انت هنا : الرئيسية » الواجهة » مهرجان عما ن السنمائي

مهرجان عما ن السنمائي

مع انطلاق مهرجان عمّان السينمائي الدولي- أول فيلم، اليوم، سيتاح لمحبي السينما مشاهدة أفلام مختلفة عن تلك التي يتم عرضها في دور السينما المحلية والمنصات الرقمية، فهي تمثل بالبداية أول عمل لمخرجيها، وتروي قصصا من مختلف دول العالم…لكن بعض هذه الأفلام يعتبر بمثابة تحف سينمائية، وبعضها الاخر ركيك وممل وضعيف سينمائيا؟

فلسطين الصغرى: يوميات حصار”*

للمخرج عبد الله الخطيب. فيلم وثائقي طويل جمع مجمل أحداث مخيم اليرموك التي دارت فيه منذ انطلاق الثورة السورية العام 2011 حتى تهجير آخر ساكنيه منتصف 2018، وقد كان مخرج الفيلم أحد أبطال حصار مخيم اليرموك في سورية، وشهد على مأساة العيش هناك بسبب الحرب السورية التي كانت أشد وطأة على سكان المخيم:

*فيلم مسيس” بامتياز ولا يجيب على العديد من التساءلات ومنها سر عدم معاناة المخرج وطاقم الفيلم من تداعيات المجاعة المرعبة المتزايدة داخل المخيم، حيث يبدو وكأنه زائر خارجي “مرفه” يجري تحقيقا وليس كأبن منتمي للمخيم وسكانه البائسين، كما يبدو وكانه في واد ومعظم السكان في وادي آخر، يتسلى بسرد وتصوير قصص الجوع والمعاناة بلامبالاة غريبة لأجندة غامضة، حيث يحاول شيطنة النظام السوري كمسبب رئيسي للمعاناة والجوع والدمار والموت الذي لحق بالمخيم الشهير ، وحتى أنه يتهمه بالتعاون مع الدواعش لتدمير المخيم وطرد ساكنيه، كما أنه يقحم موضوع البراميل المتفجرة هكذا… ولاحظت أن معظم السكان بما فيهم الأطفال لم يتجاوبوا كما يريد مع اسئلته المريبة المسيسة…وتحدث معظمهم بالعموم عن معاناتهم بايجاد الطعام والعيش بكرامة انسانية، وبدا كشخص “مدسوس” عميل لا مبالي يحقق أجندة داعميه ومموليه لا غير! كما أن التوجه السياسي الأعمى المتحيز للمخرج “الساذج” الموجه منعه من ابداع لقطات فريدة لمعاناة وقهر البشر الجياع (كما أبدع المخرج المجري في فيلم ابن سول/2015 الذي نال عليه جاءزة كان) ، حيث كانت مكوناتها بحوزته طوال العرض المأساوي لعذابات الجوع والبؤس والمعاناة والحصار، لكنه غفل عنها تماما واندفع في سرده المسيس “الدعائي”(الممول لهدف)…حيث أضاع المغزى الوجودي الانساني البالغ الدلالة…وأكاد اجزم من سياق مشاهدتي وسماعي للحوار  وباقي اللقطات  انه ربما يشمت بلؤم وكيد ووضاعة بمعاناة شعب المخيم المقهور المسكين المستكين، بل ربما ويسخر من معاناتهم تحقيقا لمأربه في التشهير بالنظام، ورغبة منه بتحقيق المكاسب المادية، والتي تمثلت بتسهيل هجرته لألمانيا مع عائلته، بالاضافة للمكتسبات المالية والشهرة المجانية التي حققها من وراء فيلمه الوثائقي هذا، وهو لم يتماهى مع احوال قاطني المخيم المهولة، ولم يظهر معهم كما فعلت اللبنانية زينة دكاش بقيلمها

اللافت التفاعلي عن سجن “روميه” الشهير للنزلاء النفسيين، كما لاحظت أن الأطفال في الشريط بدوا بالرغم من معاناتهم سعداء: فبعضهم تحدث عن رغبته بتناول الشاورما وأخر تمنى السكر وثالث تمنى ان تعود الحياة لشقيقه المتوفى، كما أن فتاة صغيرة عاقلة كانت تقطف الحشائش للطبخ اجابته باتزان وكأنها اكتشفت غرضه الخبيث، ناهيك عن تصويره المكبر لأجزاء من أجسام المسنين المعدومين وملابسهم هم الرثة وصرر وطناجر  طعامهم “البائس” امعانا في التشهير الانساني بهم لا غير، وقد أعجبتني سيدة في بداية الشريط استفزها لمغادرة المخيم للنجاة بحياتها فرفضت بعزة وكرامة وانتماء، يفتقده هذا المخرج  بالتأكيد!

“أنت تشبهني”**

للمخرجة دينا عامر، تدور أحداث الفيلم خلال هجمات باريس العام 2015، حيث اعتقلت امرأة تدعى حسناء آيت بولحسن، وسميت أول انتحارية امرأة في أوروبا: لم يعجبني هذا الفيلم هذا الشريط اطلاقا لعدة اسباب منها تصويره للطفلتين المتمردتين على والدتهما وسؤ معاملة الام لهما ثم هروبهما هكذا من المنزل في باريس …ووجدت في هذه المشاهد كما كبيرا من المبالغة والاسهاب، كما أني لم اصدق مسيرة حياة الفتاة النمرودة واتصالها مع الارهابيين “الدواعش” بواسطة النت وخلط القصة بتفجيرات باريس الشهيرة…وقد وجدته فلما نمطيا مكررا لا جديد فيه! وهناك مشهد معبر للفتاة “حسناء” بعد معاناتها وتظهر فيه وهي تتوسل ضابط التجنيد الفرنسي البيروقراطي لكي يوافق على تجنيدها في الجيش الفرنسي “كمنجدة شجاعة مقدامة” لا تخاف، ونراه يرفض باصرار لعدم حيازتها على الدبلوم الجامعي، مما جعلها تيأس أخيرا وتنضم للدواعش اللذين جذبوها لهم  وتعاطفوا مع وضعها المشرد وضياعها وتقبلوا توبتها …وقد نسيت المخرجة الفهيمة: أن ازدواجية المعايير الفرنسية خصوصا هي التي جلبت الارهاب لفرنسا بعد ان جندوا الارهابيين وارسلوهم للشرق الوسط ولسوريا تحديدا…ولقد انقلب السحر على الساحر فيما بعد وهكذا كان!

وقد شاهدت كذلك الفيلم المغربي الروائي “بين الأمواج” للمخرج “الهادي اولاد مهند”: وقد وجدته فيلما طويلا وعبثيا، فالشخصية الرئيسة في الشريط “سايكو وسوسيوباث” ، وهو موظف منفر اجتماعيا وغريب الأطوار، ويعاني تدريجيا من “الديمنشيا” وفقدان الذاكرة وصولا للاعاقة الكاملة، ولا أعرف سر اظهار مشاهد الجنس بينه وبين زوجته  الصبورة المخلصة، وخاصة في حالة اعاقته، سوى أنها محاولة تقليد “غير مقبولة” لأفلام فرنسية، ولم أعرف حقا حقيقة الهدف من هذا الشريط الطويل، سوى تقديم نسخة اخرى من الميلودراما الكئيبة ربما، وبدت ادوار البناء مهمشة بلا معنى!

سعاد”***

للمخرجة أيتن أمين. تدور قصة فيلم سعاد عن شقيقتين مراهقتين؛ الأولى سعاد تبلغ من العمر 19 عامًا، والثانية رباب تبلغ من العمر 13 عاما:

ويتناول الفيلم علاقة الشقيقتين ببعضهما بعضا وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت على حياة المراهقات.
وتعيش الشقيقتان مع والدهما في الدلتا بمصر، حيث تعيش سعاد حياة مزودة بين العالم الحقيقي وعالم الإنترنت، فتظل محافظة على شكل حجابها بين أسرتها والمجتمع، ولكن في الوقت نفسه تعد سعاد من مهووسي السوشيال ميديا بنشر صورها وإقامة علاقات سرية.

كما تظل سعاد في هذه الحياة المزدوجة، حيث كانت تكذب سعاد باستمرار في منشورتها على السوشيال ميديا بشأن حياتها الشخصية وكانت تبوح بالحياة التي تتمنى العيش فيها على أنها تعيشها، ولكن سرعان ما يسيطر الواقع الحقيقي عل حياة سعاد ويحبطها: فيلم طويل فاشل بامتياز ولا أعرف كيفية  اختياره لمثل هذا المهرجان العالمي الفريد: وفيه كمية كبيرة من التفاصيل والحوارات السخيفة التي لا تجلب الانتباه والفضول ولا تطرح جديدا…كما أنها تطيل مدة العرض، ويكفي التنويه لمشاهد لقاء اخت سعاد المراهقة مع الشاب وما تضمنته من تطويل وتكرار وسخافة لتوضيح ما اقصد اليه!

وتحت عنوان “موعد مع السينما الفرنسية – العربية”، يعرض المهرجان 4 أفلام من إنتاج فرنسي – عربي مشترك، وهي: “الإبحار من الجبال” للبرازيلي ذو الأصول الجزائرية كريم عينوز، و”أم طيبة” للتونسية حفصية حرزي، و”أنت تشبهني” للمصرية دينا عامر/الذي سبق وتحدثت عنه/، و”النهر” للبناني غسان سلهب:

****فيلم “الابحار من الجبال” للبرازيلي/ الجزائري “كريم عينوز”

مدهش وخلاب بطريقة السرد والتصوير الجذابة الفريدة ويستحق التنويه وجائزة خاصة، وهو يتعلق بعودة الشاب الصحفي للجزائر لمعاينة مسقط رأس والديه وأجداده في قرية نائية جميلة في أقاصي الجبال، حيث نلاحظ تفاعلات السكان والمعارف القدماء معه وطيبتتهم المدهشة ضمن مشاهد حياتية مفصلة وصور جميلة فريدة للريف الجزائري الجبلي، وقد أبهرنا بطريقة السرد الروائية الرومانسية والنستولوجيا “العرقية” وبطريقة اظهار المشاهد وخلط الألوان والصوت الشاعري وكانه “ماركيز” (وقد تقمص دور الصحفي الشاب هنا) يسرد لنا جذور حياة أجداده بحنين جارف وربما حزين نوعا ما وأرشيفي لا ينسى/حيث تذكر وأدخل مشاهد معبرة من ثورة الجزائر ومقاومة السكان الوطنيين البسطاء للمستعمر الفرنسي الغاصب/!

*وقد لاحظت ان المخرج الفذ هنا قد طبق تماما مفهوم جودار حول دمج الصورة بالسرد:

*يرى غودار إلى أن صناعة الكلام مع الصورة تحتاج إلى إرجاع معنى اللغة. الرجوع إلى الاتصال بين البشر. حيث يقول: “اليوم سيكون كل منا في حلم الآخر”.

*****وتتنافس في مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة العربية 6 أفلام: “فياسكو” لنيكولا خوري من لبنان، و”فلسطين الصغرى” لعبد الله الخطيب من لبنان، و”معايش” لإيناس مرزوق من تونس، و”تمساح النيل” لنبيل الشاذلي من مصر، و”خذني إلى السينما” للباقر جعفر من العراق، ثم “السجناء الزرق” لزينة دكاش من لبنان. وستُعرض هذه الأفلام على لجنة تحكيم تتألف من منتجة الأفلام إيرين شالان، والمونتير فيل جندلي، والمخرج أصيل منصور: فيلم زينة دكاش يتحدث باسهاب عن سجن “روميه” اللبناني للمرضى النفسسين السجناء فيلم فريد شيق بطريقة تصويره واعداده، حيث نراها تندمج “كمعالجة نفسية” (وليس كمجرد ساردة ومخرجة وثائقية) مع قصص وحكايات السجناء وتداعيات سجنهم ومشاكل حياتهم وادمانهم للمخدرات ، وبدت مندمجة ومتفاعلة معهم بطريقة فريدة ذات أثر علاجي مؤكد، وقد أبهرت الجمهور باصطحابها لسجين “فلسطيني” عتيق محرر قضى عقودا في السجن، وسوف استغرب تماما اذا لم تحظى المخرجة بجائزة خاصة عن فيلمها اللافت هذا؟ وقد طرحت بفيلمها المميز هذا مفهوما “جديدا نسبيا” للسجين “المريض النفسي”، الذي بدا لنا شخصا عاديا يعاني من تداعيات بؤس حياته ونشأته القاسية وعدم تعاطف المجتمع معه، وكذلك من ادمانه للمخدرات ورفقة السوء…الخ، ويلاحظ عكس الفيلم القلسطيني عن مخيم اليرموك، أنها اندمجت تماما مع حكايا ومشاكل السجناء وكأنها شخص منهم/عكس المخرج الفلسطيني الذي عزل نفسه عنهم بحيادية بغيضة مشيطنا النظام بقصد/!

 “الأم الطيبة”******

للمخرجة حفصية حرزي. تدور الأحداث حول نورا في الخمسينات من العمر التي تعمل كمدبرة منزل، تعيش مع عائلتها في عقار سكني في الجزء الشمالي من مرسيليا. تواجه مشاكل بعد تورط حفيدها اليس في حادثة سرقة محطة وقود، ويسجن لأشهر عدة…

وفي فترة انتظار المحاكمة تساعده على تخطي هذه الفترة وتمده بالأمل والقوة بعد فترة طويلة لا تخلو من مشاعر القلق والخوف والمصاعب الجمة: لكنه بالحق والاجمال فيلم سخيف مشتت بامتياز، ويحتوي على كم كبير من حوارات البذاءة والسب والحركات الجنسية المجانية المستفزة ومشاهد مجانية لعروض الدعارة وبيع المخدرات في شوارع المدينة الساحلية الشهيرة . مع المشاحنات والتوترات العرضية العصبية التي لا تضيف قيمة للسيناريو ولا لمحور القصة الأساسي، كما أنه ممل وطويل واستفزازي أكثر من اللازم، ولا أعرف حقا مغزى اختياره للعرض في هذا المهرجان السينمائي الفريد…وبهدف ربما تقديم مشاهد واقعية لما يحدث في مرسيليا/المعروفة بطابعها القاسي والشوارعي/ من عراكات بذيئة حافلة بألفاظ جنسية قبيحة، فقد تركت المخرجة الوقورة الممثلين يتمادون في تصعيدهم ونزواتهم التشاجرية البذيئة لمستوى مقزز لا يقبله الذوق العام.. وهكذا قدمت هذه المشاهد على أمل ان تلقى القبول من الجمهور السينمائي!

عن الكاتب

عدد المقالات : 1687

اكتب تعليق

الصعود لأعلى