انت هنا : الرئيسية » الواجهة » عبد الرحمن مظهر الهلوش: معروف الرصافي: شاعر القومية والجهاد

عبد الرحمن مظهر الهلوش: معروف الرصافي: شاعر القومية والجهاد

عبد الرحمن مظهر الهلوش

رأي اليوم

يعدُّ الشاعر معروف الرصافي من أكبر شعراء العراق ولد في الرصافة بمدينة بغداد عام 1875م فيما كانت الدولة العثمانية مسيطرة على ولاية بغداد آنذاك .

شب معروف في عصر توالت فيه أحداث العالم العربي فشهد تحول مستمر فيه منها ضعف الدولة العثمانية ثم حركة الإصلاح والتجديد ومنها إعلان الدستور العثماني الذي تلاه الحرب العالمية الأولى فالثورة العربية الكبرى ثم انفصال البلاد العربية عن الدولة العثمانية وقيام حكومة فيصل .

نشأ في أسرة فقيرة تتألف من أب كردي ( عبد الغني محمود ) وأم ( فاطمة بنت جاسم ) تنتسب إلى عشيرة القراغول وهي من بطن قبائل شمر العربية .

كان أبوه شرطياً كثير التغيب عن البيت لذا ترعرع الرصافي في أحضان أمه فكان شديد الارتباط بها .

بدأ حياته الدراسية في أحد الكتاتيب فتعلم القرآن وختمه وتعلم مبادئ الكتابة ، ثم انتقل إلى المدرسة الابتدائية فقضى فيها ثلاث سنوات والتحق بعدها بالمدرسة الرشيدية العسكرية ولما رسب في الصف الرابع ترك المدرسة واتجه نحو العلوم الدينية الأدبية ، كان يحضر مجلس محمود شكري الألوسي ويتقلى العلم على يديه فأضحى أستاذه حتى أطلق عليه الألوسي اسم ( الرصافي ) ، ونراه يحفظ له هذا الجميل ويرثيه حينما توفي معترفاً بفضله :

لأشكرنك يا شكري مدى عمري

فأنت أنت الذي لقنتني حكما

وأبكينك أبكاراً وآصالا

بها اكتسبت من الآداب سربالا

ويبدو أنه وقع في ضائقة مالية فاضطر إلى العمل ، حيث بدأ التعليم في المدارس الابتدائية ومن ثم الثانوية يدرس الأدب ، وفي أثناء عمله ينظم الشعر وينشر قصائده في الصحف المصرية ( المؤيد – المقتطف ) وهكذا ذاع صيته في البلاد العربية والمهاجر الأمريكية أيضاً .

وازدادت شهرته حين أعلن عبد الحميد إعادة الدستور عام 1908م ، إذ ترجم معروف الرصافي النشيد الوطني التركي إلى العربية بوزن يصلح أن يقرأ باللحن التركي نفسه ، وفي هذا الوقت دعي إلى الأستانة ليساعد رئيس تحرير جريدة ( إقدام ) في إصدار نسخة عربية منها فذهب إلى عاصمة الخلافة ، ولكنه خاب أمله فعاد إلى بغداد ثم اختير نائباً في مجلس المبعوثان العثماني ( النواب ) عام 1912م ، وتزوج بفتاة من أزمير ثم طلقها لضيق ذات يده ، لم يترك فرصة تمر دون أن يستنهض قومه لاستعادة أمجادهم حتى أنه لما قدم شباب العرب في الأستانة مسرحية عن ( فاء السموأل ) ودعوا الرصافي إليها ألقى قصيدة موجهة إلى قومه :

ولو أن فيكم وحدة عصبية

ولكن إذا ما استنهض قام بينكم

لهان عليكم للمرام وصول

تلقاه منكم بالعناد جهول

وحين قامت الحرب العالمية الأولى واشتركت تركيا فيها أطلق الرصافي صيحته المدوية ( الوطن والجهاد ) دعا فيها المسلمين جميعاً إلى الجهاد عن الوطن فقال :

يا قوم إن العدا قد هاجموا الوطنا

واستنهضوا من بني الإسلام قاطبة

فانضوا الصوارم واحموا الأهل والسكنا

من يسكن البدو والأرياف والمدن

ظل الرصافي في الفلوجة حتى عام 1941م عندما دخل الجيش الإنكليزي إليها بعدما أخفقت ثورة العراق ضدهم بقيادة ( رشيد عالي الكيلاني ) ومن ثم ترك هذه المدينة وعاد إلى بغداد فسكن ضاحية الأعظمية حتى مات عام 1945م .

كان بيت الرصافي في الفلوجة وفي بغداد منتدى أدبياً يجتمع فيه الشباب يتحدثون في السياسة والعلم والأدب وكان معروف بالجرأة والصراحة ولا يهاب أحداً .

ما أشبه الأمس باليوم ، فكما أثبت أبناء الفلوجة الصامدة بطولاتهم وتضحياتهم في مواجهة الاحتلال البريطاني عام 1941م ، عادوا اليوم ليثبتوا للمحتل المعاصر أن إرادتهم أقوى من جبروت الآلة العسكرية المتطورة ، وأن الإيمان بحرية الوطن أقوى من الطائرات والدبابات والأسلحة المتطورة التي يستخدمها دعاة الديمقراطية والحرية .

صمود أهل الفلوجة وتضحياتهم اليوم ، أعاد للذاكرة أمجادهم الماضية ، التي كتب عنها الشاعر معروف الرصافي هذه الأبيات تمجيداً لصمودهم ومقاومتهم للاستعمار البريطاني عام 1941م :

أيها الإنكليز لن نتناسى

ذاك بغيٌ لن يشفي الله إلا

هو كرب تأبى الحمية أنا

هو خطبٌ أبكى العراقين

حلها جيشكم يريد انتقاماً

وأدرتم فيها على العزل كأساً

واستبحتم أموالها وقطعتم

أفهذا تمدنٌ ، وعلاءً

أم سكرتم لما غلبتم بحرب

ما حياة الإنسان بالذل إلا

فثناءً ( للرافدين ) وشكراً

بغيكم في مساكن الفلوجة

بالمواضي جريحه وشجيجه

بسوى السيف نبتغي تفريجه

والشام وركن البنية المحجوجه

وهو مُغر بالسكاكين علوجه

من دماء بالغدر كانت مزيجه

بين أهل الديار كلّ وشيجه

شعبكم يدعي إليه عروجه

لم تكن في انبعاثها بنضيجه

مُرةً عند حسوها ممجوجه

وسلاماً عليك يا فلوجة

من صفاته الشخصية : أجمع جميع الدارسين على أنه كان جباراً وعملاقاً في خلقه واسع الصدر قليل الاهتمام بالملبس والمسكن والمأكل ، شديد الحرص على كرامته ، وكان موضع إجلال الناس واحترامهم وكان عالماً أدبياً ، ويعتبر حامل لواء التجديد في الشعر دون منازع .

نظم الرصافي الشعر في أغراض كثيرة هي : الغزل والوصف ومظاهر الحضارة والعمران وفي الوصف الإنساني والاجتماعي والفلسفي والسياسي والشعر الوطني والقومي وفي المرأة وموضوعات أخرى .

الجديد في شعره : المدقق في شعر الرصافي يلحظ أنه كان مرتبط بعصره ارتباطاً وثيقاً فقد شارك في الأحداث السياسية والوطنية والقومية قبل الدستور وبعده ودافع عن حرية الفكر ودعا إلى الوحدة العربية :

سننهض للمجد المخلد نهضة

وتعتز من أرض الشام دمشقها

وتطرب في البيت المقدس صخرةً

يقرّ بها حوران عيناً ولبنان

وتهتز من أرض العراقيين بغدان

وترتاح في البيت المحرم أركان

وطرق الرصافي بعض الموضوعات في قالب قصصي ومن قصصه الناجحة قصة ( أبو دلامة والمستقبل ) ليصور فيها حياة هذا الشاعر العباسي وحبه للسلام الذي به استطاع أن يعلم خصمه درساً في المحبة وحقن الدماء وقتله بالقول لا بالسيف ليدعوا من ورائها ساسة البلاد إلى نبذ الخلاف والعمل على الوفاق أتمنى أن يطبق في العراق الزعماء الجد اليوم ما طالب به الرصافي في ذلك الوقت :

ما ضرّ من ساسوا البلادة لو أنهم

أمن السياسة أن يقتل بعضنا

كانوا على طلب الوفاق عيالا

بعضاً ليدرك غيرنا الآمالا

ونجد قصائد نظمها في المخترعات الحديثة ، وجدد شاعرنا فلما جدد باب سماه ( النسائيات ) جعل وقفاً على المرأة والدعوى إلى تحريرها التي حظيت باستحسان كثير من الناس في عصر الرصافي يقول فيها :

هي الأخلاق تنبت كالنبات

تقوم إذا تعهدها المربي

ولم أر للخلائق من محل

فحضن الأم مدرسة تسامت

وأخلاق الوليد تقاس حسنا

إذا سقيت بماء المكرمات

على ساق الفضيلة مثمرات

يهذبها كحضن الأمهات

بتربية البنين أو البنات

باخلاق النساء الوالدات

هذه الأبواب جديدة في مضمونها وأغراضها مستجدة من روح العصر ومن صميم البيئة التي عاش فيها الرصافي ، من حيث الأسلوب كان يجري على الأساليب القديمة من حيث الأوزان والقوافي والصياغة والتراكيب ، لكنه جدد في الرنة الموسيقية مع السهولة والوضوح من ذلك قصيدة إلى أبناء الوطن يقول في أولها :

سر في حياتك سير نابه

وإذا حللت بموطن

ولم الزمان ولا تجابه

فاجعل محلك في هضابه

ويشهد كثير من الباحثين الرصافي بلغته الشعرية الخاصة ، فهو ليس بالشاعر الذي يرسم اللفظ جزافاً ، وهو الشاعر الكبير الذي شغل العالم العربي فترة طويلة من الزمن استمرت أكثر من خمسين عاماً .. فهو شاعر العرب والعراق وشاعر النضال الوطني والكفاح من أجل نهضة وتقدم بلاد أمته ، أمتاز بالجرأة والصراحة دون أن يهاب أحداً سواء من رجال السلطة أو الشعب ، وهو الذي قال في قصيدة ( في سبيل حرية الفكر ) :

وجردت شعري من ثياب ريائه

أضمنه معنى الحقيقة عارياً

ويحمله الغاوي على غير وجهه

فلم أكسه إلا معانيه الغرَّا

فيحسب جهالها منطقاً هجرا

فيوسعني شتماً وينضرني شزرا

يمكننا كذلك أن نستشف منـزلته في الشعر الحديث من خلال بعض المزايا التي شهد له بها معظم من تناول شعره بالدرس والتحليل ، وكما حبب شعر الرصافي إلى النشء العربي فهو يقول ما يفهمون ويعبر بما يقول عما يحسون ويشعرون .

أما ميزته من الوجهة التعليمية فهي من أكبر المزايا التي جعلته المعلم الشعري الكبير ، فشعر الرصافي صالح للحفظ والاستظهار وذلك لسهولته وحسن ديباجته وصفاء عبارته .

صحّافي وكاتب سوري(*)

مراجع :

1- أعلام الأدب الحديث ، سيلم التكريتي .                     2- الأدب العصري في العراق ، روفائيل بطي .

3- دراسات في الشعر العربي المعاصر ، د . شوقي ضيف .     4- الرصافي شاعر القومية ، هلال ناجي .

5- صحيفة تشرين السورية 13/4/2004م 

عن الكاتب

عدد المقالات : 1687

اكتب تعليق

الصعود لأعلى