انت هنا : الرئيسية » السياسة » عوامل ظهور “البلاك بلوك” بعد الثورة: الجزء الثا نى

عوامل ظهور “البلاك بلوك” بعد الثورة: الجزء الثا نى

في هذا الصدد، فإن تحليل ظاهرة حركة البلاك بلوك ينطلق من عدة عوامل رئيسية ترتبط بالسياق المصري بعد ثورة 25 يناير([5]).إن ثنائية الديني والمدني واحدة من الإشكاليات التي أضفت على الساحة السياسية المزيد من التعقيد ، فهي لم تكن غائبة عن المشهد في مجمله بصورة جعلت الاستقطاب في أقصى درجاته، ولكن المأزق الحقيقي أن هذه الثنائية تم استدعاؤها عندما تحولت الثورة من مسارها السلمي إلى مسار أكثر عنفاً .وهكذا، ظهرت في هذه السياقات حركة البلاك بلوك لتطرح نفسها كحركة موجهة ضد التيار الديني ، علاوة على محاولات استخدام الحركة من قبل بعض القوى السياسية كوسيلة للضغط على الإسلاميين، وهو ما اتضح بعد إصدار النائب العام قرارا بضبط المنتمين للحركة، حيث سعت قوى سياسية إلى مطالبة النظام بفتح كافة ملفات العنف، ومنها أحداث قصر الاتحادية في ديسمبر الماضي، وأحداث الذكرى الثانية للثورة، وغيرها دون الاقتصار على التعامل الانتقائي مع البلاك بلوك.

وفي المقابل، قدمت مجموعة “الوايت بلوك” نفسها كمجموعة هدفها مواجهة عنف البلاك بلوك، بحسب ما أشار

إليه مؤسس الحركة مصطفى فتحي ([6]). يضاف إلى ذلك أن العنصر الديني كان حاضراً، لاسيما مع اتهامات

من جانب محسوبين على تيار الإسلام السياسي للكنيسة بدعم حركة البلاك بلوك، واستخدامها كأداة سياسية للضغط على الإسلاميين

فشل الوى السياسية، سواء من كانت في الحكم أو المعارضة، في استيعاب القوى الشبابية بعد الثورة ، الأمر

الذي ولد شعورا بالإحباط من مجمل تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية بعد ثورة من الآمال التى لم تتحقق على أرض

الواقع

الاستقطاب والتراشق داخل المجتمع المصري، والذي تعدى حدود الخلاف السياسي إلى اعتداءات وسباب

متبادل تورطت فيه التيارات السياسية بعد الثورة، مما مهد لبيئة ظهور جماعات تؤمن بالعنف لتحقيق أهدافها

رخاوة الدولة المصرية بعد الثورة ، لاسيما على صعيد وظائفها الأساسية كالأمن والقضاء والتنمية، الأمر الذي

أحدث جرأة على هذه الدولة، لاسيما بعد كسر حاجز الخوف بعد ثورة 25 يناير، وبالتالي لا يمكن فصل ” بلاك

لوك” عن مجمل الانفلات الأمني، وميل المجتمع إلى العنف ضد الدولة بعد الثورة  .

احتمالات الامتداد الإقليمي لـ” البلاك بلوك”

                                              .ثمة مخاوف من امتدادات كشفت ثورات الربيع العربي عن أن هناك حالة أشبه ما تكون بالعدوى الثورية بصورة أتاحت انتقال الحالة الثورية من دولة لأخرى، وهو ما فرض على العديد من المحللين استدعاء مقاربات نظرية، والبحث عن تفسيرات ملائمة لسبر أغوار هذه الحالة المستعصية، وبدا أن أغلب التحليلات ترتكز على نظريات من قبيل نظرية الدومينو وما تحمله من دلالات الـتأثير المتبادل بين الأوضاع السياسية في الدول العربية، وما يترتب عليها من سرعة انتقال فكرة الثورة..

ذلك التحليل قد يكون صالحاً عند تناول احتمالات امتداد نماذج “حركات العنف غير التقليدية” من مصر إلى الإقليم المجاور، وعلى وجه الدقة في الدول التي شهدت ثورات أطاحت بالنظم القائمة، خاصة أن الظروف قد تكون في المجمل متشابهة. وإذا كانت هناك اختلافات بينية، فهي لا تعدو أن تكون مجرد اختلافات في الدرجة، حيث لا يزال هناك إطار عام شبه متماثل يحكم هذه الحالات الثورية.

وبوجه عام، فإن فرضية الامتداد الإقليمي لنموذج البلاك بلوك تظل مرتهنة بعدد من العوامل الرئيسية:

أولاً- تعثر مسار الثورات في دول الربيع العربي، والاستمرارية في معضلة “المرحلة الانتقالية”، والموسومة بعجز مؤسسات دولة ما بعد الثورات عن التعامل مع الوضع الإقتصادى، لاسيما أن المطالب الجماهيرية راحت تتزايد بوتيرة متسارعة، وهو ما يفضى إلى بيئة مواتية للعنف بصورة قد تدفع نحو تكرار نموذج البلاك بلوك المصرية في دول مثل تونس، وليبيا، واليمن، وإن كانت الحالة التونسية هي الأقرب إلى الحالة المصرية في هذا السياق، ولاسيما أن الأناركية تطرح نفسها كأحد التيارات الفكرية على الساحة التونسية، وقد تسفر التطورات عن انتقال فكر الأناركية التونسي إلى ممارسة عبر جماعات بلاك بلوك.

ثانيا- استمرار تراجع مفهوم الدولة في دول ثورات الربيع العربى، والوضع الذى يمكن وصفه بأنه ” دولة شبه فاشلة ” عاجزة عن الاضطلاع بوظيفة الأمن سيعزز من احتمالية انتقال تجربة البلاك بلوك المصرية الى دول الربيع العربي الأخرى. ففي هذا الإطار، تخلف الدولة وراءها فراغا كبيرا، ويبدأ المجتمع في البحث عن كيانات موازية إحلالية، تكون مهمتها الحفاظ على الأمن. ومن هذا المنطلق، تصبح الأوضاع مهيأة لظهور حركات العنف غير التقليدية.

ثالثا- صعود تيار الإسلام السياسي يعد إحدى السمات الرئيسية لثورات الربيع العربي، وهو ما يجعل الوضع أكثر تشابكاً، حيث ارتبط هذا الصعود ببعض الأصوات المتشددة داخل التيار بروافده المختلفة. وفي المقابل، بدا أن ثمة تيارا مدنيا يعارض هذا الصعود. وبين هذا وذاك، قد تدفع الظروف المشابهة إلى احتمالية انتقال حالة البلاك بلوك المصرية إلى دول الربيع العربي الأخرى. وإذا كانت هذه الاحتمالية تتسم بقدر من النسبية، حيث يظل الاحتمال أقرب في الحالة التونسية مقارنة بليبيا واليمن، فقد شهدت تونس أحداث عنف منسوبة لبعض الإسلاميين [7]،فضلاً عن استقطاب متزايد بين التيار الديني والمدني، وبالتالي قد تسفر هذه الأحداث عن ظهور حركات عنف غير تقليدية (على غرار البلاك بلوك)، ويصبح العنف عنصرا في المعادلة السياسية الحاكمة، يتم استخدامه من الأطراف السياسية لتحقيق مصالح بعينها.

أما فيما يتعلق بالحالتين اليمنية والليبية، فإن انتقال نموذج البلاك بلوك المصرية إليهما يمكن أن ينتج عنه تجربة أكثر عنفاً، وذلك في ضوء الخصوصية المجتمعية لكلتا الدولتين، بحيث تكون المحصلة النهائية التقاطع بين مفهوم حركات العنف غير التقليدية وفكرة القبيلة، ناهيك عن وجود بعض الدعوات الانفصالية، وانتشار تجارة السلاح بصورة غير مسبوقة في كلتا الدولتين، بالإضافة الى تزايد نشاط تنظيم القاعدة في اليمن بشكل واضح.

رابعاً- أقصى مدى يمكن أن تصل إليه حركة “البلاك بلوك” المصرية عبر نهج العنف، إذ إن تحقيق هذه الحركة لأهدافها وتمكنها من الضغط على النظام السياسي القائم سينطوى على إشكالية لدول الربيع العربي. ففي حال تحقق هذه الفرضية، سنكون إزاء تجربة يمكن أن تشكل نموذجا يلهم حركات شبابية أخرى في تلك الدول، فيدفعها في نهاية المطاف إلى الانخراط في حركات مماثلة.

               ”  بلاك بلوك ..عندما تتحرك الأقنعة السوداء ضد الشرطة ” ، صحيفة الوطن المصرية ، 25/1/2013(1)

Maggie Michael , “Masked ‘Black Bloc’ a Mystery in Egypt Unrest ” , Jan 28 ,    2013   (2),

[3]) ” الإخوان تقاضى البلاك بلوك وتتهمهم بالاعتداء على 13 مقراً للجماعة والحرية والعدالة ” ، صحيفة الوطن المصرية ، 28/1/2013.

[4]) ” قائد البلاك بلوك بالإسكندرية : هدفنا إسقاط نظام الإخوان ” ، صحيفة الوطن المصرية ، 29/1/2013 ،

[5]) د. وحيد عبد المجيد، البلاك بوكس، الأهرام ، 31 يناير 2013، و د. عبد الفتاح ماضي ، الشباب من الكتلة التاريخية إلى الكتلة السوداء، الشروق ، 30 يناير ، 2013.

[6]) ” أول حوار مع مؤسس وايت بلوك : سنواجه بلاك بلوك بالتي هي أحسن ..لكن لا مانع من العنف ” ، صحيفة الوطن المصرية ، 29/1/2013،

[7]) كمال السعيد حبيب ، ” تحت التشكيل : خريطة القوى الاسلامية بعد الثورات العربية ” ، ملحق تحولات استراتيجية ، (مجلة السياسة الدولية ، أبريل 2012) ، ص 15

المصدر.ا لسيا سة ا لدولية

عن الكاتب

عدد المقالات : 1687

اكتب تعليق

الصعود لأعلى