مارلين سلوم – دبي – ” وكالة أخبار المرأة “
لم تعد “ناعمة” ولا خجولة ولا صامتة . لم تعد الدمية الجميلة التي تحركها أنامل صانع البهجة، ولا الحزينة المغلوب على أمرها، الجالسة في بيتها بانتظار “العريس”، ولا هي من تنتظر عودة الزوج أو الابن أو الأخ لتلبية طلباته . لم تعد المرأة في السينما هي الوردة الجميلة ورمز الإغراء والعشق والطرف الضعيف المكمل لرجولة البطل . . المرأة أصبحت هي السينما، وهي عين الكاميرا ومحركها والمحرض على صناعة الأفلام، وهي الصوت وأصل الحكاية .
عام 2014 لم يمض من دون ترك لمسة جميلة في الفن السابع . لم تكن الشاشة فيه “ذكورية” كما شاهدناها غالباً في العالم العربي، ورغم التحول الكبير الذي شهدته السنوات الأخيرة في انتقال المرأة بشكل لافت من أمام الكاميرا إلى خلفها، وتوليها مسؤولية تقديم أعمال ذات قيمة عالية ومهمة في السينما، إلا أننا هذا العام شهدنا تطوراً أكبر في هذا الاتجاه، ويمكننا القول إن السينما العربية أصبحت “صوت المرأة” الصارخ .
ما حصل يعتبر نهضة للسينما العربية من كبوتها، ونفخر بأن المرأة تمكنت من النهوض مجدداً للانتصار لنفسها ولصورتها التي تشوّهت كثيراً، خلال سنوات هبطت فيها هذه الصناعة إلى “المقاولات” والترويج “الرخيص” للمرأة، كأنها وسيلة لتحريك الغرائز وأداة لجذب الجمهور إلى السينما “للتفرج” على الشكل الجميل والجسد المغري . . وإذا كنا نهلل اليوم لبروز المرأة في الفن السابع والتحكم في أدواته كافة من الإخراج إلى الإنتاج والمونتاج والتصوير والتحريك والتأليف، وأخيراً التمثيل، فإنما نشعر بنوع من الأمل في استعادة المرأة دورها الحقيقي في السينما، لأنه آن الأوان لها أن ترفض هذا الانحطاط وتحويلها إلى سلعة يتاجر بها بعض المنتجين والمؤلفين والمخرجين .
2014 كان عام سينما المرأة، وإذا شئت الانطلاق من آخر حدث محلي، فيكفي أن النساء حصلن على أغلبية جوائز مهرجان “دبي السينمائي الدولي” في دورته ال ،11 حيث حصدت اليمنية خديجة السلامي عن فيلمها “أنا نجوم بنت العاشرة ومطلقة” جائزة المهر العربي لأفضل فيلم روائي، والإماراتية نجوم الغانم جائزة أفضل فيلم غير روائي عن “سماء قريبة”، والتونسية هند بوجمعة جائزة الفيلم القصير عن ” . . فتزوج روميو جولييت” . ولائحة المشاركات في أفلام أخرى في هذا المهرجان أو “أبو ظبي الدولي” وغيرهما من المهرجانات في العالم العربي عموماً طويلة، علماً بأن مشاركة النساء في مهرجان دبي في دورته العاشرة بلغت ما نسبته 40% من مجمل الأفلام العربية المتنافسة . وفازت هذا العام أيضاً المخرجة الإماراتية علوية ثاني عن فيلمها “الإيمان بالحب” بالجائزة الذهبية عن فئة الأفلام الروائية القصيرة ضمن جوائز الأفلام المستقلة العالمية . إضافة إلى أسماء أخرى سبق أن أثبتت تميزها مثل نايلة الخاجة وهناء مكي وغيرهما . . ولا يغيب عنا المخرجة التي تمكنت من المجازفة بتقديم أفكارها في أفلام قوية تعبر عنها وعن بيئتها، ونجحت في خلق حالة مميزة لفتت أنظار العالم إلى بلدها السعودية، وهنا نذكر شهد أمين الفائزة بجائزة أفضل فيلم روائي قصير في مسابقة “أفلام الإمارات” المخصصة لمخرجي دول الخليج ضمن مهرجان “أبوظبي السينمائي الدولي” في دورته الأخيرة عن فيلمها “حورية وعين”، وعهد كامل التي شاركت في “دبي الدولي” بفيلمها “سمكة الرمال” . إضافة إلى هيفاء المنصور صاحبة فيلم “وجدة” الذي وصل إلى العالمية .
لا شك في أن المرأة الخليجية أثبتت تفوقها في مجال الإخراج والتصوير والكتابة السينمائية، وهناك فتيات مجتهدات يحملن الكاميرا ويصورن أفلامهن القصيرة . هي تقدمت قفزات إذ لم يكن لها دور في الماضي في هذه المجالات، بينما المرأة من الجنسيات العربية الأخرى كانت لها محاولات كثيرة، وهناك لائحة من المتميزات أمثال: المخرجة زينة دكاش، نادين لبكي، ليال راجحة، ديالا قشمر، كوثر بن هنية، سلمى الطرزي، سارة إسحاق، ميس دروزة، ليلى مراكشي، سارة فرنسيس، آلاء شاكر، نيرمين سالم، هند بكر وغيرهن .
وحين نذكر انتصار المرأة لصورتها، لا بد أن نذكر “مهرجان القاهرة الدولي لسينما المرأة” المخصص “لها” الذي أقام دورته السابعة بمشاركة 60 فيلمًا من أكثر من 40 دولة . كل الأفلام من إخراج النساء، وقد عُرضت في أبرز المهرجانات الدولية على مدار العام .
أما المرأة المصرية، فلها مع السينما حكاية طويلة وقديمة، وإنجازاتها ليست حديثة، لكن الفكر التجاري سيطر سنوات على السينما فأعادها إلى الوراء، وتراجع دور نون النسوة الفعلي في الإخراج والإنتاج والكتابة . . نستثني بعضهن مثل ساندرا نشأت وكاملة أبو ذكري . . وهناك نجمات في التمثيل ساهمن في إنتاج أفلام جيدة . إنما هذه الخطوة ليست جديدة ولا طارئة على مصر “هوليوود الشرق”، فهي التي فتحت أبوابها في الماضي، أي في بدايات عهد الفن السابع للمرأة لتبدع في أفلام الأبيض والأسود، ولم تميز بينها وبين الرجل، ولعلنا نعلم جميعاً أن أقوى شركة لصناعة السينما في العالم العربي والتي صمدت في وجه الأزمات الاقتصادية، والصعوبات الإنتاجية كافة، هي شركة “لوتس فيلم” لإنتاج وتوزيع الأفلام التي أسستها اللبنانية آسيا داغر عام 1927 في مصر، وتعتبر “أقدم وأطول شركات الإنتاج السينمائي المصري عمراً” . في ذلك الزمن وبعده عمدت نجمات السينما إلى إنتاج الأفلام وربما كانت أشهرهن ماجدة الصباحي التي أسست شركة “أفلام ماجدة للإنتاج السينمائي” وقدمت من خلالها أفلاماً قوية وناجحة .
المرأة هي السينما، عينها وإحساسها وجمالها وقوتها وضعفها . . هي حكاية من حكاياتها كما هي في الحياة شريان رئيسي من شرايينها . عالمياً عرفت المرأة كيف تصنع أفلامها، وكيف تصنع صورتها في الأفلام، وحين تجدها هابطة فإنما بإرادتها وبقناعة منها بما تؤديه أو تقدمه . أما عربياً، فالمرأة ترضى أحياناً أن تتراجع إلى الخلف لتكون ظل الرجل لا رفيقته، بعض صناع السينما يحسن تقديمها بما يليق بها ويبرز قدراتها ومعاناتها ويحكي عن واقعها، مثل أفلام كثيرة قدمها مخرجون عمالقة وأفلام نشاهدها اليوم على نمط “فتاة المصنع” وغيره . . وبعضهم يسيء لها ولصورتها ويشوه دورها في المجتمع وعلى الشاشة . لذا من الضروري أن تستمر نهضة سينما المرأة وأن تتقدم بنفسها بجرأة وقوة لتقديم صناعة متطورة تحكي عن حالها وتحكي حال مجتمعها، وليس شرطاً أن تقتصر مواضيعها على حكايات نسائية فقط . مهم أيضاً أن تقدم أفلاماً عامة بخيال أوسع توسع أطرها لتشمل الأنماط السينمائية كافة من درامية إلى تاريخية إلى خيال علمي وكوميديا . . وهي قادرة على ذلك وستفعل .
رائدات الصناعة من ألفها إلى يائها
للمرأة العربية حكاية قديمة مع السينما وقد يستغرب البعض أنها كانت رائدة في الكتابة والإخراج والإنتاج، وفي المونتاج والموسيقى التصويرية للأفلام أيضاً . أي أنها كانت مبدعة في كل المجالات السينمائية من ألفها إلى يائها .
ربما أشهر النساء تأثيراً في هذه الصناعة كانت آسيا داغر التي جاءت من بلدها لبنان إلى مصر لتأسس شركتها “لوتس فيلم” لإنتاج وتوزيع الأفلام عام،1927 واستمرت في الإنتاج بينما توقفت شركات إبراهيم لاما وبدر لاما وعزيزة أمير وبهيجة حافظ، ولذلك استحقت لقب “عميدة المنتجين” .
آسيا لم تكن الأولى في هذا المجال فقد سبقتها عزيزة أمير (مواليد 1901) واسمها الحقيقي مفيدة محمد غانم والتي كانت أول سيدة تقتحم عالم السينما كممثلة ومنتجة ومخرجة ومؤلفة ل 16 فيلماً .
فاطمة رشدي (80_O) واسمها الحقيقي فاطمة قدري وحملت لقب “سارة برنار الشرق”، واللافت أنها تعلمت الكتابة والقراءة والتمثيل في آن على يدي عزيز عيد حين التحقت بفرقته المسرحية . ومن التمثيل الذي أبدعت فيه انتقلت إلى التأليف والإخراج ثم الإنتاج .
بهيجة حافظ (1908) وهو اسمها الحقيقي، انتمت لأسرة أرستقراطية، كان والدها حاصلاً على لقب باشا، وابن خالتها اسماعيل صدقي رئيس وزراء مصر في الثلاثينات والأربعينات . وصلت إلى السينما من عالم الموسيقى، بعد حصولها على دبلوم التأليف الموسيقي من باريس . ومن التمثيل انتقلت إلى كتابة قصة وسيناريو 3 أفلام، أخرجت فيلمين، وصممت ملابس فيلم واحد، ومونتاج فيلم واحد، وقدمت الموسيقى التصويرية لثمانية أفلام .
أمينة محمد (1908) عملت بداية في الصحافة (روز اليوسف ومجلتي والصباح)، ومنها إلى التمثيل برفقة ابنة شقيقتها أمينة رزق، ثم عملت في التأليف والإخراج والإنتاج وأيضاً كمساعد مخرج .
نعود إلى آسيا داغر التي أتت برفقة أختها وابنتها ماري كويني من لبنان إلى هوليوود الشرق، وساهمت في تطوير صناعة السينما بشكل كبير . وبفضل اجتهاد آسيا وماري وإدارتهما الجيدة، تمكنتا من خلق حالة مميزة، وشكلتا ثنائياً قوياً لا يستطيع أحد منافستهما . واكتشفت آسيا الكثير من النجوم في الإخراج أمثال هنري بركات وحسن الإمام وحلمي رفلة وعز الدين ذو الفقار وكمال الشيخ وآخرين . . إضافة إلى الوجوه الجديدة آنذاك: فاتن حمامة وصباح وغيرهما .
ماري كويني (1913) بدأت كممثلة قبل أن تتزوج المخرج أحمد جلال وتنجب المخرج الذي رحل في ديسمبر/ كانون الأول 2014 نادر جلال . عملت مع زوجها على بناء “استديو جلال”، ورغم رحيل زوجها قبل الانتهاء منه، إلا أنها أكملت المشروع وحدها . عملت كممثلة ومونتيرة وكاتبة سيناريو وحوار ومنتجة . . وواصلت العمل رغم كل الأزمات التي مرت بها السينما . حتى أن هناك مقولة مشهورة قالها عنها ابنها المخرج نادر جلال: “إذا كانت الأم مدرسة، فإن والدتي كانت جامعة متكاملة” .
الحوار المتمدن