انت هنا : الرئيسية » الواجهة » لطفية الدليمي: لا تتجلى الموسيقى كخلفية أو مؤثر بل كبناء سردي

لطفية الدليمي: لا تتجلى الموسيقى كخلفية أو مؤثر بل كبناء سردي

عناية جابر

لطفية الدليمي كاتبة عراقية غزيرة الإنتاج، لافتة في تعدد وتنوّع اهتماماتها الأدبية. لها مؤخراً إصدارات عدة تراوحت بين قصص وترجمات تستدعي كل منها الوقوف عندها وتأمل هذه الكاتبة الملهمة. عن إصداراتها مجتمعة كان هذا الحوار:

* كتابك “موسيقى صوفية” الحائز جائزة أفضل كتاب قصصي – صدر حديثاً بطبعة ثانية عن دار المدى – يضم ثلاث روايات قصيرة وثلاث قصص. ما مدى حضور الموسيقى في الكتاب وكيف تشتغل؟
– تشتغل الموسيقى في الكتاب كمهيمن فاعل في غالبية نصوص الكتاب، ليس كخلفية أو مؤثر جانبي، بل كبناء سردي موسيقي، وتأثير التقاطع بين دلالي. وتحضر الموسيقى باعتبارها بنية أساسية في المتن، وتمثل بؤرة تعبيرية للخطوط السردية، تقوم قصة (رابسوديات العصر السعيد) على بناء يتماثل مع بناء موسيقى (الرابسودي) المتغير القريب من الارتجال الموسيقي، والذي يجمع بين المزاج العنيف الصاخب والهدوء العذب، ثم الإيقاع السريع والهمود المباغت. يبدأ السرد بالمفتتح، ثم تتوالى الحركات الموسيقية حتى الخاتمة.
الكتابة الإيروتيكية
* كيف عملت الموسيقى على ثقافتين كما يبين الكتاب؟
– تشتغل رواية (موسيقى صوفية) على ثيمة التقاطع بين ثقافتين ورؤيتين متغايرتين للعالم، بين باحثة وشاعرة عربية تعيش بين سوريا ولبنان وتعد بحثاً عن (موسيقى التصوف في القرون الوسطى) ورجل من سلالة تركية – بيزنطية يعتبر نفسه الوريث الشرعي لعرش ملوك بيزنطة، رجل مأخوذ بعظمة السلالة التي حكمت بيزنطة قبل ان يحرقها الخليفة العثماني (محمد الفاتح) وتتحول الى اسطنبول، وهو معجب بطروحات الفلاسفة الألمان التي تحدد مسارات فكره وسلوكه وخيارات حياته. يجرف الشاعرة الباحثة والرجل حب صاعق، وهما لدى ضريح جلال الدين الرومي في مدينة قونية، وتبدأ الصراعات بين نمطين مختلفين من الثقافة، ورؤيتين متناقضتين للعالم والحب والسلطة والإبداع، عبر بناء موسيقي يتخذ من الموسيقى الصوفية فضاء له وعاملاً مؤثراً في تنامي الحدث.
ماذا عن الرواية الأخرى؟
الرواية القصيرة الأخرى (سليل المياه) ثمة رجل غريب اسمه ايوب النهري شبه مخنث يرتدي ثياب النساء، فهو محط اشتهاء الرجال ورفضهم وموضع عطف النساء، ينبذه مجتمع القرية ويعذبه سر التباس جنسه، يعمل سقاء، ينقل المياه الى بيوت نسائها المترفات، ويطلع على أسرار النساء وشهواتهن، ويكشف عن ارتباط رجل الدين المشعوذ برجال السلطة وإغواء النساء العواقر الطامحات إلى الإنجاب.

* ماذا عن الطبعة الثانية من ترجمتك لـ”يوميات أناييس نن” التي تبحث في انشغالات الكاتبة في موضوع جندرية النص؟

– الطبعة الثانية من هذه الترجمة صدرت عن دار المدى بإضافة مقدمة ثانية ودراسة طويلة عن (الجندر والايروسية عند أناييس نن) تتقصى الدراسة انشغالات أناييس نن في موضوع جندرية النص وإحالاته إلى الأنثى والذكر بخاصة في الكتابة الإيروتيكية التي تتباين فيها وجهة النظر الذكورية عن مثيلتها الأنثوية، وهي تتصدى للعلاقات الجنسية، حاولت أناييس، اعتماداً على نظرية انطواء النفس البشرية على جزء مؤنث وآخر مذكر، أن تبحث في هذا الجانب وتجمع في كتاباتها الايروتيكية بين منظور الرجل والمرأة، لكنها لم توفق في مسعاها دائماً، إذ بقي منظورها أنثوياً رغم بروز الشبق الذكوري في بعض المقاطع، فليس للشبقية الأنثوية مرجعيات أدبية واسعة، بينما نجد عدداً هائلاً من النصوص الإيروتيكية الرجالية، وخير مثال لديها هو هنري ميلر ود.هـ. لورنس الذي يخالف ميلر في نظرته للإيروتيكا، ولم تكن أناييس تميل الى أعمال المركيز دوساد التي توصف بالهمجية والتوحش الفظ واحتقار المرأة والآخر واستخدامهما كوسائل للمتعة المتطرفة، بل إن كتابات دوساد تعدّ كتابة أدبية سيئة تعوزها الحرفية الفنية على حد توصيف ألبير كامو في كتابه (الانسان المتمرد)، من جهة أخرى تأثرت اناييس بمارسيل بروست الى حد ما ثم اكتشفت اسلوبها الخاص، وعاشت في حلم متواصل من المتع والكتابات والرحلات والصداقات، وكانت تجهد نفسها في العمل لتنفق على صديق او أصدقاء تتوسم فيهم قدرة على التفرد الإبداعي والفني على النقيض من النساء الأخريات اللائي ينتظرن أن ينفق عليهن الرجال.
تداعيات كارثية
* أين يكمن سحر أناييس نن برأيك كقارئة ومترجمة؟
– يتركز سحر حياة أناييس في مفردة أساسية بسيطة هي (الحركة) التي تنطوي على الإمكانات الديناميكية الخلاقة، وترى في (الحركة) أسلوباً إبداعياً لتغيير عالمنا، من عالم رث متهالك الى عالم جديد مثير، عبر العملية الإبداعية، والسفر والعمل والعلاقات الانسانية وتذوق الفن والاندماج في تيار الزمن، بوعي الواقع، او باجتياز الحلم الى الواقع وعبور الواقع الى الحلم. وترى أن على المبدع أن يكون معارضاً لا متناقضاً، فالإبداع يصبح مستحيلاً تحت سطوة التناقض، لا بد للإبداع من أن ينحاز، فهناك مدى بين النسبية والتناقضات الهدامة.
تبدي اناييس آراء صريحة وجريئة بالمدارس الفنية والشخصيات التي عاصرتها، بخاصة ما أفردته من فصول سخية في اليوميات للحديث عن كتابات هنري ميلر وعلاقتهما الحميمة، وتناقض نظرتهما إلى العالم وأنماط السلوك البشري والجوانب الايروسية لديهما – تقول عن الكتابة، فتكتب عن هنري ميلر (هنري عاشق القبح تستهويه الخشونة الرعاعية والعامية المفرطة والفاقة والفظاظة ويحب رائحة الملفوف والعاهرات) وتقول عن لورنس داريل (… كان طفلاً في اهاب رجل عجوز، قصيراً بملامح دقيقة كالهنود ليّناً كالشرقيين مثل إله الرعاة، سباحاً وملاحاً ماهراً)، وتفرد فصولاً كثيرة للحديث عن أنطونين ارتو وعلاقتهما الجامحة، وهو المجنون المارق (لقد كان مجنوناً وهذا ما عشقته فيه: جنونه… أعرف انه يريد العودة للحياة عن طريق حب امرأة او عبر التناسخ والتقمص لكن فقدان المنطق في حياته يجعل اي حب انساني امراً مستحيلاً.)
* ماذا عن الكتاب الثالث للكاتبة الهندية أنيتا ديساي؟
– كتابي الثالث الذي صدر منذ شهور قليلة عن دار المدى هو الطبعة الثانية من ترجمتي لرواية (ضوء نهار مشرق) للكاتبة الهندية (أنيتا ديساي) وتقدم لنا الرواية عبر 416 صفحة رؤية ثقافية لهند ما بعد الكولونيالية، وتسرد لنا حكاية ساحرة أخاذة عن عائلة بورجوازية تناضل ضد الانفصال والتشظي العائلي، وتناقش الاستقلال السياسي مقابل التحرر الشخصي. تدور أحداث الرواية في سنة 1947 لدى تصاعد العنف والاضطرابات الأهلية ذات الطابع الديني بين الهنود والمسلمين، والتي تبلغ ذروتها باغتيال المهاتما غاندي، وتقسيم الهند إلى دولتين جريحتين ما لبثتا تعانيان من عواقب التقسيم فترة طويلة.. تقدم لنا ديساي كل ذلك عبر متابعة حياة أسرة معرّضة للتمزق من الطبقة المتوسطة الهندية، تتقصى فيها تاريخ المؤسسة العائلية ضمن متغيّرات الوقائع السياسية والثقافية والاجتماعية في سرد آسر وأجواء مؤطرة بالتقاليد الهندية، وعملية اكتشاف الذات لكل من شخصيات الرواية وتعرض لنا صراع الثقافتين الاسلامية والهندوسية، وتداخلهما من جانب، وامتزاجهما مع الثقافة الغربية من جانب آخر، وهوس الجيل الجديد بالتنصل من ثقافتهم الأم، لشعورهم بعقم التقاليد المحلية الخانقة. وعندما تحقق الاستقلال تعقدت الموضوعة الثقافية واضطرب مشهد البلاد ولم تستقر الهند والعائلة الا بعد مضي عقود على تقسيم القارة الهندية.
وأخيراً صدرت الطبعة الثانية من روايتي (سيدات زحل)، عن دار فضاءات الأردنية، كما صدرت في العاصمة الاسبانية مدريد ثمانية كتب مصوّرة (كوميكس) بالاسبانية، عن دار نشر (نورما) مستلة من (سيدات زحل)، كسيناريوهات مصوّرة تقدم رؤية تعريفية للعراق حضارة ومجتمعاً وتقاليد، وما خلفه الغزو الأميركي للعراق من تداعيات كارثية وخراب بعنوان (CASA BABILI بيت البابلي) ستنزل الأسواق في 20 آذار، الذكرى العاشرة لغزو العراق.
أجرت الحوار: عناية جابر

عن الكاتب

عدد المقالات : 1687

اكتب تعليق

الصعود لأعلى