انت هنا : الرئيسية » اخبار متنوعة » الفيلم الفرنسي التاريخي: الملكة مارغو (1994) : ترانيم الموت المقدسة! دواعشهم سبقوا دواعشنا بأربعة قرون

الفيلم الفرنسي التاريخي: الملكة مارغو (1994) : ترانيم الموت المقدسة! دواعشهم سبقوا دواعشنا بأربعة قرون

 

 

مهند النابلسي

الملكة مارغو هي الوحيدة التي تتسلح بالإيمان والحب في مواجهة  طغيان الحقد الديني المتأجج بين البروتستانت والكاثوليك…وهي الوحيدة ذات الحب الهائل الذي يقاوم كراهية “الام القاتلة”، التي يبدو وكأنها عوضت عن فشلها بالحب بسيل من “الحقد والتحريض والقتل”…فيلم “الملكة مارغو” عبارة عن ملحمة سينمائية تظهر امكانات وعبقرية السينما الفرنسية كما وقدرتها الهائلة على منافسة نظيرتها الأمريكية في حال توفر الميزانيات الضخمة وهيهنا 30 مليون دولار.

لا تلزم الا شرارة الحقد “الطائفي والديني” لكي تؤجج شرارة التطهير الطائفي الكاسح من قبل زمرة  محدودة من الأشرار”المعقدين والمنافقين والمتوحشين الشهوانيين” لكي تشعل نيران ا تأكل الأخضر واليابس ، ولا تجد من يوقفها بفعل قانون “الاندفاع الذاتي والزخم الاجرامي”!

في تشكيلات ابداعية تشبه اللوحات الكلاسيكية الخالدة المحفوظة في متاحف باريس، تم تصوير مشاهد الزفاف الباذخ في المشاهد الاستهلالية، ثم ننتقل تدريجيا لأجواء الحرب التي تظهر فيها حالات القتل ضمن ايقاع موسيقي اوبرالي يشبه “الترانيم الدينية”، وكأن القتل والتنكيل أصبح طقسا مقدسا حيثتتحول المجزرة الى نوع من الصلاة الجماعية التي لا يوقفها شيء!

وكل ذلك  يجري باسم “يسوع″ وهو واحد في كلتا الطائفتين!

يبدأ  التحضير للمجزرة في خضم توافد الجمهور المكثف من البروتستانت للاحتفال بزفاف الملكة الكاثوليكية مع عريسها البروتستانتي”نافارو” (الممثل دانييل اوتيل بدور الملك هنري الرابع) الذي يتم لأهداف سياسية تنحصر بالسعي لإنهاء الحرب الدينية فيما بعد، ثم تقع الملكة الام في شر اعمالها عندما يقتل أحب ابناءها الثلاثة بالسم الذي وضعته خلسة بكتاب الصيد، وذلك بدلا من زوج ابنتها البروتستني- الفلاح- المكروه (حسب وصفها له)…وتبقى “مارغو” نبرة الحب الوحيدة في خضم هذا الكم الهائل من  الحقد والضغينة، لكن كل توسلاتها لا تستطيع ان تحفظ لها  عشيقها البروتساني الفلاح الوسيم “المسكين” الذي وجدته بالشارع (الممثل فنسنت بيريز)، فتكتفي بالاحتفاظ برأسهاالملطخة بالدم بعد قطعها، بعد أن يقوم صانع “العطور والسموم” بتجميله وتحنيطه بالعقاقير الحافظة، ثم تجيب على سؤال الفتى الذي يقودها للهروب “ولكن ملابسك ملطخة بالدماء”،فتكتفي بإجابه مقتضبة: “المهم أن تنظر لابتسامتي”! ثم تقول مارغو في أحد المشاهد “اني اشتم رائحة موت”…هكذا يغلب نمط الحوار الشكسبيري الشعري المأساوي بالرغم من قسوة الأحداث ودمويتها!

مهما قال النقاد عن هذاالفيلم من أنه  لم يتعمق في النسيج الاجتماعي للأحداث  وبالغ باظهار حالات وتفاصيل “المجازر والابادة” وحول “ام الملكة” الى “زعيمة مافيا” بمواصفات القرون الوسطى (القرن السادس عشر تحديدا)! ومهما قيل في هذا الفيلم التاريخي ، فهو باعتقادي ملحمة سينمائية بصرية، تجمع ما بين مهارات الابداع المسرحي والتصوير السينمائي الخلاب في آن واحد، كما انه يبتعد عن الاستعراض والخطابة والمبالغة بالرغم من تصاعد وتيرة القتل وتراكم الجثث في خضم المذبحة الدينية المتأججة، حيث يقال ان عدد القتلى بليلة واحدة قد وصل لأكثر من اربعة آلاف بروتستانتي، ولكن المغزى السردي لهذه المشاهد الفظيعة يبرر وجودها، وقد وصل العدد الاجمالي لضحايا المجزرة لأكثر من خمسين الف بروتستنتي دفنوا بمقابر جماعية!

وبالرغم من أن اساس المجزرة “ديني –طائفي” الا ان الدين ذاته  يبدو هنا وكأنه شعار خال من المغزى، فالأشخاص يتصرفون هنا  بلؤم ووحشية وكأنهم “وثنيون” لا يؤمنون بأي دين او عقيدة، وذلك ضمن أجواء متداخلة من الأكاذيب والخداع والدسائس والاغتيالات والمؤامرات والشهوات الجنسية المتمثلة بالزنا والاغتصاب وبلا حدود…حيث يدرك زوج الملكة مارغو انه “مشروع قتيل” متحرك، فيتم قتله لاحقا بالسم، كما قتل معظم الآخرين ا للذين يرتبطون معه بأية علاقة!

حصد هذا الفيلم (الذي اخرجه باتريك شيرو ويستند لرواية تاريخية كتبها ألكسندر دوماس  بالعام 1845) العديد من جوائز مهرجان كان، وأبدعت ايزابيل أدجاني بدورالملكة مارغو وأبدت شجاعة كبيرة لإلقاء نفسها بدور كبير كهذا، واعطت الدور بعدا “انسانيا-بطوليا-نموذجيا” جريئا غير مسبوق وبدت وكأنها تعيش في غابة وحشية… ولكن جائزة التمثيل الاولى ذهبت لفيرنا ليسي بدور ام الملكة “كاترين دي ميديسي”!

تنبع المفارقة  التي تشبه الكوميديا السوداء ” المرعبة” من أنحالات القتل والتنكيل تتحول بفضل البراعةالسينمائية الاخراجية الى مشاهد فنية ابداعية، بينما يصب على رؤوس الناس بواقعا لحياة دمارا وبؤسا وتنكيلا لا نظير له، وما نشهده بعالمنا وخاصة بشرقنا العربي (منذ اربع سنوات) لا يختلف ربما كثيرا من حيث الجوهر عما حدث قبل اربعة قرون بفرنسا وبعاصمة النور تحديدا، ولا مناص الا بالعودة للمنابع الروحية النقية في الضمير البشري بعيدا عن أهواء السياسة والمصالح والتحالفات والأحقاد “التلمودية”والدينية والطائفية والعرقية والاثنية…فيا حكماء العالم والعرب اتحدوا وحذار من المجازر القادمة!

ناقد سينمائي

Mmman98@hotmail.com

المصدر: رأي اليوم

 

عن الكاتب

عدد المقالات : 1615

اكتب تعليق

الصعود لأعلى