الإسلام في العالم : أية معالم جغرافية؟
ترجمة بوطاهر لطيفة
مداخلة
جيرار فرانسوا دومون ،رئيس و أستاذ في جامعة باريس السوريون . رئيس مجلة سكان ومستقبل . نائب رئيس أكاديمية باريس للجغرافيا السياسية. مدير الجمعية الجغرافية
في ندوة: »جيوسياسة الإسلام « ،نظمتها الأكاديمية الجيوسياسية في الجمعية الوطنية
باريس /9 يناير 2015
تتطلب المناهج العلمية الجغرافية ،الاستعانة بفهم الجغرافيا المعاصرة من خلال إدراجها في الموروثات التاريخية و تحليل الظواهر بمقاييس متنوعة. يستدعي تحليل المجال الجغرافي للإسلام إذن، دراسة من زاوية الجغرافيا التاريخية.
ظلت جغرافية الإسلام مستقرة من القرن التاسع إلى الثالث عشر، وابتداء من هذا الأخير، دخلت هذه الجغرافيا مرحلة جديدة مع شعوب غير عربية و لكنها أسلمت و رغبت في توسيعها.كان العرب قبلها قد نشروا الإسلام في اتجاهات مختلفة.توجهت بدورها إلى الهند و لم تتمكن من اختراقها كلية، و أدى ذلك بالمقابل، إلى تقدم قوي للإسلام في الجنوب الشرقي لآسيا كما حدث في اندونيسيا.
ارتبط التوسع الإسلامي في أوربا بدخوله أولا للأناضول، وبعده لمجموع تركيا الحالية و البلقان، قبل آن تِؤدي النزاعات مع هذه القارة إلى وضع نهاية لهذا التوسع.
تعد الفترة الممتدة من القرن 16 إلى 20 فترة استقرار نسبي، تميزت بجغرافيا لم تتطور بطريقة جذرية.
بدأ التوسع الجديد ابتداء من أواسط القرن العشرين، و هو الذي نشهده اليوم و يخضع لسياق مخالف تماما لما سبق، لأنه مرتبط بالهجرات الدولية.
تعود أسباب هذه الهجرات إلى ظواهر الجذب من دول احتاج اقتصادها الوطني إلى عمالة لرفع فاعليته، كفرنسا في الفترة الممتدة من 1920 إلى 1950، و ألمانيا التي فتحت أبوابها للأتراك بعد أن استحال استقدام ألمانيين شرقيين. ولنفس السبب ولو بأهمية أقل ، يوجد حاليا باليابان عدد من المسلمين يتراوح مابين 300 إلى 350ألف نسمة.
ترتبط عوامل الجذب هاته بعوامل النفور من:
– حكا مات لا تنهج سياسات تنموية ،مما أدي مثلا إلى هجرة المغاربيين إل فرنسا، ايطاليا و بعدهما كندا.
-نزاعات وحروب، كالحرب الأهلية اللبنانية، أو التغييرات و الثورات/ كالثورة الإيرانية.
تؤدي المراحل الثلاث إلى نقطة ثانية توضح جغرافية الإسلام حسب المناطق الكبرى في العالم.نميز إذن خمسة مناطق:
آسيا والمحيط الهادئ،
-الشرق الأوسط و إفريقيا الشمالية وإفريقيا جنوب الصحراء،
-أمريكا الشمالية، أمريكا اللاتينية و أوربا
نلاحظ أن هذه الجغرافيا تختلف في المناطق المذكورة نتيجة للتاريخ. فإذا كانت إفريقيا الشمالية و الشرق الأوسط منطقتين شبه موحدة دينيا، فإن الأمر يختلف بالنسبة للأخرى.
تعرف إفريقيا ثنائية دينية يتساوى فيها تقريبا المسلمون و المسيحيون، يعتبر الإسلام هامشيا في أمريكا اللاتينية، و وعلى عكس ذلك، يشهد في أمريكا الشمالية تطورا مهما نتيجة لظواهر الجذب و النفور المشار إليها سالفا.
توجد مجموعة أقترح لتصنيفها، مغالطة منطقية :الدول النصف طائفية.ومعنى ذلك، أن سيادة دين في بلد ما، تظل دون النسبة التي تمكنها من منع أقليات تنتمي إلى أديان مختلفة.
و نلاحظ في السنوات الأخيرة ولحد ما، أن الموروث الديني السائد في أوربا، بدأت تنازعه ظواهر الهجرة.
على المستوى الوطني، نستطيع وضع منظومة تصنيفية بين دول أحادية العقيدة، حيث يدين سكانها بنسبة تفوق96 بالمائة بالإسلام، ذاك حال تركيا التي تقع في أعلى مستوى الدول الأكثر ساكنة.
هناك دول نصف عقائدية بتقدم ملموس للمسلمين مع وجود أقليات مهمة كماليزيا،اندونيسيا، مصر ولبنغلاديش، رغم أن الكثير من الهندوس قد غادروه في السنوات الأخيرة؛ وأخرى تعرف ازدواجية عقائدية غير متكافئة مع وجود مهم للإسلام مثل الهند و روسيا؛ و يشهد بعضها توازنا ذا دلالة كبيرة بين الديانة السائدة والإسلام، كما في نيجريا و إثيوبيا.
أخيرا، تعرف دول أوربية كفرنسا، ألمانيا و المملكة المتحدة صعودا للإسلام بدأ يحول جغرافيتها لدول ثنائية العقيدة، و يواجه الوضع بمعارضة.
نسجل نقطتين أساسيتين:هناك تناقض صارخ بين الدول التي تتميز بنسب متزايدة من المسلمين، وأخرى باستفحال التنوع الديني
في الواقع، عرفت البلدان ذات الأغلبية المسلمة منذ قرن أحداثا عززت هذا الوضع. فقد دفعت
الوقائع الجيوسياسية إلى هجرة غير المسلمين. أدت الإبادة الجماعية لهجرة الأرمن من تركيا، طرد الطلبة الناصريون جزءا من السكان عقب 1956،أسفر استقلال الجزائر عن مغادرة الأوربيين و اليهود الذين كانوا هناك منذ 20 قرنا.
رحل الأرمن بعد مذابح أذربيجان، وغادر غير المسلمين المغرب و تونس بعد الاستقلال.
دفعت الحرب الأهلية في لبنان و القضية الفلسطينية منذ 1967 في اتجاه تجانس ديني. في هذا السياق، يمكن أن نضع الهند و باكستان منذ 1947،و كذا الشرق الأوسط منذ ،2003 حيث رفعت الحالة العراقية وتيرة هجرة غير المسلمين. انفجر الوضع منذ 2011 في سوريا التي كانت تعرف توازنا طائفيا نسبيا.
توجد إذن بلدان تعرف تعزيزا للتجانس العقا ئدي بالمفهوم الإسلامي و أخرى على العكس من ذلك، تشهد تنوعا دينيا بسبب ظواهر الهجرة.
يؤدي هذا التطور الثنائي :تجانس/تنوع إلى تجزئة في الفضاء الكوني ذي تداعيات جيوسياسية في غاية الأهمية.
خلاصة،هنا ك واقع جغرافي لا ينازع:أكثر من كل الديانات و بسبب نموه الديموغرافي و عولمته الجغرافية، سيصبح الإسلام محوا لكل التوازنات الجيوسياسية في عالم القرن الواحد و العشرين.