انت هنا : الرئيسية » الواجهة » مشروع “روابي” ونقل الفلسطيني من القرية والمدينة الأصلية لفقاعة المدن الحديثة

مشروع “روابي” ونقل الفلسطيني من القرية والمدينة الأصلية لفقاعة المدن الحديثة

دانة زيدان

 في زيارتي الأخيرة لفلسطين، لفت انتباهي مشروع عمراني يجري تنفيذه على احدى المرتفعات التي تبعد بضعة أمتار عن مستوطنة “عطيرت”. سألت ابن عمي الذي كان يقلنا إن كانت هذه مستوطنة إسرائيلية، ليرد بلهجته الفلسطينية: “لا هاي أسخم!” – ولمن ليس بخبير باللهجة الفلسطينية فأسخم تعني اسوء بكثير- وراح يحكي لي عن مشروع مدينة “روابي” وأهدافه التطبيعية، الرامية لطمس الهوية الفلسطينية، والتنسيق عالي المستوى مع الاحتلال الذي “يسمح” للمستثمر بفتح الطرق ليسهل الوصول للمدينة من تل أبيب، وكيف يجري اعتقال الناشطين الذين يخرجون احتجاجا على هذا المشروع، في تأكيد صارخ بأن وراء الأكمة ما وراءها. لم تفلح الاحتجاجات البسيطة بوقف البناء، خاصة بأن القائمين على المشروع أصحاب رؤوس أموال لهم “وزنهم” الاقتصادي. حتى أن أحد الأصدقاء أخبرني بأن أخيه جرى اعتقاله وضربه وتهديده بسبب شروعه بتحضير رسالة ماجستير تتحدث عن مخاطر مدينة “روابي” ودورها بإعادة تشكيل الوعي الفلسطيني. أعدت القناة العبرية الثانية تقريراً مصوراً حول مدينة “روابي” حيث قام مذيع القناة بزيارة المدينة، ومقابلة الرئيس التنفيذي للمشروع رجل الأعمال الفلسطيني الأمريكي “بشار المصري” وعدد من أصحاب المحلات في المدينة، متجولاً بين المطاعم والحدائق ومدينة الألعاب. شعرت للحظة بأنني أتابع تقريراً عن الشعب السويسري مثلاً. خاصة حين تحدثت إحدى العاملات في محلات الملابس لمذيع القناة العبرية الذي أبدى استغرابه من الأسعار المرتفعة لقطع الملابس، حتى أن السترة الواحدة يفوق سعرها متوسط الدخل الفلسطيني لترد بغنج: ” نحن شعب يحب الfashion  ومستعد لأخذ القروض لمواكبة الموضة”. ليت الأمر توقف عند هذا الحد. بل أن “المصري” تحدث بكل انفعال وبلكنته الأمريكية قائلاً بأن الفلسطينيين الحقيقيين هم من يعيشون بالروابي –عجبي-! إن هذا المشروع ليس فقط “أسخم” من المستوطنات الصهيونية المقامة على أراضينا. بل أنه تهديد حقيقي للهوية الفلسطينية، وتدجين لوعي الفلسطيني الذي يعجز عن شراء شقة في هذه “الجنة” إلا عن طريق القروض التي عدا عن كونها احدى الأدوات الأساسية لتطور النظام الرأسمالي، فإن لها مفعول أخطر، وهو استنزاف طاقة الإنسان، ومنعه من التفكير بأمور أبعد من دفعة القرض الذي يتوجب عليه سداده في نهاية كل شهر، مما يسهل مهمة الاحتلال أشواطاً كثيرة. لا أدري عن أي فلسطيني تحدث ” بشار المصري” وعلى أي أساس يقيم تصنيفاته. إلا أنني أعلم بأنه لا يمكن اختزال أحلام الفلسطيني بشقة حديثة، ومطعم فاخر، والعيش في فقاعة تنفجر عند سقوط أول صاروخ من جانب الاحتلال، وتجاهل ملايين الفلسطينيين الحقيقيين الأصلاء الذين ينتشرون في فلسطين والدول العربية والخارج، ويحلمون بالعودة لقراهم الأصلية الجميلة، وليس بشراء شقة في هذا المجمع السكني المزيف ذي الأهداف الخبيثة .

المصدر:رأي اليوم

عن الكاتب

عدد المقالات : 1687

اكتب تعليق

الصعود لأعلى