انت هنا : الرئيسية » الواجهة » سمير أحمد: في يوم الأرض… “مسيرات العودة” تقتحم البوابات الموصدة

سمير أحمد: في يوم الأرض… “مسيرات العودة” تقتحم البوابات الموصدة

سمير أحمد

راي اليوم

يحيي الفلسطينيون، في أماكن تواجدهم كافة، داخل فلسطين وخارجها، اليوم 30 آذار/مارس 2018، الذكرى الثانية والأربعين لـ”يوم الأرض” الخالد الذي تعود جذوره إلى العام 1976. بنشاطات سياسية ونقابية وشعبية، أبرزها “مسيرات العودة الكبرى” التي ستتواصل مفاعيلها وتتصاعد نشاطاتها في المناطق الحدودية مع الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48، وصولاً إلى ذكرى النكبة في الخامس عشر من أيار/مايو المقبل. وتشمل هذه النشاطات الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48، بكل مدنها وقراها العربية، بأحزابها وهيئاتها ومنتدياتها وجمعياتها، وكذلك الضفة المحتلة بما فيها القدس، والقطاع المحاصر، واللاجئين الفلسطينيين المتمركزين في مخيمات لبنان وسوريا والأردن، وأماكن تواجدهم كافة، وعلى امتداد القارات الخمس.

وتكتسب ذكرى “يوم الأرض” هذا العام أهمية استثنائية نظراً للظروف الموضوعية والذاتية الصعبة والمعقدة التي تمر بها القضية الفلسطينية، وبخاصة حالة الانقسام المتجذرة في الساحة الفلسطينية والمستمرة منذ نحو عشرة أعوام…

وتزداد الظروف خطورة بما تحيكه الإدارة الأميركية وحلفائها في المنطقة، من مخططات لتصفية لتصفية القضية الفلسطينية التي اختصرها الرئيس الأميركي بـ”صفقة القرن”. والتي بدأت ترجماتها العملية بإعلان دونالد ترامب القدس عاصمة لكيان العدو الصهيوني، ونقل سفارة بلاده إليها بالتزامن مع ذكرى النكبة؛ وبدعوته المباشرة لإسقاط حق عودة اللاجئين الفلسطينيين وتوطينهم حيث يقيمون؛ وإلغاء “وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين” (الأونروا)؛ وإنهاء ما يسميه بتوريث صفة اللاجئ للأجيال الفلسطينية التي ولدت خارج فلسطين المحتلة، وحصر صفة اللاجئين الفلسطينيين بمن تبقى على قيد الحياة من مئات آلاف اللاجئين الذين هُجروا من أرضهم بفعل مجازر العصابات الصهيونية الفاشية في العام 1948، فقط… لتنتهي مع آخر المعمرين وتطوى صفحات قضية اللاجئين الفلسطينيين كما يتوهم ساكن البيت الأبيض، وقادة العدو.

كل ذلك، يجعل من إحياء ذكرى “يوم الأرض”، هذا العام، مناسبة أكثر أهمية وحيوية، وإستثنائية، خارج السياق التقليدي، حيث يحتشد الملايين من اللاجئين الفلسطينيين، بمسيرات العودة الكبرى، عند حدود الوطن السليب، موجهين رسائل في كل الاتجاهات، للأشقاء والأصدقاء قبل الأعداء، تحمل رسائل واضحة الدلالات والمعاني، أبرزها: تمسك الفلسطينيين بأرضهم، واستعدادهم الدائم والمتواصل للدفاع عنها وحمايتها، والكفاح من أجل استعادتها من براثن العصابات الصهيونية وكيانها العدواني، وتحقيق العودة الحرة الكريمة إلى أرض الآباء والأجداد.. ورفض الفلسطينيين المطلق لكل مشاريع تصفية القضية الفلسطينية، التي تتجلى اليوم بـ”صفقة القرن” الأميركية – “الإسرائيلية”… ورفض كل أشكال التوطين والتهجير، والوطن البديل، ومحاربة التطبيع وأدواته وخطواته المتسارعة المضبوطة وفق “الأجندة” الأميركية، التي خيوط “الصفقة” أدواتها…

“يوم الأرض”… يوم التصدي للتهويد

وتعود جذور ذكرى “يوم الأرض” الخالد إلى التاسع والعشرين من آذار/مارس العام 1976، حيث اتخذت حكومة العدو قراراً بمصادرة 20 ألف دونم في منطقة الجليل، من أراضي قرى سخنين، عرابة، دير حنا، طرعان، طمرة، وكابول، في إطار ما تسميه مشروع “تطوير الجليل”، الذي كان عملياً يستهدف تهويد منطقة الجليل ذات الأغلبية الفلسطينية، وبالتزامن أعلنت سلطات الاحتلال حظر التجول على تلك القرى، من الساعة الخامسة مساء يوم 29 آذار، للحيلولة دون خروج أبناء الجليل في تظاهرات شعبية غاضبة ومستنكرة ورافضة.

إلا أن أبناء الداخل المحتل، و”لجنة الدفاع عن الأراضي” و”اللجنة القطرية لرؤساء المجالس العربية” ردوا على قرار سلطات الاحتلال بإعلان الإضراب العام والشامل بتاريخ 29 /3، احتجاجاً على عملية السلب، وهو ما استقبلته سلطات الاحتلال بأعلى درجات العنف والإجرام والفاشية، عبر اجتياحها البلدات العربية بالدبابات والمجنزرات، التي أسفرت عن وقوع شهيد واحد تبعه 5 شهداء في اليوم التالي الذي عُرف لاحقاً بـ”يوم الأرض”. إذ يعبّر هذا الاسم بشكل كبير عن المغزى الحقيقي لإحياء الذكرى، والتي تتمحور حول إعادة التأكيد على تمسك الفلسطينيين بحقهم التاريخي بكامل الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ نكبة العام 48… وإصرارهم على حمايتها والدفاع عنها واستعادتها.

وقد أدت مواجهات “يوم الأرض” التي غطت المساحة الفلسطينية برمتها، ووصلت مفاعيلها إلى بلدان اللجوء، إلى نقلة نوعية في تعامل المؤسسة الصهيونية مع موضوع الأرض. فما كانت تستسهل القيام به من حيث المصادرة وتنفيذها بجرة قلم، أصبحت تفكر فيه ألف مرة، وتتحسب قبل إقدامها حتى على مصادرات مقلصة أو صغيرة. وهذا هو مفعول “يوم الأرض”.  إنه قلَبَ المعادلة.

وهذا الأمر نشهد فصوله في منطقة النقب جنوبي فلسطين المحتلة، حيث يواجه أبناء الأرض مخططات الهدم والتدمير والتهجير لقرى: العراقيب وأم الحيران وغيرها من المدن والقرى، التي يعيد الفلسطينيون بناءها بعد كل عملية هدم، بذريعة البناء بدون تراخيص، او لـ”الدواعي العسكرية” و”الأمنية”، والتي تجاوزت في بعض الأحيان المائة مرة كتدمير أم العراقيب. وأم الحيران التي قدمت

الشهيد يعقوب أبو القيعان على دروب التصدي لعمليات الهدم المبرمجة والمتواصلة.

معاني الذكرى ودلالاتها

اليوم وفي الذكرى الثانية والأربعين لـ”يوم الأرض” الخالد، ينتفض الفلسطينيون في أماكن تواجدهم كافة، حيث تتجه “مسيرات العودة الكبرى”، بالداخل المحتل نحو القرى الفلسطينية المدمرة منذ العام 48؛ وفي الضفة المحتلة والقطاع المحاصر، وبلدان اللجوء تتجه المسيرات إلى المناطق الحدودية مع فلسطين المحتلة، في استعادة لأحداث إحياء ذكرى النكبة في 15 أيار/مايو العام 2011، حيث نجح بعض المتظاهرين في منطقة مارون الراس اللبنانية، وكذلك في الجولان السورية بهز الأسلاك  “الإسرائيلية” الشائكة، وفتح ثغرات فيها أدت لاختراق طلائع منهم للحدود، ووصول أحدهم إلى داخل مدينة حيفا المحتلة.

هذه الذكرى الخالدة التي ستحتشد لإحيائها جموع اللاجئين الفلسطينيين وأبناء الداخل المحتل، تحمل الكثير من الدلالات والمعاني، وأبرزها التالي:

تمسك الفلسطينيين بأرضهم على امتداد مساحة الوطن الـ27 ألف كيلو متر مربع، السليب (48) والمحتل (67)، والمترامية من الناقورة في الشمال إلى رفح في الجنوب، ومن البحر في الغرب إلى النهر في الشرق.

استعداد الفلسطينيين الدائم والمستمر للدفاع عن أرض فلسطين التاريخية،  والكفاح المتواصل من أجل تحريرها واستعادتها بكل الوسائل والأساليب  وفي مقدمتها الكفاح المسلح لتحرير الأرض واسترداد الحقوق والكرامة. وهذا حق مشروع كرسته كل الشرائع السماوي والأعراف والمواثيق الدولية.

الحق الفلسطيني بأرضه متجذر بالعقول والأفئدة والوجدان، وهو لا يموت “بموت الكبار” ولا “بنسيان الصغار”، كما توهم قادة العدو الصهيوني… ولا يبدل في الأمر، تغير الظروف الدولية والإقليمية، وتبدل موازين القوى!.. فالصراع على الأرض الفلسطينية لا ينتهي إلا بانتصار الحق على الباطل.

إن ذكرى “يوم الأرض” تبعث برسالة ممهورة بالتضحيات وبدماء الشهداء الزكية وآلام الأسرى، إلى الكل الفلسطيني، بأن لديكم في الداخل المحتل مليون ونصف المليون من أبناء الأرض المتجذرين، الصامدين بوجه سلطات الاحتلال، والمقاومين لفاشيتها وقوانينها العنصرية، ومخططاتها التهويدية، التي لا تستهدف الأرض فحسب، وإنما تطال البشر، وكل ما هو عربي (مسيحي وإسلامي) تراثي وحضاري فوق الأرض الفلسطينية… وفي المقدمة منها مدينة القدس والمسجد الأقصى المبارك، المستهدف بالتهويد وبالتدمير الممنهج.

هذا التحرك الفلسطيني المليوني، يؤكد مجدداً وحدة الشعب والأرض الفلسطينية، ويُسقط وإلى الأبد مفاعيل اتفاقيات أوسلو التي اعترفت بكيان العدو فوق ثمانين بالمائة من أرض فلسطين التاريخية، وأعطته الفرصة للسيطرة على مساحات واسعة من الضفة المحتلة التي تم زرعها بمئاتا المستعمرات وبمئات آلاف المستوطنين، كما أسقطت هذه الاتفاقيات من حسابات منظمة التحرير الفلسطينية أبناء الداخل المحتل، وأخرجتهم نهائياً من المعادلة الفلسطينية، كما توهم قادتها.

تعتبر “مسيرات العودة الكبرى” تأصيل لرفض الشعب الفلسطيني المطلق، ومقاومته الدائمة والمستمرة لكل مشاريع التسوية الاستسلامية، وآخرها “صفقة القرن”، الأميركية – “الإسرائيلية”، والتي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، وتعمل لصالح كيان العدو الصهيوني.

العودة حق ثابت ومقدس لكل اللاجئين الفلسطينيين، إلى أرض الآباء والأجداد، لا تتغير.. ولا تتبدل ولا تسقط مع تقادم الزمن… وتتوازى مع رفض كل أشكال التوطين والتهجير.. و”الوطن البديل”، ورفض مشاريع تبادل الأراضي، والتطبيع بكل أشكاله، وعلى الصعد والمستويات، كافة، التي تطرحها وتعمل على تحقيقها مشاريع التسوية الأميركية الصهيونية.

بهذه المعاني والدلالات فإن ذكرى “يوم الأرض” الخالدة تعيد كل عام توحيد الجغرافيا والديموغرافيا الفلسطينية، وتعيد القضية الفلسطينية التي تدخل في الخامس عشر من أيار/مايو المقبل ذكراها السبعين، إلى مربعها الأول باعتبارها قضية تحرر وطني من استعمار صهيوني إجلائي مدعوم بقوى إمبريالية أوروبية وأميركية، محكومة بمنطق الصراع الحضاري، الذي لا مجال فيه لأنصاف الحلول، ولتسويات، أثبت مسارها الفلسطيني المتواصل منذ نحو ثلاثة عقود ونيف، أنها عبثية، وتسير ضد مصالح وحقوق الشعب الفلسطيني، وأعطت للعدو الصهيوني ما عجز عن أخذه بقوة العدوان…

كاتب فلسطيني من لبنان

samir.sab@hotmail.com

عن الكاتب

عدد المقالات : 1687

اكتب تعليق

الصعود لأعلى