وكالة أخبار المرأة – المرأة والحوار الأورو – متوسطي
عبدالعزيز التويجري – ” وكالة أخبار المرأة
عقدت في الأسبوع الماضي ندوة في مقر مجلس الشيوخ الفرنسي في باريس، في عنوان «الحوار الأورو – متوسطي من وجهة نظر المرأة»، شارك فيها عدد من البرلمانيين والمثقفين الأوروبيين والعرب. وكان محور العروض والنقاش في هذه الندوة، الدور الرئيسي الذي يجب أن تقوم به المرأة في مجالات الحوار والتنمية الشاملة، وفي التعامل مع المتغيرات الاجتماعية والثقافية والسياسية، وضرورة تعديل الأوضاع القائمة حالياً التي تعطي للرجال النصيب الأكبر في قيادة العمل في هذه المجالات.
وخلال أعمال هذه الندوة التي استمرت يوماً واحداً، تم الحديث عن وضع المرأة في بعض الدول العربية، وما تتعرض له من حيف واستهداف، بخاصة في مناطق الصراعات والحروب التي تصاعدت حدتها وتعاظم خطرها. ولم يغفل المشاركون في الندوة الحديث عن الحرب المعلنة على «داعش» من جانب التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية، وذهب بعض المشاركين إلى انتقاد فقدان هذه الحرب استراتيجيةً واضحة. وإذا راجعنا مسار مبادرات الحوار التي تعددت أسماؤها وتنوعت أشكالها، من الحوار بين الحضارات، إلى التحالف بينها، إلى التقارب بين الثقافات، والحوار بين أتباع الثقافات والأديان، وغير ذلك من المبادرات الدولية، فإن المحصلة النهائية لكل هذه المبادرات، وما واكبها من جهود وأنشطة، لم تأتِ بالتغيير المطلوب في الأفكار والمواقف والسياسات التي تترك الآثار الإيجابية في تعامل الناس على النطاق الشعبي والرسمي ونظرتهم إلى الثقافات والحضارات والأديان التي تشكل مجموع الانتماءات الإنسانية اليوم.
فلا يزال العالم يعيش في توتر كبير تنمو فيه الاتجاهات العنصرية والخوف من الآخر المختلف ديناً وثقافةً وعرقاً. كما أن تصاعد نمو التيارات والأحزاب اليمينية المتطرفة في عدد من الدول الأوروبية، شكل خيبةَ أمل لكل الجهود المبذولة والتفاؤل المصاحب لها في بناء عالم إنساني متسامح ومتفاهم، بل إن الأوضاع في عدد من دول العالم العربي الإسلامي تدهورت في شكل خطير، ودخلت في نفق مظلم من التناحر الطائفي والأهلي، ما أضعف موقف الجانب العربي الإسلامي في منتديات الحوار، وأتاح لخصوم الحوار والتفاهم الحضاري، فرص الهجوم من جديد على الإسلام والمسلمين، واستهداف ثقافتهم وحضارتهم، وإلصاق التهم والافتراءات بها لتشويهها وتنفير الناس منها.
إن الحوار بمجالاته المختلفة هو ثمرة الوعي بكونية الاختلاف وبحتمية التنوع الثقافي والديني، وإنه السبيل الوحيدة إلى التفاهم والتقارب وحل الخلافات سلمياً. وما عداه فهو الصراع والحروب التي تدمر الإنسان والعمران وتخلف العداوات، وتزرع الأحن والكراهية، وتحيل حياة البشر إلى جحيم مقيم.
ومن المؤسف أن يكون العالم الإسلامي مسرحاً للصراع الدولي، وأن يكون من بين أبنائه من يسهّل مهمة تشويه صورته وتدمير تاريخه ومعالمه الحضارية وتراثه الثقافي العريق وإرجاعه إلى الوراء، وإهدار كل ما تم إنجازه من تنمية، صغرت أو كبرت، خلال عقود من الزمن. فهل حان الوقت لأن نقف مع أنفسنا وقفة صدق نراجع فيها أوضاعنا ونرتب أولوياتنا، ونعمل على إنقاذ أمتنا من الانهيار والضياع؟
إنها قضية فكر أولاً وأخيراً، وما نحن فيه اليوم من طائفية وضعف وتناحر وإرهاب، وما يخطط لنا من ترتيبات بعضها ظاهر وكثير منها خفي، كل ذلك لأننا لم ننتج الفكر البنّاء الذي يمكن نهضة حضارية تستلهم روح الصفحات المضيئة والمجيدة من حضارتنا، وتنهل من معين الإنجازات الإنسانية المعاصرة في مجالات التفوق المادي والاقتدار الحضاري، وتعلي من شأن الإبداع والمبدعين في ميادين العلوم والتكنولوجيا والابتكار، ولا تفضّل الأقدام على الأقلام.
لقد كانت الندوة من وجهة نظر المرأة التي بدأت المقال بها، ندوة متميزة، لكنها مرّت مرور الكرام على وسائل الإعلام، فلم تحظ بالاهتمام الذي تستحقه. وهذا ديدن أغلب وسائل إعلامنا اليوم، اهتمام بمباريات كرة القدم ومسابقات الغناء والغثاء، وإهمال ما ينفع الناس ويمكث في الأرض. ورد الاعتبار للمرأة في عالمنا الإسلامي، وتمكينها من الانخراط في بناء التنمية الشاملة المستدامة، يحفظان كرامتها ويصونان ذاتيتها، ويرفعان من مقدارها، ويفتحان أمام المجتمع أبواب التقدّم والرقيّ والازدهار. لأن المجتمع لا يتقدم ولا يرقى بنصفه وإهمال أو إقصاء نصفه الآخر. ففي ذلك تعطيل لمسيرة الحياة التي يجب أن تطرد وتيرتها وتتجه دوماً إلى الأمام، لصنع التقدم ولصوغ المستقبل الزاهر الآمن الذي يساهم الجميع رجالاً ونساءً، كباراً وصغاراً، في بنائه وتطوره وسلامة كيانه. فأين نحن اليوم من هذا كله، وما نراه في عالمنا العربي الإسلامي من تشتت وتناحر وفوضى هدّامة يقودنا إلى الضياع وسوء المنقلب؟
الحوار المتمدن