……..كبرا وكبرت اهتماماتهما الحياتية بتفاصيلها وحيثياتها.. وتباينت أيضا المسافات الجغرافية بينهما.. لكن ظل ما يجمعهما حاضرا وبقوة.. حب المدينة الزاخرة بالتراث والتاريخ بروح طفولية تأبى أن تكبر..
إنها حكاية طبيب وفنانة مسرحية..
دليلة حياوي
الجزء 2
هو مستنكرا:
* آدادّة الفاهيم بغيتي تصححي اللعب ديال زمان؟!
هي:
– ماما تتقول الغلط ممكن يتصحح في أي وقت..
هو:
* قولي لماماك تصحح قياس المرقة ديال الطنجية بعدا!
ترجلت الطفلة عن السور القصير وتوجهت نحوه بخطوات لا تخلو من عصبية:
– ماما امرأة عصرية! شادة عبار: buiscuit roulée, soufflé , escalopes, meringues يا الله!
فيأتي صوت نسائي من بعيد يحث الطفلة المستلقية على النهوض والرد بدورها قائلا:
* أجمعي الوقفة أذيك المْنونْخة وقولي لهاذوك البراهش: الواليدة لالة نووووفيسة بلدية! وعمرها ما خلاتنا بلا غداء في نزاهة!
فيغير الطفل من لهجته التهكمية مواسيا الطفلة حاملة الكتاب:
* كون غير طيّبها جدك! ياك الطنجية اختصاص الرجال ماشي العيالات!
هي بيقين موجهة كلامها للسيدة:
– لالة نَفيسة! عارفة إشبيلية؟
السيدة:
ـ اسمي لالة نوووووفيسة
الطفلة: لا معنى لاسم نوووووفيسة بالعربية إلا إذا كان تصغير.. والتصغير خصه ياء بالسكون ماشي مد مكسور!
السيدة:
ـ آشنو؟؟ التصغير؟؟؟.. تتصغري في قيمتي دبا؟ تقادوا الكتاف؟
الطفلة:
ـ الاكتاف مازال.. أنتي اطول مني.. ممكن نقادوا غير المعارِف.. عرفتي إشبيلية؟
السيدة:
ـ بلية؟ آش من بلية؟
لترفع صوتها الطفلة بالفصحى:
– المدينة التي ذكر المسلمون المطرودون من الأندلس في الأنشودة: “تلكَ إشبيلية نُولّي لها.. ما قتلوني ما أحيوني..
ويسارع الطفلان لتتميم الأهزوجة بصوت مرتفع بالدارجة وهما يطوفان حولها: “غير الكأس.. اللي عطاوني.. الحرامي ما يموتشي جات خبارو في الكوتشي”..
فتصيح بهم السيدة نفسها:
ـ طلقوا راسكم آهيااااااوينا ! وجرّوا معكم هذيك القارية بزاف! راه الكوتشي غادي يمشي!
كان يبتسم وهو يستحضر هذا المشهد.. ودون أن يشعر ترك الصور وفتح الفيسبوك.. وذهب رأسا إلى بروفيل امرأة ناضجة في عمره.. طالع أحدث ما دونته بالصفحة.. كان مقطعا حزينا من آخر مسرحياتها.. قرأها مرة ومرتين وثلاثا.. قام من مكانه.. أحضر قنينة ماء بارد.. رشف كوبا عن آخره ونقر على أيقونة الماسنجر وشرع في الكتابة لها تلقائيا بالدارجة:
* انتي هنا؟
كرر المناداة عليها:
* آبنت المدينة!
كانت جالسة خلف طاولة أكل عليها مفرش مغربي مطرز يدوياً.. وأمامها صحن وكوب وشوكة وسكين.. وعلى يمينها نافذة يتسلل منها ضوء شمس خجولة.. تتأهب للرحيل.. كانت تتناول عشاءها وتتابع أخبار الثامنة بقناة أجنبية..
تتالت رنات الماسنجر.. رفعت نحو عينيها نظارة طبية كانت تتدلى فوق صدرها بسلسلة من حبات مرجان صويري.. ومالت برأسها إلى الوراء لتتبين ما بدا على شاشة هاتفها الموصول بشاحن فوق طاولة قديمة الطابع.. والمظلل بشجيرة وارفة من نباتات الظل المنزلية.. تُعرف بشجيرة السعادة.. وكانت تصر على شحنه تحتها التماسا منها لطاقة إيجايبة ما..
كانت هناك إشعارات برسائل منه.. من صديق الطفولة البعيدة.. رفعت حاجبيها وارتسمت على شفتيها بسمة خفيفة.. مسحت يديها بمنديل مطرز بدوره وقصدت غرفة نومها أخذت الـiPad ثم توجهت نحو الأريكة بالصالون .. جلست وشرعت في الإجابة دون أن تحيد البسمة عن شفتيها:
– نعم! ولا!.. آولد الحومة! حسب اش من اخبار عندك من مسلسل مغامرات “لالة نوووووفيسة”؟
* حرام عليك! احجار القامرة د جهة تانسيفت-الحوز يشددددددوها!
– بغيت تبقى بوحدك بجهة سوس-ماسة؟
* خفت على المنطقة من التلوث الروحي! قولي ليا آش عندك ما يدّار دبا؟
– كنت تندوّز الوقت بالماكلة وأخبار تسد الشهية على الماكلة! ودبا ها أنا مجمعّة معاك! في الغربة من قلّة الوالي ندير ولد جيران زمان خالي!
(يتبع)