انت هنا : الرئيسية » الواجهة » مأذونات شرعيات… سابقة تاريخية في المغرب

مأذونات شرعيات… سابقة تاريخية في المغرب

الرباط ــ حسن الأشرف – ” وكالة أخبار المرأة

يأتي قرار فتح الباب أمام الإناث للعمل مأذونات شرعيات في المغرب بعد تحقيق شروط ذاتية وموضوعية، في سياق “خطة إصلاح منظومة العدالة” التي أطلقها وزير العدل والحريات السابق مصطفى الرميد في البلاد.
“العدول” أو المأذون المكلف توثيق حالات الزواج والطلاق وعدد من العقود الأخرى في المغرب، مهنة حرّة تدخل في سياق مساعدة القضاة، يتبع مزاولوها إلى الهيئة الوطنية للعدول التي تتمتع بالشخصية المعنوية. والقانون المنظم لهذه المهنة في المغرب يمنع على النساء توثيق عقود الزواج والطلاق مباشرة، غير أنّ مباراة أعلنت عنها وزارة العدل المغربية أخيراً تُجرى في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل سوف تفتح الباب أمام المغربيات للعمل “مأذونات شرعيات”.
لأوّل مرّة في تاريخ المغرب، يُصار إلى الموافقة على ممارسة المرأة مهنة المأذون أو العدول بحسب التسمية المغربية، لكنّ هذه الخطوة لاقت كثيراً من الجدال والسجال ما بين مؤيّد ورافض لتخلي هذه المهنة عن “شرط الذكورة”. وينقسم المغاربة حيال الخطوة المرتقبة بتوظيف نساء في إطار مهنة المأذون الشرعي المكلف بتوثيق الزواج والطلاق، بين من يرى القرار عبثاً بأحكام الشرع والدين، وبين من يشكك في قدرة المرأة على القيام بهذه المهمة، وبين من يجد في الخطوة قراراً جريئاً يرفع من قيمة المرأة في المجتمع.
وكان الشيخ حسن الكتاني، وهو داعية سلفي، قد أبدى رفضه الشديد لفكرة اقتحام المرأة مهنة المأذون، مشدداً على أنّ هذه الخطوة تعبث بأحكام الشرع وتخالف ما قرره أئمة الإسلام، ومنهم الإمام مالك الذي يدين المغرب بمذهبه رسمياً.
من جهته، يقول العدل (المأذون الشرعي) عبد اللطيف عجلاوي إنّ “تأنيث مهنة المأذون في المغرب لا يستقيم مع الدين الذي لا يمنح المرأة إمكانية توثيق الزواج لاعتبارات شرعية عديدة ويخصّ بها الرجال”. ويشكك في “قدرة المرأة على القيام بمهنة المأذون على أحسن وجه، نظراً إلى المتاعب التي تحيط بهذه المهنة”، مشيراً إلى أنّ “الظروف السيئة التي يعمل فيها العدول الرجال في البلاد لا تقوى عليها المرأة”.
أمّا الدكتور محمد بولوز، وهو أستاذ التعليم العالي والباحث في العلوم الشرعية، فيقول إنّ “مهنة العدول لا يمكن أن تشذّ عن إدماج المرأة فيها وفتح المجال أمام النساء أسوة بالرجال، ما دامت المرأة انخرطت في مختلف المجالات كمستشارة ووزيرة وقاضية وأستاذة ومحامية وموظفة سامية وشرطية وما إلى ذلك”. يضيف أنّ “النساء شقائق الرجال في الأحكام، وأيّ استثناء يجب أن يكون لاعتبارات شرعية قوية لا تقبل التأويل بأيّ حال”، متابعاً أنّ “الوضع ليس كذلك في خطة العدالة ومهنة العدول، فمجرّد العادة وما جرى عليه العرف لا يمنع المرأة من حقّ من حقوقها”.
ويشدد بولوز على أنّ “انخراط المرأة في خطة العدالة، ومنها مهنة العدول يجب أن يتجاوز مسألة اعتبارها فرعاً عن الشهادة والإشهاد، إلى الانخراط في مهنة ووظيفة تخضع إلى تكوين (تدريب) وتأهيل”. ويشرح أنّ “المرأة المغربية تتلقى التكوين والتأهيل اللذَين يخضع لهما الرجل، ولا يوجد مبرر لمنعها من هذه المهمة والوظيفة، فضلاً عن المساواة التي يكفلها الدستور، ما لم تكن استثناءات شرعية قوية. كذلك الأمر بالنسبة إلى نظام التوثيق العدلي الذي نُظّم قانوناً بمقتضى مراسيم قانونية عدّة”. ويوضح بولوز أنّ “القانون وكذلك الظهير الشريف لم ينصّا على شرط الذكورة، الأمر الذي يؤكد حق المرأة المغربية في تولّي مهام تلقي الشهادات وتحريرها”.
تجدر الإشارة إلى أنّ القانون يشترط لمزاولة مهنة المأذون، أن يكون المرشّح مغربياً مسلماً متمتعاً بحقوقه الوطنية وذا سلوك حسن، وأن يكون متوفراً على القدرة البدنية المطلوبة لممارسة المهنة، وأن يكون في وضعية صحيحة تجاه القوانين المتعلقة بالتجنيد العسكري، وألا يكون قد حكم عليه في جناية مطلقاً أو حبس مع وقف التنفيذ من أجل تهمة، وألا يكون مشطباً عليه بقرار تأديبي يمسّ بشرف المهنة، وألا يكون قد حكم عليه بإحدى العقوبات المالية المنصوص عليها في قانون التجارة.
في السياق، ترى منظمات حقوقية تُعنى بشؤون المرأة أنّ قرار “تأنيث العدول خطوة إيجابية وجريئة تعكس الإرادة الفعلية من أجل التصدي للفوارق بين الجنسَين في الالتحاق بالمهن القانونية وغيرها من المهن”. والمجلس الوطني لحقوق الإنسان من تلك المنظمات التي أيّدت تأنيث مهنة المأذون، وطالبت بإشراك علماء الدين والمهنيين في القرار، بهدف “التقعيد السليم والموضوعي لقرار ولوج المرأة لمهنة العدول بغية وضع حد للمزايدات الدينية والسياسية غير المجدية”. ودعا المجلس إلى “تفعيل مبدأ الإنصاف والمساواة بين الرجل والمرأة في ولوج المهن بمختلف أنواعها”، مؤكداً على أنّ “دخول المغربيات مهنة العدول يُعدّ تفعيلاً لالتزام المملكة بمقتضيات اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة، خصوصاً المادة 11 التي تلزم الدول المصادقة عليه، بضرورة اتخاذ التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في ميدان العمل”.

عن الكاتب

عدد المقالات : 1618

اكتب تعليق

الصعود لأعلى