كلمة السر للخروج من الأزمة هي تحرير الناس من الخوف
في فيلم إيطالي رائع بمهرجان مراكش الدولي للفيلم
عبد الغني بلوط
تلقى جمهور المهرجان الدولي للفيلم بمراكش في نسخته 13 ،فيلم ‘تحيا الحرية’ لمخرجه الإيطالي المخضرم روبرتو أندو (54 سنة) بكثير من الاستحسان. الفيلم الذي عرض مؤخرا بقصر المؤتمرات وقوبل بتصفيق طويل ‘أعطى دروسا في الحياة والسياسة وقدم شخصيات تشبه إلى حد ما واقع الكثير من السياسيين في دول الجنوب ومنها المغرب طبعا’ حسب الانطباعات الأولية لكثير من النقاد.
والفيلم الذي شوهد في إيطاليا منذ فبراير 2013 ويلقى نجاحا كبيرا، مأخوذ من الرواية السياسية ‘العرش الفارغ’ التي صدرت عن المخرج ذاته سنة 2012، وحازت على عدة جوائز، مزج بين الجدية والسخرية بين الفشل والنجاح بين الصدق والكذب في قالب سينمائي اعتمد الوضوح وسلط الضوء على الوجوه ورسم معالمها عن قرب كبير، عرى الكثير من المتناقضات في المجتمع الإيطالي والضعف الحاصل في أي إنسان يسقط في الخيانة، خيانة أمته وأسرته حين يسير بدون وعي ضمير أو وازع أخلاقي.
يحكيالفيلم عن الاختفاء الطوعي للرجل الأول ‘الأمين العام’ بحزب المعارضة الرئيسي في ظل حملة انتخابية ملتهبة، بعدما بينت له استطلاعات الرأي أنه على شفا الهاوية، يسافر إلى فرنسا عند أصدقاء قدامى فتتنامى الإشاعات ويظهر القلق الزائد عن الحد في غياب المعارضة وصل إلى رئيس الجمهورية والمستشارة الألمانية ، سافر وترك رسالة قصيرة تقول ‘ الحزب في حاجة الى إصلاح’، وباتفاق مع أحد أعضاء الأمانة العامة ويده اليمنى تضطر زوجته إلى البحث عن توأمه الذي لم يره منذ 25 سنة، وهو رجل فيلسوف بارع وغريب الأطوار، والذي بتحدثه ‘لغة القلب’ بعيدا عن حسابات السياسة الضيقة استطاع أن يصنع تأثيرات مدهشة جعلت الحزب يعيد مكانته بل ويزيد من شعبيته يظهر ذلك في تجمع حزبي أمام جماهير غير معتادة.
ونجح الفيلم في تقديم قصة جميلة مع تجنبه الإشارة إلى الأحداث السياسية التي عرفتها إيطاليا أخيرا، حيث عبر بوضوح كبير عن الأمل والرغبة في التغيير، وكأن المخرج يقول حتى لو لم يكن هناك أمل فلابد من اختراعه. ويبدأ البطل في نسخة التوأم البديل يعري بعض المسلمات عند الجماهير حين يقول في لقطة جماهيرية ‘المنتخب من أخلاق منتخبيه، إن كان هو فاسد ولص، فهم يحملون جزءا من المسؤولية’، قبل أن يضيف في موضع آخر ‘ ‘. وفي الوقت الذي يهتم أعضاء الأمانة العامة والمتعاطفين والصحافة ببناء تحالفات قوية ولو مع المفسدين لهزم الخصم السياسي، يقول البطل في لقطة رائعة ‘لا يمكن أن نتحدث عن التحالف في هذا الموضع، إنه فقط توافق مرحلي، أما التحالف الحقيقي فيكون مع وعي الناس وضمائرهم’، ويقول في موضع آخر ‘كل المعاني الجميلة وكل الكلمات والمصطلحات والإشارات التي تريد محاربة الفساد تم تشويهها من قبل المعارضين، حتى يفقد الجميع الأمل في التغيير، ويبقى للمفسدين المكانة والرفعة والجاه والمال’.
بطل الفيلم وهو يؤدي دوره بكثير من الخفة والرشاقة والسلاسة في تتابع الأحداث وبلغة القلب دائما يجيب ‘رسالتي للايطاليين هي أن نكون صادقين’، وكأنه يقول بلغة أخرى ‘الكذب ونفاق السياسيين هي التي أوصلت البلد إلى الكارثة’. يقول شعرا قويا خلال خطاب سياسي ويعزف موسيقى في جو عائلي ويرقص التانغو في موقف غريب كمن يشدد على ضرورة اهتمام السياسة بالثقافة، و يفهم ذلك أيضا من خلال ما قدمه المخرج من زخم معنوي بإقحام أسماء كبار مثل بريخت وشكسبير، وكأنه يقول ‘ان هوية البلد الثقافية ثروة كبيرة يمكن دائما التعويل عليها في الأزمات’. الاهتمام بالثقافة يفسره أيضا وجود المخرج الايطالي الكبير ‘فيليني’ في الفيلم، والذي يبدو في مقابلة تلفزيونية غاضبا جدا ضد فواصل إعلانية يتم إدراجها في فيلمه’.’ ويقول فلليني ‘الثقافة من ذهب، وأول سقوط لأي كان يبدأ عندما يتنكر لثقافته’. في المقابل يظهر الفيلم أن السياسي المحنك الذي قد يكون قد خان أمته بقرارات خاطئة وأنانية، يخون أيضا أسرته في موقف ضعف حين يجد الجو مناسبا، وفي لقطات أخرى يستعيد بعضا من إنسانيته و أصدقاءه الذين فقدهم في السياسية. شاركت في بطولة الفيلم ‘تحيا الحرية’ الذي ينافس في المسابقة الرسمية على إحدى الجوائز مجموعة من الأسماء الفنية المعروفة منها طوني سيرفيو الذي جسد دور التوأمين ‘أنريكو اوليفيري، وجيوفاني إيرناني’، وفاليريو ما ستاندريا، وفاليريا بروني تيديشي ويكيلا سيسكون.
القدس العربي