انت هنا : الرئيسية » الواجهة » حنة أرندت “تفا هة الشر”

حنة أرندت “تفا هة الشر”

   بوطاهر لطيفة

 

عنوان فيلم للمخرجة الألمانية مارغريت فون تروتا   يعرض منذ  الرابع و العشرين من شهر أ بريل  في قاعات السنيما الباريسة.الفيلم مقتبس من كتاب”أيخمان في القدس” للفيلسوفة الألمانية اليهودية الأصل  حنة أرندت و يتناول تغطية هذة المفكرة لمحاكمة الضابط النازي أدولف أيخمان منفذ الخطة الهتليرية المعرو فة ب”ا لحل النهائي” لإبا دة اليهود.

 

ا ستجابة لطلبها ورغبة منها في معاينة مجرم نازي’كلفتها المجلة  الأمريكية نيويوركربالسفر إلى القدس من أجل كتابة مقا لات تقريرية حول هذه المحاكمة التي بدأت في 11 أبريل 1961 و انتهت بإعدامه في 31ماي1962  .حولت أرندت هذه المقالات إلى كتابها المذكور..

و إذا كان كتابها “أصول الحكم الشمولي”يعتبر من أهم مرجعيات الفلسفة السياسية في القرن العشرين و يضعها في لائحة أهم مفكريه’ فإن” أيخمان في القدس”قد   أثار منذ صدوره ضجة صاخبة في كل الأوساط و حتى ا لأكاديمية منها’ وعرضها لزوبعة  من الانتقادات بلغت حد اتهامها بإدانتها  لبعض اليهود و كراهية شعبها.

لماذا هوجم هذا الكتاب ومن خلاله مؤلفته با لحدة المعروفة؟

أرادت الدعاية الصهيونية أن تكون محاكمة أيخمان تاريخية بكل المقاييس’ وحدد لها بن غوريون أهدافا واضحة.

تقديم أيخمان كمجرم استثنائي ’

تحسيس ا لأمة الألمانية بمسؤولية جماعية عن الهولوكست’

-تحسيس غير اليهود بنوع من المسؤولية في هذه المأساة’

-تمتين الروابط بين الشتات اليهودي ودولة إسرائيل  وتعبئته من أجل الدفاع على مصالحها’

– التأكيد على أن إسرائيل وحدها قادرة  على حماية اليهود في كل العالم’

قدم المدعي العام أيخمان  كمجرم حرب استثنا ئي ووجه له تهما رئيسية ضد الإنسانية وضد اليهود   و الإنتماء لمنظمة إرهابية محظورة مستهدفا بذلك محاكمة اللاسامية و النازية.

رأت أرندت منذ إعلان الموساد القبض على أيخمان في الأرجنتين ’  أن هذه المحاكمة  يجب أن تستهدف كغرض أساسي تحقيق العدالة و لا شيء سواها.

وعكس ما روجت له الدعاية الصهيونية حول استثنائية المتهم’سعت أرندت لفهم سلوك أيخمان بهدف الوصول إلى استنباط شخصية هذا المجرم. وجدته مخلوقا عاديا,تافها بل و مهرجا. لا يظهر صفات مميزة لا نفسيا و لا اجتماعيا’ليس مجنونا و لا متعصبا وليست له مبررات شخصية لكره اليهود.

لا يمث بصلة لهذه الشخصية الشكسبيرية المكبيثة’ ورغم  كل المحاولات’ فلن يعثر له على عمق شيطاني.

أيخمان منفذ آلي للأوامر والتي تكتسي عنده قوة القانون  عندما تصدر عن هتلر. إنه و أمثاله ضحية أنظمة شمولية قادرة على أن تجرد الإنسان من إ نسانيته.اقتحمت أرندت بدراستها لهذه الشخصية عالم الفلسفة ونسجت أطروحتها حول غياب الفكر وتفاهة الشر.

غياب الفكر هو الذي حوله برأيها إلى أحد كبار مجرمي الحرب’غياب فكر تراجيدي لكن ليس مرادفا للغباءرغم بلوغه عنده درجة جعلته يفقد القدرة على التمييز بين الخير و الشر وهذه القدرة موجودةعند

كل إنسان يسعى لمما رستها.

غياب التفكير و تفاهة الشر فكرة فلسفية   نتجت عن تأمل عميق في تناقض بين بساطة شخص و فظاعة أفعاله .و عوض أن تصبح موضوع منا ظرة فلسفية و سجال فكري’شكلت انطلاقة حملة عدائية ضد أرندت و انفض من حولها  حتى أقرب أصدقائها و على رأسهم كورت بلومنفيد أحد قادة الاتحاد الصهيوني الألماني .

 و قراءة للكتاب تكشف خلفيات  عميقة للهجوم على صاحبته.و ضعت تحت الأ ضواء ما كان يراد وأده.ألم يقل أحد الناجين من معسكرات الإبادة إن منظمة الجودنرت قد اعتمد ت سياسة التعاون مع النازيين وأكده أ يخمان باعترافه أن حجر الزاوية في السياسة اليهودية لهتلر قامت على التعاون مع اليهود أنفسهم؟.

تخضع أرندت ما  سمعته لتحليل مفاده حقيقة أن اليهود لم يكونوا منظمين’ لم تكن لهم أرض و لا جيش ولا حكومة ولا حكومة منفى تمثلهم لدى الحلفاء’ و لا شباب مدرب عسكريا.والمنظمة اليهودية من أجل فلسطين بزعامة وايزمان كانت مجرد بديل بئيس.

لكن الحقيقة أيضا’أن انعدام التنظيم رغم ما يخلفه من بؤس وبلبلة لم يكن ليسبب إبادة ما بين أربعة وستة ملايين  يهودي.فلولا تواطؤ و تعاون بعض المنظمات اليهودية مع النازيين بشكل من الأشكال و لسبب من الأسباب لما  أبيد هذا العدد المهول من اليهود.

   و بهذا الطرح الذي يحمل بعض اليهود مسؤولية في الهولوكست  و الذي يضاف لفتور حماسها للصهيونية عقب طرحها  لفكرة الدولة الوطنية اليهودية على كل فلسطين’ تكون أرندت قد تجاوزت كل الخطوط الحمراء لتصبح عرضة للكراهية و لكل أشكال ا لانتقاد طيلة حياتها و حتى بعد وفاتها.

بوطاهر لطيفة

عن الكاتب

عدد المقالات : 1687

اكتب تعليق

الصعود لأعلى