حصيلة «كان»: سيطرة النساء على العروض… جرأة تناول الجنس… وأخلاقيات الحرب على المخدرات
حسام عاصي
مايو 25, 2015
كان – «القدس العربي»:
يعم مدينة كانّ الهدوء النسبي هذا اليوم بعد أن انسحبت جيوش رواد السينما وصانعيها الذين قضوا أسبوعيين يتذوقون أفلاما من أقطار مختلفة قدمها لهم مهرجان كان للسينما في دورته الـ68. طبعا مشاهدة الأفلام هي عنصر واحد من عناصر هذا العرس السينمائي، فهناك الحفلات وسوق الأفلام والحوارات والمحاضرات والمؤتمرات الصحافية وعروض الأزياء، التي تجعل من المهرجان أهم حدث سينمائي سنوي، يستقطب مئات الآلاف من عشاق ونجوم السينما، معجبي المشاهير ووسائل الإعلام.
ما ميز المهرجان هذا العام كان الحضور القوي لأفلام من بطولة أو إخراج نساء، مما أكسّبه لقب «مهرجان النساء»، وذلك نبع من محاولة إدارة المهرجان الرد على النقد بأنهم كانوا يتجاهلون النساء في اختياراتهم. فلأول مرة منذ عام 1987، تم اختيار فيلم افتتاح وهو «رأس مرفوع»، مخرجته امرأة وهي الفرنسية إيمانوي بيركو، التي تشارك في المسابقة الرسمية للمرة الأولى. وتقوم ببطولة الفيلم الممثلة الفرنسية المخضرمة كاثرين دونوف، مجسدة دور قاضية فولاذية ذات قلب طيب تنجح بالتواصل مع ومساعدة شاب جامح فشلت السلطات في كبح سلوكه غير الاجتماعي. وكان استقبال الفيلم إيجابيا، ولكنه سرعان ما أنحسر ذكره بالأفلام التي تلته.
وكانت هناك أفلام من بطولة نساء تصدرت تكهنات الفوز بالسعفة الذهبية، وحتى الأوسكار وأثارت اهتمام رواد المهرجان، مثل فيلم توم هينز «كارول»، الذي يتناول علاقة حب بين امرأة متزوجة غنية (كيت بلانشيت) وفتاة شابة تعمل في متجر (روني مارا) في أوائل الخمسينيات في الولايات المتحدة، حين كانت المثلية مرفوضة اجتماعيا وممنوعة قانونيا. الأداءات الرائعة التي قدمتها بلانشيت ومارا أشعلت تكهنات ترشيحات جوائز أوسكار لهن العام المقبل. ويذكر أن فيلم «حياة أديل»، الذي سرد قصة حب بين سحاقيتين فاز بالسعفة الذهبية عام 2013.
كما أثار فيلم المخرج الإيطالي ماتيو غاروني «حكاية الحكايات» فضول رواد المهرجان بفضل المشاهد الغريبة التي عرضها، وخاصة التهام بطلته سلمى حايك لقلب وحش. ويسرد الفيلم ثلاث حكايات خيالية تدور في جنوب إيطاليا في القرن 17، كتبها جيانباتسيتا باسيلي النابولي.
الحكاية الأولى تتمحور حول ملكة، تجسدها حايك، تلجأ للسحر وتخسر كل شيء من أجل إنجاب طفل، والحكاية الثانية يلعب توبي جونس دور ملك يلتهي بتربية حيوان غريب، متجاهلا إبنته التي يزوجها لهمجي، وفي الحكاية الثالثة تغري أمرأة عجوز قبيحة، تحلم أن تكون شابة جميلة، ملك (فينسيت كاسيل) الذي يهوى الجنس. وكان كاسيل على حق عندما أكد لي أن الفيلم كان نسائيا، إذ أن كل حكاية تعبر عن مشاعر أنثوية قوية مثل الرغبة بالإنجاب والسعي لزواج مبني على حب وشغف الجمال. وعبرت لي سلمى عن استغرابها من الاهتمام المفرط بمشهد التهام قلب الوحش معلقة أنها لم تكن تتوقع ذلك.
وربما الفيلم الذي هز مشاعر جمهور المهرجان «أمي» للمخرج البريطاني أسيف كباديا. ويعالج التحديات، التي واجهتها المغنية البريطانية الشهيرة الراحلة آمي واينهاوست، التي انقلبت من فتاة مجهولة من شمال لندن الى نجمة موسيقى شهيرة في الـ 23 من عمرها، من خلال عرض مقاطع فيديو من الأرشيف ومقابلات مع زملائها ووكلائها وأبناء عائلتها. رغم موهبتها الخارقة إلا أن آمي فشلت في التأقلم مع جو الشهرة والضغط الاجتماعي والنفسي الذي نتج عنه، وبالتالي استسلمت للمخدرات والكحول التي عجلت بأجلها في الـ 27 من عمرها. عائلة آمي لم تحضر عرض الفيلم، متهمة إياه بتقديم رؤية زائفة عن حياة أبنتهم، وذلك لأن الفيلم يلمح إلى أن والد آمي أستغل نجاح أبنته لأغراضه الخاصة، متجاهلا مشاكلها النفسية، التي أدت الى هلاكها.
كما استقطبت الممثلة البريطانية إميلي بلانت إعجاب النقاد عن دورها كشرطية الاستخبارات الأمريكية «أف بي آي» كايت ماسر في فيلم «سيكاريو» للمخرج الكندي ديني فيلنوف، الذي يحضر المهرجان للمرة الأولى مع أنه رُشح للأوسكار مرتين عن فيلميه «أونسينديس» و»سجناء».
الفيلم يتناول أخلاقية الحرب على المخدرات في ولاية نيو مكسيكو الأمريكية، التي تبدو أنها لا تقل بشاعة عن الحرب الأمريكية على الإرهاب. وتصطدم ماسر مع مسؤولي وكالة المخابرات الذين يخرقون القانون ويقتلون المشبوهين بلا مبالاة، ولكن بدون جدوى. الفيلم يختلف كثيرا عن أفلام المهرجان الأخرى، إذ أنه معبأ بالحركة والتشويق والإثارة، وهذا ربما سوف يجعله غير مؤهل لنيل السعفة الذهبية، ولكن لا أستغرب إذا تصدر ترشيحات جوائز الأوسكار العام المقبل.
أفلام نسائية أخرى عرضت في نطاق المسابقة الرسمية، ولكن لم تتصدر إهتمام رواد المهرجان كانت: «ملكي» لميوين، من بطولة إيمانويل بيركوت و«أختنا الصغيرة» لليابانية كيدو ئيدا هوريكاز و»أمي» للإيطالي نينو موريتي و»مارغريت وجوليان» للفرنسية فاليري دونزيللي و»وادي الحب» للفرنسية غويليام نيكلوكس، من بطولة جيرارد ديبارديه وإيزابيل هوبيرت.
حتى الفيلمين العربيين الوحيدين الذين عرضا على هامش المهرجان عالجا مواضيع نسائية. فالفيلم الفلسطيني للتوأمين عرب وطرزان ناصر وهو «ديجرادية» يدور حول مجموعة نساء يحاصرن في صالون حلاقة في غزة عندما تشتعل اشتباكات دموية بين شرطة حماس وسارقين لأسد من حديقة الحيوان. والفيلم المغربي «الزين اللي فيك» للمخرج نبيل عيوش يسبر واقع بائعات الهوى في المغرب.
من المفارقات أنه بينما كانت النساء يهيمن على الشاشة داخل قاعات السينما، اشتعلت زوبعة محرجة للمهرجان عندما كشفت بعض النساء أنهن منعن من صعود المدرجات المفترشة بالبساط الأحمر لأنهن لبسن أحذية بدون كعب، مما دفع مسؤولي المهرجان للإعتذار والتراجع عن هذا القانون الغريب.
كما تميز مهرجان كان هذا العام بغياب أفلام بريطانية وحضور أفلام ناطقة بالإنكليزية من قبل مخرجين أوروبيين لا يتقنونها. المخرج الإيطالي باولو سانتوريني قدم «شباب» من بطولة مايكل كين، هارفي كايتيل وريتشيل وايز. ويتسم الفيلم بالجماليات البصرية واللحن الموسيقي، وهذا ما عودنا عليهما سانتوريني في أفلامه السابقة، ولكن الحوارات بدت مبتذلة وذلك ربما لكونه لا يجيد الإنكليزية، وعندما سألته لماذا تخلى عن لغته الإيطالية، رد قائلا إن لغته هي السينما وهي لغة عالمية يفهمها الجميع. ولكن انقسام الآراء حول جودة الفيلم، الذي يعالج العلاقة بين الشباب والشيخوخة من خلال سبر شخصية ملحن مشهور (كين) ومخرج أفلام (كيتيل) متقدمين بالجيل، أثبت غير ذلك، إذ أنه قوبل بالمدح من البعض وبالشجب من البعض الآخر بعد عرضه.
وقدم المخرج اليوناني يورغوس لانتيموس «ذا لوبستر»، من بطولة كولن فاريل وراتشيل وايز. الفيلم غريب وحافل بملامح سوريالية، ويحكي قصة أشخاص في فندق في غابة، على كل واحد منهم أن يجد امرأة يرتبط بها وإلا سيتحول الى حيوان. أما الفيلم الذي لقي إستقبالا قويا فكان «إبن شاؤول» وهو أول فيلم للهنغاري لازلو نيميش. ويحكي قصة يهودي يبحث عن أبنه في مخيمات المحرقة بعد أن اكتشف أنه ما زال حيا. أفلام المحرقة عادة تحصد جوائز قيمة، فلا بد أن هذا الفيلم سوف يتصدر ترشيحات جوائز الأوسكار العام المقبل حتى لو لم يتم تكريمه في كان.
رغم ما ذكرناه أعلاه من أفلام فنية إلا أن الخيبة غلبت على الحماسة بين العديد من النقاد الذين ركضوا من قاعة الى أخرى آملين أن يجدوا تحفة سينمائية، ولكن بدون جدوى. من جهة أخرى، فإن مشتريي الأفلام كانوا أكثر تفاؤلا. فمعظم لأفلام التي عرضت هذا العام لقيت مشتريا، وهذا يدل على أن السينما ما زالت بخير.
حصيلة «كان»: سيطرة النساء على العروض… جرأة تناول الجنس… وأخلاقيات الحرب على المخدرات
حسام عاصي