وا إسلامااااه.
كنت أعيب على الغرب استعذابه للأحكام الجاهزة.. وأحث المحيطين بي من أبنائه الإيطاليين أو غيرهم بضرورة التقصي لفهم الآخر.. ونيتي المبيّتة كانت تختزل الآخر فينا نحن كمغاربة وعرب ومسلمين رست قوارب حياتنا بشطهم العامر.. ليس تجنيا منّي على الآخر “الآخر” من أفارقة جنوب الصحراء وأميركولاتينيين وأوروشرقيين.. لكن لأننا صرنا شئنا أم أبينا أبطال السنوات الأخيرة بلا منازع.. بعضنا أبطال من ورق وبعضنا الآخر أبطال على ورق.. ونوايا البعض المتبقي مهما صلُحت تبعث على القلق.. وكنت بالتالي أظنني أحسن صنعا إذ أزيّن القراءة والإطلاع لمن يتقن اللغات الأجنبية وخاصة العربية بغرض تقريبه من ثقافتنا المعاصرة ذات المرجعية الحضارية العتيقة كيلا لا يظل حبيس أراء المترجمين التي يسقطونها عادة على النصوص مهما توخّوا الحياد.. ويا ليتني لم أُشِرْ على معارفي بتفعيل خدمة المستجدات على “جوجل”.. الذي لم يتوان عن إمطار بريدهم بكل ما هو قشيب وغريب.. وكأني أهديتهم بيديّ مزلاج مختبر افتراضي يوصدون عليّ أبوابه ليعيثوا تحليلا بعد كل حدث.. كما لو أنني صانعته وليس شيوخنا الأجلاء..
وهكذا، طوقتني أحكام وفتاوى تحرم الاحتفال بأعياد الميلاد والسنة الميلادية لأسابيع وأسابيع.. رددت فيها من جديد على مسامع السائلين.. أنني أسعى إلى البهجة سعيا منذ الصغر مع يقيني الراسخ بأنني مسلمة العقيدة.. وبأن ذاكرتي البعيدة لازالت تحتفظ بمشاهد حية لجدتي المسلمة أيضا بجلبابها الأزرق أو الأخضر أو البنفسجي المزيّن”بالسَّفيفَة والعْقادْ1″ ولثامها الأبيض المنسجم لون تطريزه مع ما ذكر في لوحة بديعة.. وهي تمسك بيدي الصغيرة في عطلة رأس السنة بمراكش قاصدة “جيليز2″ وهي في حينها المدينة الجديدة.. كي تبتاع لي من محلاتها المزينة بالبالونات والأنوار شيئا ولو رمزيا.. لعبة أو لباسا أو حذاء أو حتى حلوى.. المهم أن تكافئ اجتهادي في الصلاة ألف مرّة على روح عيسى عليه السلام ليلة ميلاده.. مكافأتها لي على الصلاة الألفية نفسها على محمد صلى الله عليه وسلم ليلة مولده.. بينما قبيل ليلة السنة الهجرية تقصد بي أسواق المدينة القديمة كـ”الشرابلية3” لابتياع خُفّ مراكشي أو فاسي.. أو “تامقشرت4” الأمازيغية.. ثم نعرج على “التكموتيين5” لإصلاح حلي أو لمجرد معاينة ما جدّ بالواجهات.. فسوق “السمارين6” وليس بالضرورة لأجل التبضع.. ثم “العطارين7″ للتزود بخلاصة الزهر والورد و”العود القماري8”.. فـسوق “القشّاشة9” حيث تجعل سلّتها ملأى بالفواكه المجففة مع الوعد بالسماح لي بمساعدتها في “عجين القريشلات10″ بعد العودة مساء.. وأثناء استغراقي في النوم توقظني لمقاسمتها السحور.. وإذا لم تفلح تضع في كفي اليمنى”كويرة” حناء صغيرة معطرة وتلفها بقطن وضماد طبي..
إنها ذكرياتي التي أعتز بها اعتزازي بانتمائي وجدتي إلى دين يوم هاجر رسوله صلى الله عليه وسلم إلى يثرب ووجد أهلها من اليهود صائمين.. وأُخْبِر بعد استفساره أنه يصادف يوم عبور موسى عليه السلام البحر ببني إسرائيل.. ما كان منه إلا أن نادى بصيامه عاكسا المشاركة في أسمى معانيها بل زاد على ذاك الصوم يوما أو أكثر تأصيلا منه للكرم والسعي للثواب.. وكيف لا وعيد الأضحى بدوره المفتدى فيه كان النبي إسحاق جد بني إسرائيل وليس إسماعيل جد العرب.. بحكم أن من تربّى في حضن الخليل كان إسحاق بن سارة.. وليس إسماعيل بن هاجر على الجميع السلام..
حقا.. لا أعلم.. أعلنها بكل موضوعية كيف أواصل دفاعي عن جسور تسامح وانفتاح وتطور أرساها السلف وها نحن نقتلع طوبها لبنة بعد أخرى.. فلو كنتم مكاني بماذا تفسرون للغربيين فتوى رِدّة المحتفل بعيد الحب.. أقول جيدا الحب وليس الكراهية والبغض؟.. وماذا عن تحريم بعض أئمتنا هنا مبادلة الكافر السلام.. وماذا عن إسقاطه الكفر على المجتمع الحاضن لنا وله رغم كون الأغلبية تدين بدين سماوي؟.. وكيف تعللون صحوة الضمير الأخيرة بشأن الدعاء على غير المسلمين غداة كل صلاة؟ وإليكم الرابط:
http://www.alarabiya.net/articles/2011/01/08/132678.html
وكيف تشرحون لهم لو أتوكم مستنكرين حكم تطليق أبوين ضد إرادتهما وإرادة عائلتيهما لعدم تكافؤ النسب تأييدا لدعوى أقامها قريب للزوجة بالمدينة المنورة؟ وأقول جيدا المدينة المنورة وليس قندهار.. وها هو الرابط:
http://www.alarabiya.net/articles/2010/12/22/130574.html
أو جلد زوج 30 جلدة لدفاعه عن زوجته المنقبة بسوق نسائي أثناء تعنيف رجل شرطة دينية لها لعدم تغطية عينيها لأنهما فاتنتان؟ والرابط شاهد:
http://www.alarabiya.net/articles/2011/01/04/132202.html
وبماذا تبررون فتوى تحريم جلوس النساء على الكراسي لأنه مفسدة للأخلاق ومدعاة للزنا؟ انظروا الرابط:
http://www.elaph.com/Web/NewsPapers/2010/7/582343.html?entry=articleRelatedArticle
وبماذا تجيبونهم على فتوى تحريم كرة القدم بالرابط التالي:
http://www.elaph.com/ElaphWeb/Sports/2005/8/87047.htm
ناهيكم عن تحريم تعلم اللغات الحيّة لأنها تقود إلى التشبّه بالكفار.. مع العلم أن مبدع الفتوى يستعمل هاتفا من صنع أولئك الكفار.. وسيارة من ابتكارهم.. ويطل بدشداشة نسجت بمصانعهم.. ليُفتي بلا بشاشة من شاشة على أقمارهم.. ويوقع على عقود بدولارهم.. بقلم مذهب أو مفضض يحمل اسما من أسمائهم.. ويحقن نفسه بأنسولين ويبلع أدوية من مختبراتهم.. لكن قبل هذا وذاك.. كيف تقنعون معي الطلاب والزملاء والبواب والجيران والحلاق ونادل المقهى والأطباء والصيدلي وساعي البريد وأزواج صديقاتي.. أنني لن أرضعهم 5 رضعات مشبعة.. ليس لأنهم غير مسلمين لكن لعدماستساغتي لفتوى إرضاع الكبير ؟..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ السَّفيفَة: جدائل يدوية الصنع من حرير أو خيوط الذهب أو الفضة مختلفة الأشكال تُزين بها الملابس التقليدية المغربية\ العْقادْ: أزرار يدوية الصنع من نفس المواد المذكورة.
2ـ جيليز: جبل صغير بمدينة مراكش ويعتبر نواة المدينة العصرية حاليا.. به استقرّ الشيخ أبو العباس السبتي عند قدومه من الأندلس في القرن 12 ميلادي طيلة الصراع المرابطي\ الموحدي للسيطرة على المدينة.
3ـ الشرابلية: سوق البُلغ الجلدية الرجالية والنسائية المخملية المطرزة بالحرير أو خيوط الذهب\الفضة والمعروفة بـ”الشربيل”.. والجدير بالذكر أن بمدن المغرب العتيقة كان يخصص سوق لكل منتوج على حدة.
4ـ تامقشرت: خُفّ أمازيغي من الجلد يحيط كُلّيا بالقدم ويتميز بتطريزاته الحريرية زاهية الألوان.
5ـ التكموتيين: سوق الحلي الفضية والذهبية ويتخذ اسمه من قبيلة “تكموت” الصحرواية المشهورة بتعاطي أفرادها للصياغة.
6ـ السمارين: السوق الأول للقماش لغاية الآن.. لكن فيما مضى كان سوق المشغولات اليدوية من نبات “السمار”.. ومنه استقى الاسم.
7ـ العطارين: سوق العطور والبخور.. لكن يشهد حاليا زحفا متواصلا للأواني النحاسية والفضية..
8ـ العود القماري: العود\ الصندل..
9ـ القريشلات: حلويات صغيرة جدا على شكل مكعبات بالسمسم واليانسون.. تخلط بعد نضجها مع الفواكه المجففة مشكلة بذلك حلوى عاشوراء.