انت هنا : الرئيسية » الواجهة » فيصل رشدي: المعالم السينمائية في رواية “إبن القبطية” لوليد علاء الدين

فيصل رشدي: المعالم السينمائية في رواية “إبن القبطية” لوليد علاء الدين

فيصل رشدي

ما زال صدى رواية”ابن القبطية” للكاتب والشاعر والروائي المصري وليد علاء الدين، حاضراً من خلال المبيعات التي تصدرتها الرواية منذ صدروها عام 2016 عن دار خان للنشر والتوزيع، وحتى الآن، ومن خلال ما يكتبه عنها النقاد والدارسون، والرواية من الحجم المتوسط، تقع في 184 صفحة، وقد حظيت باستقبال رائع من القراء والنقاد.

تدور أحداث الرواية حول شخصية”يوسف”إبن حسين، وهو ابن لأب مسلم وأم قبطية، افتتحت به الرواية من خلال التقرير الطبي للدكتور نائل الزغادي، حيث شخص هذا الأخير الحالة المرضية ليوسف، والذي يعاني من حالة متقدمة من الفصام. حاول الطبيب أن يجد علاجاً لمرضه مستعيناً بكل من أم”يوسف” والفتاة التي أحبها وارتبط بها؛ فقد اتخذ يوسف من الكتابة أداة للتعبير عما يجيش في خاطره. تتطور الرواية بحضور”يوسف”حفل زفاف، وتتوالي الأحداث متصاعدة، من حدث إلى آخر حتى نهاية الرواية.

وقد كتب الكثير عن هذه الرواية، من حيث المضامين الثقافية والفكرية التي طرحتها، ومن حيث الحبكة الروائية، واللغة الأدبية، وأساليب المعالجة الروائية، وغيرها من الجوانب، أما في هذا المقال ثمة محاولة لإلقاء مزيد من الضوء على هذا العمل الروائي المتميز من خلال استعراض المعالم السينمائية التي ينطوي عليها.

يقول الأديب المصري الكبير إبراهيم عبد المجيد: “القراءة ليست فقط قراءة عابرة، هي بل رؤية أو ما يمكن أن نقول عنها أنها شاشة يرى فيها القارئ كل ما يقرأه، وإن صح القول؛ فالقراءة هي عبارة عن صورة سينمائية”؛ فمن أول وهلة ونحن نقرأ تقرير الدكتور نائل الزغادي(إستشاري الطب النفسي)، تظهر لنا الصورة أكثر وضوحاً، من خلال المعالم السينمائية لأماكن جغرافية للتصوير، حيث الحديث عن مكان العرس، فالصورة تتضح بجلوس″يوسف”إلى جانب المدعوين لعرس جاره”منصور”، والذي ستزف إليه”أمل” التي أحبها”يوسف”حباً جارفاً. لم يرق ليوسف هذا الزواج، فقد اعتبره فقط زواج أجساد، لا أكثر ولا أقل. في العرس جلس″يوسف”إلى جوار مدعوين آخرين لم يعرفهم من قبل، لكن حديثهم الشيق جذبه إليهم، فقد كان حديثا ساخراً، ضحك فيه”يوسف”حتى الهستيريا.

بعد حفل الزفاف تتضح صورة سينمائية أخرى في مكان آخر يجتمع فيه كل من”يوسف”وصديقه؛ وهو تصوير آلة العود، يبدأ عشق ابن القبطية(يوسف) للعود الذي أحبه، فيرى أن الموسيقى هي كل شيء في الحياة، إذ سرعان ما قام نقاش بينه وبين صديقه حول مسألة مهمة:هل الموسيقى حلال أم حرام؟ وأسئلة أخرى تلت ذلك الحدث، والصورة التي اتضحت أيضاً من خلال الحوار، من خلال ما حدث له مع″منذر”، و”جورج”؛ إذ أرادا أن يخضعانه لدين كل منهما، ف”منذر”يمثل الديانة الإسلامية،

و”جورج”يمثل الديانة المسيحية، لكن”يوسف”إنسان يحب جميع الأديان، وليس له أدنى مشكلة مع الديانات، وهو يدعو إلى التسامح، والمحبة، والتعايش. تصف الرواية الحالة الاجتماعية للناس في بلدهم، عن طريق الوساطات، وعن طريق التملق، وعن طريق العهر، كما أوضح تلك الأشياء المقابلة التي أجريت لامتحان الإذاعة، وهنا تتضح الصورة أكثر فأكثر من خلال العلاقات الخارجة عن إطار القانون، فالفتاة الجميلة في المجتمع العربي ينظر إليها باعتبارها تصلح لكل شيء، ففي لجنة الامتحان يتم سؤالها أسئلة عادية وبسيطة لتسهيل الإجابة عليها، فيما يبقى الذكور ينظرون إليها، وإلى اللجنة التي يعرفون أن أعضاءها لن يتهاونوا معهم، وسيسألونهم أسئلة صعبة لن يستطيعوا الإجابة عنها.

هناك أيضاً صورة أخرى تتلو الحوار السابق، تتمثل في حوار دار بين”يوسف”ابن حسين، و”راحيل”،من خلال تطرقهم للحديث عن الديانة اليهودية، هنا نجد طرح الديانات الثلاث، وإطلاق تسمية”الديانات الإبراهيمية”عليها بدلاً من الديانات السماوية، وأن الأساس في الحياة هو التعايش والمحبة والسلام للجميع، فالدين علاقة بين العبد وربه، وكل الديانات في أساسها تدعو للمحبة والتعايش، وأن الأخلاق هي كل شيء، والتسامح هو ما يسعى الإنسان إليه، لأن السلام هو الغطاء الذي يجتمع فيه الكل. الرواية سلطت الضوء على صورة المجتمع المصري كنموذج للتعايش في بوتقة إنسانية تضم الجميع، لكن الرواية أيضاً صورت لنا الجانب السلبي لاستغلال الدين، من خلال الاستعلاء، والاستقواء على الآخرين المختلفين دينيا، من خلال الطائفية.

نجد أيضاً أحداث أخرى تتناول الدين، والإنسان، والتعايش، والحب، والجنس؛ كالأماكن السياحية مثل منتجع شرم الشيخ والفندق، وغيرها من الأماكن التي نراها تصلح كحلقة رئيسية في السينما، بالإضافة إلى الزمن بكل تجلياته:الزمن النحوي، والزمن الفلكي، والزمن النفسي؛ وهنا نجد أن الفهم الحقيقي لناموس الحياة، انطلاقا من التصوف كمظهر للعارفين بالدنيا، والمتسامحين مع الكل، وقد جسد هذا شخصية الشيخ الضباب، والذي مثل هذا التوجه.كل هذا يعطينا أهمية الصورة السينمائية. تلك الأحداث، والشخصيات، والحوار تظهر لنا جوانباً من المعالم السينمائية في الرواية، ولكن إذا تحولت الرواية إلى عمل سينمائي؛ فبالتأكيد ستظهر الصورة كاملة مكتملة.

كما نعلم أن هناك العديد من الروايات التي حولت إلى أفلام سينمائية، ومسلسلات؛ نخص بالذكر منها رواية”الحرافيش”للأديب الكبير نجيب محفوظ، ورواية”عمارة يعقوبيان” للأديب علاء الأسواني.

ونخلص إلى أن رواية «ابن القبطية”هي رواية معاصرة تعالج إشكالية الدين في المجتمعات العربية، وتحاول أن تظهر لنا أن الدين شيء جميل ورائع، ولكن من خلال احترام الجميع رغم اختلاف الديانات. إلا أن الأجمل في الرواية هو الجانب المرئي، فالمخرج السينمائي أو السيناريست هو الذي سيعيد صياغة القالب الروائي إلى قالب سينمائي إذا تم تحويل هذه الرواية إلى عمل سينمائي؛عمل يعطي

للفئة التي لم تقرأ الرواية فرصة لمشاهدة العمل، فكما يقال”الصورة أصدق من ألف الكلمة”، وتظل رواية”إبن القبطية”رواية مكتملة الروعة، كتبها أديب مبدع اسمه وليد علاء الدين.

(باحث من المغرب)

عن الكاتب

عدد المقالات : 1687

اكتب تعليق

الصعود لأعلى