انت هنا : الرئيسية » الواجهة » الإليزيه وفيروز وفنجان قهوة!

الإليزيه وفيروز وفنجان قهوة!

المهندس زيد عيسى العتوم
اربد
جامعة اليرموك

وصفوها بالأغنية التي تنسى دائما أن تكبر, وقالوا عنها بأنها تجعل الصحراء اصغر, وتجعل القمر اكبر, ورأوها آية في الروعة وغبطة للأرواح, عشقت التراب وأنعشت الكفاح, مَن نسيها قد أغفل البحر وعذّب الصباح, كتبت الحب على الحور العتيق, وغنت مع شادي سوى, وكان في ثلج وهيي تكبر وشادي بعده زغير, ثم لأجل مدينة الصلاة وزهرة المدائن, عانقت الكنائس ودارت في اروقة المعابد, هي فيروز ايقونة الشرق وسماء لبنان, جليسة الروح ورائحة المكان.

ليس من قبيل الصدفة او عبثية الاختيار, ان يعلن قصر الاليزيه بأن الرئيس الفرنسي ماكرون على موعد مع فيروز, وليس من الغرابة في شيء أن يستهل ذلك السياسي المحنك والدبلوماسي العنيد زيارة لبنان بفنجان قهوة على طاولة فيروز, ففي زيارته لفيروز ربما نبوءة من خير وومضة من أمل, ما دام سيجلس مع من أجمع اللبنانيون على عشقها, وما دام سيلتقي مع من ادمن وتاه الشرق في غرامها, فقد دخلت قلوباً بلا ابواب, وتمددت في ارواح الحالمين والأحباب, وفي زيارته رسالة صريحة ونتيجة مؤكدة, بأن سياسيي لبنان قد فشلوا في لمّ كلمته, وبأن ما تيسّر من أفرقائه وطوائفه قد عجزوا عن لملمة جراحه وحلّ معضلاته, وفي زيارته ربما نداء الفرصة الاخيرة لمن يهمه الامر في لبنان, بأن لبنان الجريح قد تجاوز مفترق الطرق وتدحرج الى ربما ما لا يُحمد عقباه, وفي زيارته الهادئة الى  قطب ومركز القوة الناعمة لبنانياً, تأكيد والتزام بدعم لبنان وتبني قضيته, بعيداً عن مفردات الماضي وغياهب التفاصيل, وايضا في زيارته تلك تذكير للدنيا بأن لبنان رغم كارثته المشؤومة وتحدياته العالقة, هو منارة للفن وقصة للحضارة, يقصده من طلب الابداع وطاول الرقي, وها هي فيروز رغم كهولتها وغيابها, تنعش الحاضر وتهزم السياسيين وهي صامتة في بيتها الوقور.

 لقد انتقد البعض تلك الزيارة كونها قفزة عن الواقع كما رأوها,  واعتبروها مجرد “بروباغندا” سياسية بأدوات فنية, وبأن توقيت تلك الزيارة غير ملائم, ونسوا عقود التراشق السياسي والاعلامي الكئيب في لبنان, وسنين وشهور الشغور الرئاسي والنيابي المتكرر, ودهاليز المحاصصة ومسارب الفساد والتردي, ثم اي توقيت يناسب لبنان! بينما ما تزال جراحه غير مضمدة وركام كارثته وقمح صوامعه حاضر للعيان, وجائحته تتمايل في مهب الريح, فما المشكلة في دعمٍ واهتمامٍ فرنسي لبنان في اشد الحاجة اليه, وما المعيب في زعامة فرنسية تستأذن في زيارة اكثر القمم اللبنانية الفنية ارتفاعا, وتحتفي بمن اخبرت باريس وغنت لها, وتحدثت لها عن وطنها الجريح, الوطن اللي متوّج بالخطر وبالريح!

 سيغادر ماكرون بيت فيروز فرحاً بزيارته, وسيغادر لبنان حاملاً ما ابلغ ساسة لبنان من جعبته, فهل سيشد الضمير الوطني اللبناني رحاله الى بيت فيروز, وهل سيكفي وينتهي ما لذّ وطاب في مطبخ الصراعات اللبنانية بماضيها وحاضرها, فتبتسم فيروز وتغني….”بيقولوا مات وما بموت…وبيرجع من حجارو يعلي بيوت”.

عن الكاتب

عدد المقالات : 1688

اكتب تعليق

الصعود لأعلى