صورة المرأة في العصر النبوي
المرأة في القرآن الكريم
لقد تطرقت في مقال سابق وبالتحديد قي حديثي عن مكانة المرأة في العصر الجاهلي إلى أن الإسلام أبطل كل العادات الفاسدة التي كانت تحط من مكانة المرأة، ومنحها المساواة مع الرجل، وأحاطها بهالة من التقديس والاحترام والعدل. ورأينا أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم أعجب بشعر الخنساء وكان يستحسنه، وكان عليه أفضل الصلاة والسلام فيما رواه أبو داوود، يقول: “إنما النساء شقائق الرجال“.
فالنساء ما هن حقيقة إلا شقائق الرجال، باعتبارهما نواة النوع الإنساني ولكن لكل منهما وظيفته التي تناسب قدراته وطبيعته ليستقيم أمر الدنيا وتعمر الحياة وتتخذ بهجتها وزخرفها، ولهذا عني الإسلام بالمرأة عنايته بالرجل وأولاها الكثير مما يحفظ عليها كرامتها وآدميتها معا. ومن آيات التشريع الإلاهي بهذا الكائن الإنساني وهو المرأة أن شرك بينها وبين الرجل سواء في الجزاء والثواب أو العذاب والعقاب، ويتجلى ذلك في قوله تبارك وتعالى، في سورة النساء آية 124: “ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا“.
ونجد أن الذكر الحكيم قد فصل القول في مشكل الأنثى فصلا دقيقا، فبسط الرأي في كل تساؤل خامر أو يخامر ذهنا بشريا، والباحث في مجمل آيات الذكر الحكيم سواء مكية أومدنية سوف يجد فيها كل الحلول لأي ضالة أو مشكل من المشاكل، وهذا في تسلسل منطقي عجيب يبين لكل باحث نقطة البداية مع توضيح طرق العلاج والمداواة، مما يثلج الصدر اعتمادا على الحجة والبرهان.
ومما تجدر الإشارة إليه أن نقد القرآن الكريم للمجتمع الجاهلي كان نقدا بناء هادفا، يعتمد في معظمه على التوجيه المحكم وعلى العمل الصالح الذي يبعث في الصنفين البشريين قوة وحزما، لا نقدا يعتمد على التفاضل والتفاخر مع الدعوة للغلبة والقهر والانتقام والثأر، فالقرآن الكريم إن أنصف فهو لا يقر بإهانة المرأة ولا يسمح باستضعافها ولا بالاستعلاء عليها.
ولقد وضح القرآن الكريم أن الأسباب التي دعت الرجل الجاهلي لاعتبار الأنثى دونه في القيمة الإنسانية منشؤه خلطه المفهوم اللغوي، وإساءته في تسميتها فتارة يصنفها ضمن مرتبة الملائكة ومرة يلقب بها صنما يعبده ويتضرع له لقضاء حاجاته، فكلمة أنثى عند العرب تدل على معان مختلفة تتفاوت في القيمة الإنسانية والاجتماعية، قال عز من قائل في سورة النساء آية 117، ردا على العرب: “إن يدعون من دونه، إلا إناثًا وإن يدعون إلا شيطانا مريدا“. وقال جل جلاله في سورة النجم آية 21: “ألكم الذكر وله الأنثى“. ومما جاء في محكم آياته قوله سبحانه في سورة النحل آية 57: “ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون“.
فمن خلال هذه الآيات نلاحظ أن المشركين خصصوا لهم الذكور، في حين خصوه سبحانه وتعالى بالإناث، فجعلوا لله البنات .
ولكن هذه الدعاوي باطلة بالإضافة إلى أنها صادرة عمن لا يؤمن بالله وباليوم الآخر.
ومما جاء في بعض الدراسات أنه حصل خلط كبير من المشركين في تقييم الأنثى، في إعطائها قيمتها التي تستحقها بقدر خلطهم في خلط تسميتها وبيان مدلولها، مما نتج عنه ضلال في الاعتقاد مع سوء الأدب في حقه جل جلاله وعظم سلطانه.
وقد خصص الكاتب عصمة الدين كركر حرم الهيلة مرجعا بكامله تحت عنوان: “المرأة من خلال الآيات القرآنية“، حيث تطرق فيه إلى صورة المرأة من في كتابه العزيز، ومما جاء فيه قوله في الصفحات: 137-145-146، ما يلي: ” لم يتعرض الذكر الحكيم بوجدانية المرأة بطريقة البحث المجرد وإنما قدم صورة المرأة متحلية بخصائصها متميزة بميزاتها، وفِي ذلك ما لا يخفى من حسن التصرف البالغ إلى نفوس المؤمنين بطريقة الإيحاء مما يرسخ في أذهانهم الصورة المثالية في جميع حالاتها، فكلما ذكرت الأم وصفت بالرأفة والحنان وتحمل الأعباء كرها، وكلما ذكرت الزوجة قدمت في صورة السكن والرحمة، وكلما ذكرت الأخت قدمت معها عاطفة المحبة والتقدير، وبهذه الطريقة البارعة خاطب القرآن المؤمنين ليستقر في نفوس المؤمنات أهمية وظيفتهن فيندفعن إلى الحفاظ على أنوثتهن والاعتزاز بما ركب فيهن من غرائز وطبائع“.
ومما هو معروف أن تركيب المرأة الجسمي يتماشى مع ما تقوم به من وظائف طبيعية، فالتركيب النفسي والغرائزي الوجداني للمرأة هو الذي يؤهلها لما تتحمله من المسؤوليات بما فيها الأمومة، والأخوة، والزوجية، والبنوة، والتي تعتبر من بين السمات المهمة التي خص بها سبحانه الأنثى بالحظ الوفير منها وذلك واضح في الذكر الحكيم حيث يقول جل وعلا في سورة لقمان آية 11: “ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير“. أما الأخوة فتعرض لها القرآن الكريم من خلال ذكر قصة أخت موسى، هذه الأخيرة التي جازفت بنفسها مصداقا لقوله تعالى في سورة القصص الآية 11-12: “وقالت لأخته، قصيه فبصرت به، عن جنب وهم لا يشعرون وحرمنا عليه المراضع من قبل فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون“.
وأخيرا تتجلى سمة الزوجية وعاطفتها الجنسية كما صورها الكتاب العزيز في قوله سبحانه في سورة الأحزاب آية 59: “ياأيها النبي قل لأزواجك وبَنَاتِك و نساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما“.
وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن الرجل والمرأة جزئين من جسد واحد، لقوله تعالى في أول آية من سورة النساء : “ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به، والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا“. يقول السيد قطب في ظلاله، المجلد الثاني الجزء الرابع ص 236، تعليقا على هذه الآية: “إن هذه الحقائق الفطرية البسيطة لهي حقائق كبيرة جدا، وعميقة جدا، وثقيلة جدا…فالحقيقة التي تتضمنها الإشارة إلى أنه من النفس الواحدة“خلق منها زوجها” كانت كفيلة – لو أدركتها البشرية – أن توفر عليها تلك الأخطاء الأليمة، التي تردت فيها، وهي تتصور في المرأة شتى التصورات السخيفة، وتراها منبع الرجس والنجاسة، وأصل الشر والبلاء، وهي من النفس الأولى فطرة وطبعا، خلقها الله لتكون لها زوجا وليبث منهما رجالا كثيرا ونساء، فلا فارق في الأصل والفطرة، إنما الفارق في الاستعداد والوظيفة“.
ولقد تخبطت البشرية في هذا التيه طويلا، جردت فيها المرأة من كل خصائص الإنسانية وحقوقها فترة من الزمان، تحت تأثير تصور سخيف لا أصل له، فلما أرادت معالجة هذا الخطأ الشنيع اشتطت في الضفة الأخرى، وأطلقت للمرأة العنان، ونسيت أنها إنسان خلقت لإنسان، ونفس خلقت لنفس، وشطر مكمل لشطر، وأنهما ليسا فردين متماثلين، إنما هنا زوجان متكاملان، والمنهج الرباني القويم يرد البشرية إلى هذه الحقيقة البسيطة بعد ذلك الضلال البعيد…
يقول سبحانه وتعالى وهو أرحم الراحمين, في سورة النحل، آية 72: “والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات أفبالباطل يؤمنون و بنعمة الله هم يكفرون“، وقد جاء في تفسير ابن كثير، المجلد الثاني الجزء الثاني ص 578 ما يلي: “يذكر تعالى نعمه على عبيده بأن جعل لهم من أنفسهم أزواجا من جنسهم وشكلهم، ولو جعل الأزواج من نوع آخر ما حصل الإئتلاف والمودة والرحمة، ولكن من رحمته خلق من بني آدم ذكورا وإناثًا وجعل الإناث أزواجا للذكور، ثم ذكر تعالى أنه جعل من الأزواج البنين والحفدة وهم أولاد البنين“.
وأختم هذا المقال بما جاء في مرجع: “تطور المرأة عبر التاريخ” للكاتبة باسمة كيال، ص 76: “وهكذا بفضل الإسلام والشريعة المحمدية، توصلت المرأة إلى طريقها الحقيقي إلى جانب الرجل، فأصبحت لها مكانتها في الحياة الاجتماعية، لذلك فإن العربيات في عهده صلى الله عليه وسلم وعهد الخلفاء الراشدين، كن شريكات للرجال في وثبتهم الاجتماعية، فأظهرن من ضروب الشجاعة والتضحية مالم يعرفه عهد الجاهلية“.
وهذا ما سيجعلني أخصص مقالا قادما لزوجات النبي صلى الله عليه وسلم، إن شاء الله.