هل يجرؤ الأدب على مصافحة الجائحة؟!
المهندس زيد عيسى العتوم
الاردن
اربد
جامعة اليرموك
منذ القِدم ومنذ أن وطأت تلك القدم الحائرة رمال هذا الكون الرحب, وعقدت العزم على الابحار في رموزه وغياهبه المتلاطمة, بقيت النفس البشرية تخوض غمار ما فيها وتنبش ذلك السر الدفين داخلها بلا هوادة, فتعيش الكثير من تجاربها مثقلة بالمشاعر والاحلام والهموم, وحائرة بما أستجدّ في حجراتها الضاجّة بالقلق والألم والخوف والكآبة واليأس, لكنها لم ترمي معاول الأمل ومفردات الحكمة, حتى تجد ذلك الدفء الذي تنشده ولا ترضى بغيره, وبقيت تصارع ذلك العالم الخارجيّ المستأسد بسطوته, والمتجبّر بكوارثه وأوبئته وحروبه, عالمٌ ربما أبعد ما يكون عن التسلية غالباً, وأقرب ما يكون الى الجنون احياناً, في رحلةٍ طويلةٍ وعميقةٍ لتقبّل الحياة بخساراتها والآمها وانكساراتها, ما دامت مناكفة القدر ونكرانه فكرة لا طائل من ورائها, اما الرضوخ عند اقدامه فهو أكبر الهزائم.
في طريق البحث عن ذلك الترياق ليكون ذلك القاتل المأجور امام تلك الجائحة الرعناء, لا بدّ وأن تصطفّ تلك الارادة الملوّنة بالأدب قرب تلك المناظير الجاحظة والأسرّة المتباعدة, الأدب الذي يذكّرنا بأن فكرة المعاناة هي فكرة أصيلة ومتجددة في عُمر من استنشق الحياة وامسك بمقبض الزمن, وأن هذا الطابع الإنساني الواسع لتلك الجائحة لا بدّ وان يمزج الكلمات ويجمع الألحان, وقبل كل شيء أن يحتضن البشر بأن يكمّم العيوب ويصهر القلوب, فيخاطب الارض بصوت تسمعه السماء, الأدب الذي طالما عوّدنا أن نتصالح مع الواقع ونرتقي بالوسائل, فنستلّ الحياة من سكرات الموت ونستمدّ الجمال من اكواب القبح, الأدب الذي لا يرى تلك الجائحة كخيبةٍ تطلق لهواجسه العنان, فيغرق في ذكر الفناء والدموع ووصف الأكفان, بس يُجلسها برويّةٍ على طاولة الأزمات والانكسارات, قرب اطباق الفرح واللذة والرضى, لندرك دائماً وابداً أن فسيفساء الحياة مرهونة بتناقضاتها, وأن لعنات الدنيا هي أبلغ القصائد وأروع القوافي في نقش محاسنها وتمجيد مآثرها, لأن الحياة جميلة وواعدة رغم كل شيء, الأدب الذي يناشد الأرواح الحالمة بالغد الجديد, والنفوس المتعطشة للخير والانسانية, الأدب الذي أسقى عطشنا وأطعم جوعنا عندما أخبرنا عن تلك السفينة التي تعبر النهر ذهاباً وجيئة, رافعة علم ذلك الوباء الأصفر دون أن ترسو, وبخدعة ذلك الوباء الرهيب وبرغم الكهولة والتعب وذبول العمر, تنتصر الحياة وينكفئ الفراق, وتنبري اللحظة لذات اللحظة ويكون الحب لذات الحب!.
سيبقى الأدب الجاد متعافياً لا مصاباً, طبيباً واثقاً لا مريضاً هائماً, يستلهم الحاضر ليصنع الغد الأفضل, يصف الواقع ويضيف اليه, يصارع الجائحة ولا يهادنها, متذكراً غابرييل ماركيز الذي أذهلنا بأن الحب قد يموت في العشرين ويحيا في السبعين, وأن ” هذا الحب في كل زمان ومكان, ولكنه يشتدّ كثافة كلما اقترب من الموت”!