مغامرة الروائي الفرنسي “بلاز سندرار” بالعربية بترجمة الميري
القاهرة- “رأي اليوم” – محمود القيعي:
أشياء كثيرة تغري بقراءة رواية الكاتب الفرنسي بلاز سندرار الصادرة أخيرا عن دار آفاق بترجمة الأديب عادل أسعد الميري!
ليس أولها أنه يحتفي احتفاء بالغا فيها بكل ما هو إنساني معذب، ومعايشته للسوقة والسابلة ورعاع الطريق، وإنصافه لهم حتى إنه سماهم “الناس الحقيقيين”!
وليس آخر الأشياء المغرية لقراءة سندرار تعاطفه البيّن مع الشرقيين، وإنصافه لهم، وهو الغربي الذي شرب من الكأس حتى الثمالة!
رواية “المغامرة” كما يقول مترجمها عادل أسعد الميري “تتكون من عدد من الفصول ، يتحرك فيها المؤلف بحرية تامة جيئة وذهابا في الجغرافيا والتاريخ، ولا يربط نفسه فيها بالقيود التقليدية، وهي فصول تحكي عن مغامرات قد تكون للمؤلف نفسه أو قد تكون لشخص آخر “.
يقول الميري في مقدمته للرواية التي ترجمه ببراعة: “إن العمل يقع في منطقة وسط بين الرواية والاعترافات والمذكرات والسيرة الذاتية”.
رحمة أب!
يتطرق المؤلف في روايته الى علاقته بأبيه، مشيرا الى أنه كان يميل دائما الى تدليله باعتباره آخر العنقود فيقول: “لم أكن أطلب أي شيء إلا وأحضره لي!
ذات يوم طلبت كلبا ، فجاء لي أبي في اليوم التالي بكلب صغير بلونين أصفر وأسود ، سألت والدي عن اسمه، فقال: ليون، وهي تعني أسد
، لذلك فقد أصبحت أشعر – في وجود الأسد الى جواري- بأنني أكثر قوة مما كنت سابقا”.
يواصل سندرار سرده الشجي ( الذي ينطوي على قلب مرهف ) عن كلبه “ليون” قائلا: “مات ليون مدهوسا تحت عجلات ترام. فحزنت عليه حزنا شديدا يليق بطفل في السادسة ، لم يعتد على مشاعر الفقد خصوصا وأنني كنت شاهدا على هذا النظر البشع للكلب وقد دهست العجلات الحديدية الثقيلة طرفيه الخلفيين ، إلا أنه قام من سقطته ، وحاول بطرفيه الأماميين أن يستمر في عبور الطريق للوصول الى الرصيف ، عندما وصلت الى مكانه كانت عيناه تسألانني: ماذا حدث؟! لم يفهم الكلب ماذا حدث له ، قمت بالتربيت على رأسه، فأخرج لسانه للمرة الأخيرة في حياته ولعق يدي، ثم أصابته على الفور
تشنجات عضلية، خرجت بعدها كتلة دم من فمه، واستقر جثة هامدة!”.
شعور بالحقد على حضارة المصريين!
في الفصل المعنون “مذكرات مولع بالكتب”، يؤكد سندرار حقيقة مهمة وهي أن إحراق الكتب هونتيجة لعدم تقبل الاختلاف في الرأي ، خاصة فيما يتعلق بالآراء السياسية والدينية، مشيرا الى أن أقدم الأحداث المسجلة من هذا النوع هو حادث إحراق مكتبة الإسكندرية حوالي 40 قبل الميلاد على يد جنود رومان في جيش يوليوس قيصر أو على يد جنود رومان آخرين في جيش أوكتافيوس قيصر”.
وأردف سندرار قائلا: “كانوا حتما يشعرون بالحقد على حضارة المصريين التي كانت أكثر تقدما من حضارتهم، ثم كانت هناك كذلك مكتبة بغداد التي حرقها جنود المغول عندما اجتاحوا المدينة سنة 1258 إذ كانوا يشعرون بالحقد على حضارة العباسيين! “.