«فيلا توما» فيلم الفلسطينية سهى عرّاف والعودة إلى سؤالَي الهوية والتمويل
سليم البيك
في كل مشاركة لفيلمٍ مخرجه فلسطيني في مهرجان سينمائي عالمي، يُعاد طرح الأسئلة بخصوص: أولاً، الهويّة الفلسطينية للفيلم. وثانياً، التمويل الإسرائيلي له. يتكرّر طرح الأسئلة مرات خلال السنة، كلّما برزت عناوين أفلام فلسطينية بين مهرجان وآخر.
عُرض فيلم «فيلا توما» ضمن «أسبوع النقاد» قبل أيام في مهرجان البندقية السينمائي، في عرض أول له وخارج المسابقة الرسمية. ورافق الفيلم جدل حول تصنيفه بين إسرائيلي وفلسطيني.
«فيلا توما» من إخراج وكتابة سهى عرّاف، وهي فلسطينية من قرية معليا في الجليل، من الفلسطينيين الحاملين لجوازات إسرائيلية، ما نعرفهم بفلسطينيي الـ (48). الفيلم من بطولة نسرين فاعور وأخريات فلسطينيات كذلك. ويحكي قصّة لعائلة فلسطينية مسيحية فيرام الله خلال الأيام الأولى للاحتلال الإسرائيلي. كل ذلك يرجّح أن يكون الفيلم فلسطينياً، لسبب أساسي هو الهوية الوطنية لمخرجته وكاتبته، وإن حملت عشرين جواز سفر، ولأسباب ثانوية هي هويّة الممثلين في الفيلم وموضوعه ولغته. من هنا يمكن القول أن الفيلم فلسطيني، خاصة وأن عرّاف أصرّت على هويّته الفلسطينية، وهي صانعة الفيلم.
الجهات المنتجة لا تملك بتمويلها الفيلم الذي تنتجه ولا ينتمي الفيلم، وهو عمل فنّي، إليها. ويمكن أن يشارك في الإنتاج عدّة جهات، حكومية وغير حكومية، ومن عدّة دول، إلا أن ذلك لم يكن ليسلب انتماءَ الفيلم لصانعه، ويوزّعه على مموليه، فكيف بإصرار صانعه على انتماء الفيلم له ولهويته الوطنية، ويشاركه في ذلك موضوع الفيلم وممثلوه؟
صنّفت عرّاف الفيلم كفلسطيني ورفضت ذلك الجهاتُ الإسرائيلية المنتجة للفيلم. و «فيلا توما» تم إنتاجه بتمويل عدّة جهات، الثلاث الأساسية منها كانت حكومية إسرائيلية. وقد طالبت هذه الجهاتُ، مع وزيرة الثقافة الإسرائيلية، عرّافَ أن تعيد لهم أموالهم.
لنتخطّى هذه المسألة، ونتّفق على أن الفيلم كنتاج فنّي ينتمي لصانعيه لا لصناديق التمويل، وأحياناً لموضوعه وممثليه ولغتهم، وهنا كل هذه العوامل تلاقت لتسم الفيلم بالفلسطيني.
يجرّنا ذلك إلى السؤال الثاني، وهو التمويل الإسرائيلي للأفلام الفلسطينية. وهي مسألة تُثار كلّما أُنتج فيلم لمخرج فلسطيني بتمويل إسرائيلي. يصعب الإقناع ان تمويل جهات حكومية إسرائيلية لفيلم فلسطيني، غايته دعم السينما الفلسطينية أو مجمل النتاج الثقافي الفلسطيني، ويصعب الإقناع أن التمويل الإسرائيلي لن يتضمن شروطاً والتزامات على المخرج، أو اعتراضات وإرشادات على مضمون الفيلم، فأي تمويل لأي مشروع ثقافي سيتضمّن ما يتراوح بين المراعاة والالتزام لمنظومة أفكار ومواقف سياسية قد تضطر الجهة المنتجة للتذكير بها إن لم يكن المخرج «لمّاحاً» بما يكفي.
أيّ سينما فلسطينية يمكن أن يبنيها مخرجوها بتمويل إسرائيلي؟ وهذا التمويل ليس قدَراً بالمناسبة لأن أفلاماً كـ «عمر» لهاني أبو أسعد) أُمكن إنتاجها بتمويل عربي وأجنبي متعدّد، وبعيداً عن الشيكل وارتداداته. هذا الكلام يشمل جميع الأفلام الفلسطينية المموّلة إسرائيلياً، وليس الفيلم موضوع المقالة وحسب، مهما بلغت قدرة المخرج على المراوغة وتخطّي أفكار ومواقف للممولين.
ردّت عرّاف في أكثر من مكان أن الفيلم ينتمي لمخرجه، ليس لمؤسسات تمويلية، وبالتأكيد ليس لدول، وبأنها تعرّف عن الفيلم كفلسطيني لأنها قبل كل شيء فلسطينية. وطرحت المسألة الوطنية لفلسطينيي الـ (48) في ردّها في جريدة «هآرتس» مُرجعة الجدل إلى أساس الصراع، كتبت أنه منذ اليوم الذي تأسست فيه دولة إسرائيل تم وسمنا كأعداء ومعاملتنا بتمييز حاد على شتى الصعد، لماذا يُتوقّع مني إذن أن أمثّل إسرائيل بفخر!
عرّاف محقّة في ردّها، وجيّد أنها أعادت الجدال إلى أساسه، وهو الاحتلال وما تعرّض له الفلسطينيون، والفئة من هذا الشعب التي تنتمي إليها عرّاف تحديداً. وهذه واحدة من معارك الهويّة والثقافة الفلسطينية التي يحاول الإسرائيليون محوها. وهذه فرصة كذلك للتفكير مجدّداً بالتمويل الإسرائيلي لإنتاجنا الإبداعي، للمشاركة الإسرائيلية في تحديد معالم ومضامين الانتاج الإبداعي الفلسطيني.
لتكن هذه فرصة لرفض التمويل الإسرائيلي للسينما الفلسطينية كي لا تتحدّد، تراكمياً، هذه السينما بهذا التمويل. كي لايكون، مستقبلاً، الأرشيف السينمائي الفلسطيني بشكل أو بآخر وبنسبة أو بأخرى، إسرائيلياً.
* كاتب من فلسطين
القدس العربي