انت هنا : الرئيسية » الواجهة » محمد المحسن: الهوية والذاكرة.. في مواجهة العولمة

محمد المحسن: الهوية والذاكرة.. في مواجهة العولمة

محمد المحسن

mohamed

كيف يمكن مواجهة الاختراق الثقافي الكوني في ظل راهن يتعولم اقتصاديا وسياسيا..؟

هل ندير ظهرنا لهذا الغزو العولمي في حركة استعراضية مشفوعة -بانتحار حضاري-أم

تحمي أجيال المستقبل من مداهمات الثقافة المعولمة واختراقاتها في ظل هذه الثورة الاتصالية الوافدة من الغرب وما يتخللها من تنميط سياسي متعدّد الوسائل والأشكال..؟

ألسنا مدعوين هنا. نواجه ما بات يهددنا باعتماد ثنائية المحافظة على الذات والتفتّح على الآخر ؟

كيف يمكن خلق توازنات والآن إلى لحظة مكاشفة صادقة مع النفس لتجاوز مطباتنا وتفعيل واقعنا وعقلنة ملامح المستقبل..؟

إنّ الخوف من غزو ثقافي كوني لم يعد له مبرّر وهو ليس من قبيل الأوهام التي تعودنا عليها،بقدر ما هو حقيقة ثابتة ومؤكّدة أملتها ظروف وملابسات تاريخية لها عميق الأثر في واقعنا العربي خاصة والدولي عامة نورد منها ما يلي:

-انهيار القطب الاشتراكي وتفكّكه وما تلاه من انهيارات متلاحقة أصابت دول المنظومة الاشتراكية مما أفضى إلى تحكّم الرأسمالية المعولمة في اقتصاد الدول النامية واخضاع هذه الأخيرة لتبعية اقتصادية موغلة في التسلط والاستغلال..

-في عالم الثقافة الكونية هذا،برزت شركات متعددة الجنسيات تستغل في صالح المصالح الاقتصادية الكونية،وهذه الشركات أقوى من الدولة حيث تفوق ميزانياتها الدخل القومي لكثير من الدول النامية،وقد ملأت الحيز الثقافي في إعلامنا واستطاعت تلوين العالم بأفكارها وثقافتها..

-اتفاقية-الجات-التي تحوّلت إلى منظمة عام 1995 وأصبحت تبعا لذلك ضلعا أساسيا في مثلث الهيمنة الغربية(صندوق النقد-البنك الدولي-الجات)وهذه الاتفاقية تفسح المجال للغزو الثقافي الأمريكي والغربي عامة الذي أساسه إنكار وإقصاء الثقافات القومية للشعوب الأخرى وبالتالي أمست تشكّل تهديدا خطيرا لثقافة وتطوّر العالم النامي في كافة المجالات الأخرى.

-في ظل العولمة ومع توقيع اتفاقية-الجات-أصبحت الشركات المتعددة الجنسيات ومنها-والت ديزني-أقوى من الدول بعد حدوث انفصال بين المصالح الاقتصادية العملاقة والأنظمة السياسية المحلية،وأصبحت تبعا لذلك تمارس ضغوطا من أجل التأثير على القرارات السياسية الداخلية في الدول التي تمارس فيها أنشطتها..

-نجاح العولمة في خلق أجيال كونية منبهرة بالسلعة الثقافية الأمريكية الأكثر إبهارا الشيء الذي يهدّد بتخلّف صناعة السينما لدينا وغيرها من الصناعات الثقافية..

إنّ لهذه المعطيات التي ذكرناها عميق الصلة بخلخلة الواقع العربي وجعله ينوس بين طرفي الانغلاق والانفتاح دون الالتفاف حول هذا الواقع وعقلنته بما يؤسّس لاستحضار الذاكرة لدى الإنسان العربي،ولعل في قولة فلاديمير لينين خير دلالة لما نحن بصدد الإشارة إليه:”شعب بلا ذاكرة،هو شعب لا مناعة له”..

فكيف يمكن في ظل الراهن الثقافي الكوني تأكيد الذات وإثبات الهوية والمحافظة على الأصالة بما من شأنه أن يبلور الصورة الحقيقية لحضارتنا..؟

هل نحن مطالبون وأمام المد الكاسح للتكنولوجيا من جهة،والعولمة من جهة أخرى،بإعادة البناء الفكري للمجتمع عبر استحياء الماضي ومصالحة الراهن واستشراف المستقبل؟..

ألم نفرّط في مكاسب حضارية كانت ستضعنا في مرتبة الدول المتقدمة استهدفتها بواكير النهضة في النصف الأوّل من القرن التاسع عشر:محمد عبده-جمال الدين الأفغاني والكواكبي..فكيف نسينا التاريخ  وقد ولجنا قرنا جديدا وصافنا ألفية ثالثة!؟..

إنّ إقصاء الأنا..للآخر وانغلاقه على ذاته طمس للهوية الفاعلة والمؤسسة،كما أنّ الانفتاح المحافظ على الأصالة والحضارة العربية تأسيس للذات،ولذا بات لزاما على المثقفين العرب خاصة وعلى الشعوب العربية عامة إعادة النبض إلى التاريخ والعكس صحيح وذلك من خلال فعل المواطنة وتجذير قيم الهوية باعتماد التنمية الثقافية للمجتمع كشرط أساسي لنجاح التنمية في كافة مجالات الحياة،ثم المساهمة بشكل فعّال في بناء بعد الذاكرة العربية والسعي لصياغة الواقع العربي الراهن وفقا لمقاييس التقدّم قصد الانتقال من الوضع المتخلّف حضاريا،إلى الوضع المحقّق لإنسانية الإنسان..

كاتب صحفي وعـــضو في اتحاد الكتاب التونسيين-

المصدر: رأي اليوم

عن الكاتب

عدد المقالات : 1696

اكتب تعليق

الصعود لأعلى