وختامه
وختامه
وختامه…!
… قصدت مدينتي وقضيت مع أهلي سويعات بين أحضان مراكشي الحمراء.. فلحت في جعلي أنسى ما حدث في المطار حتى ركبت القطار باتجاه الدار البيضاء لأستقلّ الطائرة من هناك صوب روما.. وكما هو دأبي منذ الصغر.. بمجرد ما بدأ القطار في التحرك.. بدأت شفتاي بالتمتمة بدعاء السفر والسور الخمس المحمودة تلاوتها متبوعة بالاستغفار والتشهد.. ثم استويت في مقعدي آذنة لهواجسي في البدء بتحليل ومناقشة تلك الأحاسيس التي تلازمني كل مرة أهم فيها بمغادرة الوطن صوب الغربة في الكبر.. وحانت مني التفاتة نحو النافذة.. فإذا بنخيل مدينتي يتراءى لي على الجانبين كما هامات تتسيدها سحنات أعرفها.. قد اصطفت لوداعي.. راقني الأمر.. خاصة وأن وقتي الضيق لم يسمح لي بوصل أي كان عدا أسرتي الصغيرة وبعض الأحباب.. لذلك تبين خيالي بين السحنات ملامح أصدقاء صادقين وزملاء منافسين وجيران فضوليين ومعارف حشريين وغيرهم ممن أحب أو أتودد إلى نفسي كي تستحبّ تجاوزاً وتسامحا لما يأتون به من فعل أو قول!.. فأخرجت الهاتف الجوال وبدأت ألتقط صورا.. سأنتقي منها بعد العودة إن شاء الله ما يليق بشاشة كمبيوتر العمل والبيت وباقي العائلة الإلكترونية المتناسلة.. قبل أن يقرض صوت ذكوري حبل أفكاري الناعم سائلا: ـ هل لي بكلمة سيدتي؟
استدرت نحو السائل السّتيني مبتسمة ويا ليتني ما فعلت: ـ تفضل..
فقال: ـ ولو أنك لا ترتدين حجابا.. لكن لاحظت أنك الوحيدة في هذه المقصورة التي تحركت شفتاها بالدعاء.. هدايتك قاب قوسين أو أدنى من التحقق فلا تُبعيدها بفعلك هذا..
فقلت: ـ أي فعل؟
ليردّ: ـ الصور تُذهب الملائكة من البيت..
فسألت بدعابة لا تخلو من جد: ـ وحتى عن التكنولوجيا الحديثة وما هو ديجيتال؟
ليجيبني بحماس: ـ الصور محرمة بالنص وبالشرح المنقول عن الأئمة..
فقلتُ: ـ أشكرك على التذكير! لكن بإعمال العقل سنرى أن المنحوتات التي حُرّمت هي المتخذة لشكل مخلوقات بشرية حتى لا يعود قريش للوثنية وهم الذين اعتادوا صناعة أصنام من تمر يلتهمونها بعد انتهائهم من طقوس العبادة!.. ويفصل بيننا وبين زمن نص التحريم عصور وعصور.. إذن ففرضية ردّتي بعبادة ومن ثم التهام صور النخيل المراكشي المخزنة بالهاتف لَهُوَ الحمق عينه؟
فقال بحدة: ـ وما المنطق؟
أجبت بقناعة: ـ إعادة شرح وتحليل تفسير الأئمة بما يوافق روح العصر.. فالرسول صلى الله عليه وسلم قال ضمن آخر ما قاله : ” أنتم أدرى بأمور دنياكم”.. وهي دعوة للاجتهاد والتأويل.. ثم أن أُخزِّن صورة لطبيعة مدينتي التي أفدي بروحي أو صورة إبني أو جدتي.. سيجعل الملائكة تسعد في عليائها ولربما بإذنه تعالى تدون فعلي ذاك في سجل الحسنات! إذ ليس هناك ما هو أسمى من المحبة… و…
ليقاطعني: – أسفي عليك كبير! لكم أنت موقنة من الغلط!
لأقول: – تماماً كيقينك منذ قليل بأنني الوحيدة التي تلت الدعاء ضمن مسافري المقصورة!.. كيقينك باطلاعك على خبايا النفوس!.. كيقينك بضلالي وقرب هدايتي.. مع أن الله وحده الذي يعلم الغيب وأنت لست شريكه فيما خص به نفسه جل جلاله!.. كيقينك ادعاء البر والتقوى وتقمص الهادي والمرشد وأنت تتابع شفتي سيدة أجنبية عنك! كيقينك أن تدينك يحلّل لك التّملي وتركيز البصر لا غضه! وكيقينك أن الحجاب يعني حجب شعيرات الرأس بمنديل لا الثنايا الجسدية خارج أوقات الصلاة..
فقاطعني للمرة الثانية لكن كان قد انتصب واقفا: ـ تذكرتي بالدرجة الثانية.. عن إذنك..
ولله في خلقه المذكر شؤون.. يدفعونك نحو موج الجدال.. ومتى آنسوا منك استماتة في العوم فروا إلى أقرب شط وإن كان مجهولا!