العادي البسيط بل هي مستشرية في النخب الثقافية والجامعية أيضا، فنادرا، بل من التابوهات، أن تجد جامعة أو مركز بحث ينظم ندوة حول “الحب” أو “الجنس” أو “الجسد” كقيمة اجتماعية، فمثل هذه الأسئلة تتم مُحارَبتها وبشراسة من قبل “جنود جبهة ثقافة الكراهية” في مجتمعاتنا.
إن الحب كما “احترام الاختلاف” كما “العيش المشترك” ثقافة محاصرة ومطاردة من قبل المدرسة والشارع والأسرة والحزب والمثقف، من هنا نلاحظ أن النخب العربية والمغاربية التي يفترض أنها تنتج الأفكار الجديدة وتربي الأجيال على حلم “العيش المشترك” والمواطنة وقيم التعدد المتسامح وتشرف على البحوث وتكتب الكتب وتقرأ القصائد… هذه النخب هي من تذيع، أو غالبيتها، في الأجيال الفكر المتسامح مع ثقافة “الكراهية” ومع ثقافة “العنف ضد المرأة” والمناهض “للحب” بمفهومه السامي الذي تتحقق فيه حرية الفرد التي تكفلها حقوق الإنسان العالمية.
انطلاقا من هذا السلوك الذهني والاجتماعي والسياسي أيضا تتشكل صورة نمطية عن المرأة في الواقع وفي الكتابة الأدبية والتعبيرات الفنية المختلفة الأخرى.
فالمرأة في الكتابة، وفي غالب الأحيان، مختصرة ومختزلة في صورة “الأم” بكل أطياف “التقديس” القادمة من “الدين” ومن “الثقافة الشعبية” ومن الأساطير، وأكثر رواياتنا هي مديح للأم، أو البكاء على الأم أو الشوق للأم، والمثقف الكاتب العربي والمغاربي مصاب بعقدة أوديب بشكل أو بآخر، وهي العقدة التي تخفي كمية القمع الذي يمارسه المجتمع على العلاقة السليمة والإنسانية المفترضة أن تكون ما بين “الرجل والمرأة”.
لذا وجدنا أنفسنا أمام نصوص تكتب “الأم” فَتُمَلِّكُها جميع الفضاءات، فضاء الحبيبة وفضاء الصديقة وفضاء العشيقة وفضاء الزوجة وغيرهن. فالكاتب المقموع داخليا بمجرد أن يفكر في “المرأة” عليه أن يمرر ذلك عبر مصفاة صورة “الأم” حتى يبرر حديثه عن الحب أو العشق أو الشوق.
وتأخذ هذه العلاقة المرضية والملغومة بين الكاتب وشخصية “الأم” شرعيتها وحرية “التصريح” بها من المتن الديني أو من الأخلاقي الزائف، والتركيز على صورة “الأم” في تجليات المثالية “الفضيلة” و“النظافة” و“الملائكية” و“اللاجسدية” هي حالة كبت جنسي وعاطفي يعاني منهما المثقف العربي والمغاربي، وكأن الأم ليست “امرأة/أنثى” لها رغباتها الجسدية الإنسانية الطبيعية.
إن هذه العلاقة “المثالية الزائفة” القائمة بين الرجل العربي والمغاربي وصورة “الأم” والمكرسة اجتماعيا ودينيا وثقافيا هي التي تبعد الرجل العربي بما فيه المثقف الروائي والشاعر والمسرحي عن إنتاج علاقة سوية مع المرأة الحبيبة والزوجة والصديقة والبنت والأخت.
وعقدة الشهوة لـ”حليب الأم” تغطي على كل الشهوات الأخرى الطبيعية والجسدية التي يثيرها “وجود” المرأة.
وحضور صورة الأم المثالية والنمطية يعمي الكاتب عن الوصول إلى تفاصيل صورة “الأنثى” المتعددة بكل ما تحمله من عمق إنساني مشبع بالإثارة والإغراء والمتعة والحب الذي يختلف عما تثيره شخصية “الأم”، انطلاقا من ذلك تبدو المرأة العاشقة بالمعنى الكامل للعشق غائبة، أو تكاد، في رواياتنا وفي أشعارنا، وحين توجد فهي ملعونة كما هي في رواية “الخبز الحافي” لمحمد شكري أو “التطليق” لرشيد بوجدرة أو “حديقة الحواس” لعبده وازن.
حالة الشيزوفرينيا
نظرا إلى القطيعة الواضحة والعميقة ما بين الأدب العربي والفن التشكيلي، يلاحظ غياب “حضارة العين” وفلسفة “النظر” في ما يحيط بالأديب من أشكال مادية، كالجسد الإنساني والعمارة والألوان، وهو ما يجعل أدبنا وكأنه “أعمى”، وهذه حالة تجد تفسيرها ومبررها في الضغط الذي تمارسه “ثقافة الحشمة” المؤسسة على مقولة “غض الطرف” وثقافة “النفاق” الأخلاقي المتغلغلة في الوسط الاجتماعي على الكتابة وعلى الكاتب.
هذه الحالة سحبت الأدب العربي والمغاربي بشكل عام إلى الاعتماد على قيم “السماع” أكثر من “النظر” وبالتالي نجد النصوص مليئة بـ“آهات” الحنين و“اللوعة” وهي قادمة أكثر من فضاء “الموسيقى” و“الحكاية” الشعبية التي تروى بعيدا عن “الضوء” وعن الوضوح، من هنا فالعلاقة الحميمية الجنسية ما بين الزوج والزوجة تقوم في “الظلام”، ويولد الأطفال من الظلام!
والإنسان العربي بشكل عام شأنه شأن الكاتب أو المثقف لم يتخلص بعد من أيديولوجيا “الفحولة” المرتبطة بزمن “الفروسية”، فهو يعتقد بأن الإمتاع والتمتع هما حالة ذكورية فقط وأن المرأة هي لإمتاع الآخر لا للمشاركة في خلق المتعة وصناعتها، المتعة التي هي فلسفة الجسد وطاقة الجسد الإنساني. في العالم العربي والمغاربي، يخضع المثقف اليساري والحداثي والمعاصر، الفيلسوف والشاعر والروائي والناقد التفكيكي والناقد البنيوي والناقد السيميائي، جميعهم يخضعون لمنطق الفقيه ويلبسون نساءهم لباس الفقهاء ويمارسون عملية البحث عن صورة أمهاتهم لـ“الحب” وعن “الأَمَةِ” للجسد للمتعة في الشوارع.
إنها حالة الشيزوفرينيا التي تحولت إلى حالة طبيعية في السلوك الفردي والعام كما في بنية عقل المثقف العربي
والمغاربي. انطلاقا من ذلك يمكن اعتبار الكتابة الأدبية العربية والمغاربية قائمة بين رؤيتين أساسيتين “رؤية ذكورية فروسية” خارجة عن التاريخ ومعادية لمنطقه، و“رؤية أوديبية” تغرق في نفاق أخلاقي وسياسي وجمالي خارج “الحب” ومعادية له