فى ذكرى رحيله الثالثة.. سميح القاسم شاعر الحياة
محمود كامل الكومى
فى 19\8\2014 غردت البلابل والطيور تعزف أجمل قصائد الخلود ,تسكب الألحان وتزف سميح السماء , القاسم المشترك لكل جهاد.
في غزة كانت العزة …. فصارت القصيدة تجسد الحقيقة وبدى ثغرك البسام يـأبى أن يُقَطرُها في آذاننا الغليقة وجريت الى محمود درويش لتروى ظمأهُ بنضال غزة الثكلى والجريحة, كان وقوفك الى منتهاه نضال منذ النكبة حتى سال الدم من غزة دون حياء من حكام العرب مطأطىء الجباه, وحتى ممن يمسكون بتلابيب الوطن الجريح في غزة ورام الله ,فعانيت كَبِد الحقيقة , حتى أعتل كبدك , فتوقف كل شىء عن ما اسميناها نحن “الحياه” ,فأبتسمت ثم تعالت الضحكات على خيباتنا و مفاهيمنا التى لاتدرك اى معنى للحياة , وثارت القهقة عالية على شفتاك وانت تترك لنا حياتنا , لِتدركنا انها غابة تستباح فيها الدماء , وتعدو أنت الى عالم الخلود والحياة .
كانت قصيدتك عن غزة فعل حياة ,تصوير رائع عن أبتسامة وليد الساعة للتو الخارج من رحم أمه تلمع عيناه وتتوهج الدماء بين خديه وشفتيه ,لعله قد أدرك بندقيته فأراد أن يطلق الزناد , وكأن طائرات العدو على الميعاد , فتحيل الرضيع الى أشلاء , تتجمع عند بارئها لتحيا أعظم حياه , ونحيا نحن حياه الذل والاستعباد .
كانت النسوه ارجل ممن تسموا بالرجال ,وحروف قلمك تنساب تجمع دمائهن المراق على تراب وطن العزة وقطرات قلمك تجسد اللبن المنساب من اثديتهن يروى ظمأ الوليد للنضال والكفاح وفعل الصواريخ التى بات يؤرق مستوطنى اليهود في كل ارجاء الوطن السليب وعلى انغام عائدون حط طائر الوروار على أغصان شجيرات الزيتون .
صار الشيوخ في عمر الزهور , طالما شِعرك ينساب يروى ظمأ المتعتطشين للحرية في سجون الاحتلال , تذكروا مع باقاتك الشعرية , ايام فلسطين الكرمة وقصفة الزيتون , وازقة وحوارى القدس العتيقه , ومن خلال أبيات القصيده دقت اجراس الكنائس في بيت لحم وشدت مريم العذراء بأرق ابياتك وأقواها وهى تحمل طفلها المسيح في المغارة وصارا وجهان يبكيان لأجل من تشردوا , لاجل أطفال بلامساكن , لاجل من دافع واستشهد عن ثرى فلسطين , وسقط السلام في وطن السلام , وشق الآذان على مآذن الأقصى عنان السماء , ودعت أبيات شعرك للصلاة , والابتهال الى الله أن يطهر المسجد ويحميه ويحفظه من دواعش المستوطنين أتباع الهيكل المزعوم .
سرت حروفك والكلمات على مدار ال خمس وسبعون من الأعوام تروى عطشنا لثرى الأرض السليبة في فلسطين , أشعلت فينا الضياء ووهجت فينا نار الحماس وأضاءت الأنوارمن عز شباب اشعارك التى لاتشيخ , غدت المقاومة في أبهى معانيها في الستينات والسبعينات من قرننا الماضى , وعلى وقع اشعار سميح القاسم ,بدت المقاومة بكل فصائلها هى القاسم المشترك لشعبنا الفلسطيني ولكافة الشعوب العربية , وبدت الحكومات مجبرة على احتضان المقاومة , ومن رحم الاشعار خرجت العاصفه وفتح والانتفاضة والجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية , ومنظمه التحرير الفلسطينية , الكل يعى ان شِعرك هو الجذوة المشتعلة بنار التحرير ونور العودة لكل شعبنا الفلسطيني الى أرضه وو طنه وكرمه وزيتونه وقدسه , والى حق العودة في الحياة .
في أيام العز الثورى .. كنت للثورة سميح شعار لها ومريح تفرش الارض بساطاً سنديساً يجمع القوى الثورية في طهارة وقدسية ويوحد النضال طالما الهدف التحرير وأزالة الاستيطان , وكانت تفعيلاتك وشذى مكنونات اشعارك , وأنصهار كلماتك في بوتقة النضال هى النار الصاعدة بالمقاومة الى منتهاها , فصار فعلها في الارض المحتلة له من المدلولات التى اعادت الروح لشعبنا الفلسطيني في العيش على وطن خال من بنى صهيون , وصارت الاعمال الفدائية تتكاثر وتفرخ فدائيين من طراز جيفارا , وكانت اشعارك اول نقطه عند كل عمليه فدائية داخل فلسطين , كانت المجموعة الفدائية وهى تحبو نحو الهدف وعند اولى الخطوات تنشد شعرك لتزداد قوة وبأساً على الأعداء , فكنت لها الزاد وصرت تحثهم “غير مبالين بالعدا وأنت تبشر الصهاينة بحتفهم تقدموا/ تقدموا براجمات حقدكم وناقلات جندكم/ فكل سماء فوقكم جهنم/ وكل أرض تحتكم جهنم”.
كان بئر الخيانه في أيلول الأسود , وعلى طريق “جَدِه” صار حسين ملك الاردن , فكادت المقاومه أن تضيع , وحماها “ناصر” حتى الرمق الأخير , وغادرت المقاومه الى لبنان , وغدت اشعار سميح القاسم تلملم وتضمد الجراح , وتعيد للمقاومة جزءاً مما راح , فأعادت اشعاره لها الحياة من جديد , وصارت الفكرة تنبع من بين جوانح افكاره يخرجها من فمه وتكتبها اشعاره , توحد بين الشعبين الفلسطيني واللبنانى , وتواجه عملاء الصهاينه بين شجيرات الأَرز اللبنانى , فصارت وقع اشعاره البلسم الذى أطفىء النار بعد ان ضمد الجراح , وصارت للمقاومة اللبنانية اِصباح جديد وغدت تمد العون وتؤازر فدائيى فلسطين , وصارت الدماء الذكية بين المقاومتين تروى أرض لبنان الأشم ضد عدوان الصهاينة , وغنت المقاومة لسميح القاسم اعذب اشعاره فكانت الزاد والزواد , وكانت وحدة المقاومة الفلسطينية واللبنانية (خاصه الناصريه والشيوعيه ) ثم مقاومة حزب الله .
وسرى نداء الفدائى يسرى فى ربى فلسطين …..منتصبَ القامةِ أمشي ..مرفوع الهامة أمشي في كفي قصفة زيتون ..وعلى كتفي نعشي ………………. ..وأنا أمشي وأنا أمشي…. قلبي قمرٌ أحمر..قلبي بستان..فيه العوسج..فيه الريحان شفتاي سماءٌ تمطر..نارًا حينًا حبًا أحيان…. في كفي قصفة زيتونٍ..وعلى كتفي نعشي ……………………وأنا أمشي وأنا أمشي….
فترجل سميح القاسم وسار يمشى عندما أدرك الخلود, فغادر الحياة لأن فيها أِعتُلَ كبده بسب خيا نات الغوانى والخصيان وتدنى حماس وعباس , وهو ماعاد يطيق هذا الهوان , لانه صاحب القامة المنتصبة على الدوام والهامة المرفوعة على طول الزمان, لتظل اشعاره على الدوام راية خفاقة للسلام تنشر حبات الزيتون هنا وهناك , فأبيات شعره شطرها الاول ناراً تحرق العدا والشطر الآخر حُبا للأنسانية والسلام على ارض السلام فلسطين , لكن في جميع الاحوال ظل سميح القاسم حاملاً نعشه على كتفه , فقد أدرك منذ البداية أن الموت من اجل تحرير فلسطين وعودة اللاجئين الى أرض السلام حياة.
كاتب ومحامى – مصرى
رأي اليوم