مواجهة ايبولا اولى من تنظيم البطولة
وفاء صندي
لأول مرة في تاريخ الكرة الافريقية، تفاجئ الكونفدرالية الافريقية لكرة القدم (الكاف) ومعها الجماهير الرياضية بطلب تأجيل او إلغاء البطولة في دورتها الثلاثين من طرف البلد المنظم (المغرب)، ليس لعدم جاهزيته لاحتضان هذا العرس الكروي كما يدعي البعض، ولكن لأن هناك ما هو اهم واخطر ويهدد ليس فقط الامن القومي وسلامة الجهة المنظمة بل يهدد قارة بأكملها وهو خطر تفشي ايبولا، الوباء القاتل الذي يجعل العالم اجمع تحت رحمته ولا سبيل لمواجهته الى حدود اليوم سوى بالانكماش داخل الحدود، وتشديد الإجراءات الأمنية في المطارات، واعادة صياغة الاستراتيجيات التجارية لشركات الطيران تجاه المناطق الموبوءة في افريقيا الغربية، مما سيساهم في تقليص تنقل الأشخاص عبر العالم الى ان تتم السيطرة والقضاء على هذا الفيروس.
ايبولا الذي ظهر لأول مرة سنة 1976 في بلدة صغيرة في دولة الزائير، قبل ان يسجل أكثر من ثلاثين حالة تأثرت منها القرى النائية في وسط أفريقيا (جمهورية الكونغو الديموقراطية وأوغندا والسودان والغابون)، عاود الظهور مرة اخرة والتفشي هذه المرة بصورة مرعبة في مارس 2014 في غرب القارة السمراء خصوصا في غينيا ثم ليبيريا وسيراليون ونيجيريا ليصل عدد الوفيات بسببه الى ما يفوق 4493 حالة الى حدود الـ 12 من الشهر الجاري من بين 8399 حالة إصابة مؤكدة أو محتملة أو مشتبه بها في سبع دول مع تسجيل ظهور اولى حالات الفيروس في اسبانيا وامريكا، فيما باءت جميع محاولات تطوير دواء يعالج المصابين بالفيروس بالفشل ولا حل الا بحصر العدوى والسيطرة عليها.
واذا كان المشرع الامريكي قد وافق على نقل 750 مليون دولار من أموال وزارة الدفاع لمكافحة وباء إيبولا في غرب أفريقيا، فيما بدأت السلطات الأمريكية بتشديد إجراءات المراقبة في خمسة مطارات رئيسية، حيث انتشرت فرق عسكرية وأطقم لمراقبة الحالة الصحية للمسافرين القادمين من الدول الأفريقية الأكثر تضررا من الفيروس، واذا كان الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند قد ترأس مجلسا وزرايا يخصص لدراسة سبل حماية التراب الفرنسي والأوروبي من عدوى المرض، في حين تشهد باقي دول العالم استنفارا عاما لمنع دخول الوباء، الذي بات خطرا عالميا، الى اراضيها، فإن المغرب ايضا ووعيا منه لما يشكله ايبولا من تهديد حقيقي على حياة الانسانية، لم يجد امام هذا الوضع المقلق الذي عبرت عنه تقارير منظمة الصحة العالمية التي حذرت من التطور المخيف لهذا الفيروس وطالبت بضرورة تفادي التجمعات الكبيرة، وقال عنه الدكتور لويس سامبو، المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية في أفريقيا، إن الأمر تعدى كونه تفشي للفيروس في بلد واحد، وإنما أزمة في منطقة كبيرة تحتاج إلى تدخل قوي. وعبرت عنه منظمة أطباء بلا حدود بكونه (فيروس إيبولا) أصبح خارج السيطرة والوباء سينتشر بصورة أوسع ما لم يكن هناك تحرك دولي قوي بشأنه، لم يجد المغرب امام هذا الوضع سوى الاجماع حكومة وشعبا حول قرار وطني يتمثل في تأجيل هذه البطولة او إلغائها ان لزم الامر، وان كان الثمن هو فرض عقوبات عليه سواء من الكاف او الفيفا يمكن ان تصل الى حدود حرمانه من استضافة تظاهرات رياضية مستقبلا وخاصة القارية منها، لأن ما يهم المغرب والمغاربة ليس ما سوف يجنيه من تنظيم كأس افريقيا والترويج للسياحة بقدر ما تهمه سلامة مواطنيه وسياحه لعدم تكرار مأساة وباء الطاعون الذي حل بالمغرب في اواخر القرن 17 وبداية القرن 18 بعدما سمح لسفينة قادمة من مكة وعلى متنها اميران بالارساء بميناء طنجة، حيث سمحت لهما سلطات الحجر الصحي بدخول المغرب لمكانتهما، في الوقت الذي كانت سفينتهما حاملة للجرثومة الأولى للطاعون، والتي كلفت المغرب خلال سنتين من تفشي الوباء 2500 حالة وفاة يوميا حيث خسرت بعض المدن المغربية نصف سكانها.
واليوم خطر ايبولا اكبر من أي تظاهرات او حسابات رياضية ضيقة، والعالم اجمع يتحرك من اجل حماية اراضيه والحد من انتشار ومواجهة هذا الوباء الفتاك، وعليه ان يوحد من جهوده ويقدم بعض التنازلات من اجل التصدي لهذا الفيروس الذي يتناقل بمجرد الاتصال المباشر مع إفرازات من شخص مصاب. والمغرب كما باقي دول العالم مطالب باتخاذ كل الاجراءات اللازمة، وان كانت الفاتورة ليس فقط تأجيل التظاهرة لشهرين او ستة وانما إلغائها بالكامل مقابل ضمان سلامة الجماهير اولا والتي تقدر بمليون متفرج من مختلف الدول الافريقية، والحفاظ على سلامة وامن البلد المضيف وباقي دول المنطقة. وعلى الجميع ان يؤيد هذا القرار بعيدا عن نظرية عدم امكانية تأجيل البطولة لوجود جدول زمني مسبق وارتباطات اللاعبين مع انديتهم الاوروبية، في الوقت الذي يتم فيه الحديث اليوم ايضا عن امكانية اجراء كأس العالم قطر 2020 في فصل الشتاء بدل فصل الصيف، فحرارة الشمس لن تكون اكثر تأثيرا وضررا على البشرية من تهديد ايبولا!!
اما الحديث عن نقل التظاهرة الى بلد اخر، وخصوصا ان بعض الدول ابدت استعدادها معتبرة ذلك عودة الكرة الى الاصل والمنبث، وهي ايضا تخريجة لمنظمي الكرة الافريقية وحلا جاهزا امام تعاقداتهم مع القنوات الفضائية والمحتضنين والتي تقدر بملايين الدولارات (بغض النظر عن الخسائر البشرية)، لكنه لن يكون قرارا سليما في حال كان هذا التجمع الرياضي ولو لاحتمال %1 فرصة لتناقل المرض والزيادة من حدة انتشاره، اذا ما علمنا ان توقعات الصحة العالمية تتحدث عن خمس الى 10 الاف حالة اصابة ستسجل اسبوعيا ابتداء من شهر دجنبر المقبل في غرب افريقيا، أي أن الفيروس سيكون فعلا خارج السيطرة، واذا ما علمنا ايضا ان الدول الاكثر تأثرا بالوباء هي مشاركة في البطولة القارية، واذا ما علمنا ثالثا انه في ظل التطرف الذي يشهده العالم من الممكن ان تستغل هذه الاوبئة كأسلحة بيولوجية تستعمل في عمليات انتحارية لن تتطلب سوى حقن الانتحاريين بالفيروس وارسالهم الى تجمعات الدول المستهدفة ويكفي اللمس المباشر حتى ينتشر الداء بسرعة وسهولة.
العالم اليوم في خطر حقيقي، وليس امامه الا ان يجند نفسه من اجل التصدي إلى هذا الموت السهل عبر دعم موقف المغرب القاضي بتأجيل البطولة اولا، وثانيا صياغة استراتيجية عالمية لمواجهة الداء وتشكيل تحالف دولي لمحاربته، تسخر له كافة الامكانيات المادية والعلمية والصحية الضرورية.. فخطر ايبولا لا يقل عن خطر الارهاب ولا عن خطر داعش، فكلهم يشكلون تهديدا للبشرية وامام هكذا مخاطر لا يقبل الكيل بمكيالين
المصدر:رأي اليوم