مقطوعات الرؤوس والوجوه

نوال السعداوي


أصبحت الصورة أشد بشاعة من الحقيقة فى هذا الزمن القائم على الصور، هل يمكننا التعرف على إنسان ليس له رأس أو وجه؟ لكن الحزب السلفى وأغلب الأحزاب السياسية المصرية ومنظمات المجتمع المدنى وحقوق الإنسان، أصبحوا لا يرون إلا رءوس الرجال، مسلمين أو أقباطا، وحقوق الإنسان (فى نظرهم) لا تشمل حقوق النساء، وإن حصلوا على الدكتوراه فى تحرير المرأة، تظل صورتها راسخة فى وجدانهم منذ الطفولة، منذ رسمها مدرس الدين على السبورة، على شكل ضلع أعوج أو جسد بغير رأس، وإن ظهر للمرأة “رأس” فهو عضو شاذ، يجب قطعه أو إخفاؤه، امرأة تعجز عن الدفاع عن حق رأسها فى الوجود هل يمكنها الدفاع عن شيء آخر؟
امرأة ليس لها وجه يميزها عن ملايين البشر، كيف يمكنها أن تكون عضوة فى حزب سياسي، تواجه خصومها السياسيين، وتدافع فى البرلمان عن حق الآلاف من الرجال والنساء فى دائرتها لامتلاك رءوسهم؟
الصحف، يوم 26 فبراير 2015، نشرت صور “كارنيهات” لعضوات الحزب السلفى بغير رءوس أو وجوه، والمانشيت يقول: سمح حزب النور السلفى لأول مرة لعضواته بالحصول على كارنيهات عضوية وكانت محظورة من قبل لكن مكان رأس المرأة مساحة خالية.
إن قطع رأس المرأة المسلمة فى صور الحزب السلفي، لا يقل بشاعة عن قطع رأس الرجل القبطى فى فيديو داعش، أو تحطيم آثار العراق فى الموصل، وترتفع الأصوات منددة بما حدث للأقباط وللتماثيل الأثرية، فلماذا لا نسمع صوتا يندد بما يحدث للنساء فى الحزب السلفى؟ وهؤلاء النساء لماذا لا يدافعن عن حقوقهن وكرامتهن؟ لا شك أننا نعود إلى الوراء قرونا، رغم أربع ثورات كبيرة (وليس ثورتين اثنتين): ثورة 1919، ويوليو 1952، ويناير 2011 ويونيو 2013) وفى كل ثورة طالبت الملايين بالعدالة والحرية والكرامة لجميع المواطنين نساء ورجالا مسلمين وأقباطا كيف أجهضت هذه الثورات؟ والدستور الذي يمنع تكوين أحزاب دينية هل أصبح حبرا على ورق؟ كيف تخالف الدولة الدستور وتسمح بوجود حزب النور السلفي، رغم أنه بؤرة لأكثر المفاهيم تخلفا، إذ يقوم على فكرتين متناقضتين:
1 – إن الرجل يعجز عن التحكم فى شهوته إن رأى امرأة عابرة، ولهذا يجب تغطية جميع النساء؟
كانت العدالة تقتضى تغطية عين الرجل الفاسد أخلاقيا وليس تغطية كل النساء.
2 – إن المرأة ناقصة عقل ولهذا يحق لزوجها السيطرة عليها وتأديبها بالضرب إن عصت أوامره، واجبه الإنفاق عليها، بشرط الاستمتاع بها، فإن عجزت لا ينفق، وإن مرضت يتولى أهلها علاجها، لعجزها عن إمتاعه فى أثناء مرضها، وإن ماتت لا يدفع ثمن كفنها أو تكاليف دفنها، لانعدام شرط الاستمتاع بها بعد موتها، ومن حقه أن يطلقها فى أى لحظة حسب مزاجه، وأن يتزوج أربع نساء فى وقت واحد، هذه عينة من الأفكار السلفية المتناقضة المهدرة لكرامة المرأة والرجل معا، فكيف يعجز الرجل عن التحكم فى شهوته الى حد إخفاء النساء تحت النقاب أو الحجاب؟، ثم كيف ينقلب هذا الضعيف أمام شهوته ليصبح الأقوى الذى يؤدب النساء ويضربهن؟
وكيف تنقلب هذه الضعيفة الناقصة عقلا لتكون الأقوى القادرة على التحكم فى شهوتها فلا يفرض على الرجال الاختفاء تحت حجاب؟ هذه أسئلة بديهية لأى عقل يفكر لكن الأنظمة التعليمية أصابت عقولنا بالعقم والعجز عن التفكير، ورؤية التناقضات الصارخة التى تمر أمامنا، ومنها تناقضات الدولة نفسها، وضياع هيبتها وعجزها عن تنفيذ الدستور والقانون؟
لعب الحزب السلفى دوره السلبى فى لجنة الخمسين، تخاذلت جميع القوى السياسية داخل هذه اللجنة أمام هذا الحزب، وقررت النص فى المادة الثانية من الدستور، على أن دين الدولة هو الإسلام، رغم أن الدولة ليس لها دين، والأرض والوطن لجميع المواطنات والمواطنين وليس فقط للذكور المسلمين.
هل تحتاج الحكومات المصرية دائما لغطاء دينى يحميها من الشعب؟ العريق فى حضارته النابعة من العقل والعدل للحكيمات معات وإزيس وسخمت؟ وقد نجح هذا الشعب فى التخلص من الاستبداد السياسى والدينى معا، فهل تسعى الدولة الآن لإجهاض ثورته عن طريق الحزب السلفى؟
وكيف تتراجع الدولة عن قراراتها وتسمح لهذا الحزب بالصعود الى منابرها وإطلاق أفكاره المعادية للعقل وللنساء والأقباط؟
كيف توافق الدولة وأحزابها ونخبها ومجتمعها المدني، على دخول هذا الحزب السلفى (غير الدستوري) الى البرلمان الجديد، بنسائه المبتورات الوجوه المقطوعات الرءوس؟ وما الفرق بين أفكار هذا الحزب والتنظيم الداعشي؟ تقول مانشتات الصحف، فى أول مارس 2015، إن تنظيم داعش فرض ارتداء النقاب على النساء فى المناطق الخاضعة لسيطرته داخل ليبيا، كما حرموا سير النساء دون محرم، وإلا كانت عقوبتهن الجلد؟.

الحوار المتمدن

عن الكاتب

عدد المقالات : 1687

اكتب تعليق

الصعود لأعلى