انت هنا : الرئيسية » الواجهة » “تتغير السياسة والجغرافيا السياسة في كل لحظة”

“تتغير السياسة والجغرافيا السياسة في كل لحظة”

 Alastair Crooke: 

المصدر: مؤسسة الثقافة الاستراتيجية

Geopolitics is metamorphising evry moment:

بقلم:Alastair Crooke: 26/03/2022

 الترجمة إلى الفرنسية:الشبكة الدولية

La géopolitique se metamorphose à chaque instant

الترجمة إلى العربية:

“تتغير السياسة والجغرافيا السياسة في كل لحظة”

   في الكثير من المناسبات، يمكن لحكاية واحدة أن تلخص بالكامل تقريبًا لحظة تاريخية.

حدث ذلك في واشنطن سنة 2005 أثناء لقاء جمع بين زبيغ بريجنسكي مهندس المستنقع الأفغاني للاتحاد السوفيتي،

ومؤلف “رقعة الشطرنج الكبرى” ،الذي أدخل نظرية ما كندر :”كل من يحكم قلب آسيا يحكم العالم”في السياسة الخارجية الأمريكية وألكسندر دوجين ، الفيلسوف السياسي الروسي  المنادي بإحياء ثقافي وجيوسياسي لـنظرية” قلب الأرض “(الهارتلاند).

 كان بريجنسكي قد كتب في مؤلفه أن روسيا  لن تكون أبدًا قوة قلب الأرض بدون أوكرانيا، ولكن مع أوكرانيا يمكنها ذلك وستفعل من أجله. توسطت اللقاء صورة لرقعة شطرنج( من أجل الترويج لكتاب بريجنسكي). دفع هذا التصميم دوجين أن يسأل زبيغ إذا كان يعتبر الشطرنج لعبة لشخصين: “لا،أجابه: إنها لعبة فردية. بمجرد تحريك قطع الشطرنج ، يقوم اللاعب بقلب اللوحة وتحريكها  من الجانب الآخر، مؤكدا أنه  “لا وجود لآخر ” في هذه اللعبة.”

بالطبع ، كانت  الفردية ضمنية في نظرية ما كندرو كانت رسالة للقوى الأنجلوساكسونية  بعدم السماح بتوحيد الهترتلاند أبدًا.(وهذا بالضبط ما يتطور في كل لحظة).

 وفي يوم الإثنين(25مارس2022)أمام (لوبي الأعمال المحافظ )-  The Business Roundtable استحضر بايدن وبقوة بريجنسكي في نهاية كلمته القصيرة التي تحدث  فيها عن الغزو الروسي لأوكرانيا والمستقبل الاقتصادي للولايات المتحدة:

أعتقد أن هذا يمنحنا فرصًا  مهمة لإحداث تغيير حقيقي. كما تعلمون ، نحن في منعطف ليس في الاقتصاد العالمي فحسب بل في العالم .ويحدث هذا كل ثلاثة أو أربعة أجيال .أخبرني أحد كبار العسكريين في اجتماع خاص،أن 60 مليون شخص لاقوا حتفهم  بين 1900 و 1946 ، ومنذ ذلك الحين أنشأنا نظامًا عالميًا ليبراليًا .

مات الكثيرون ، لكن لم تحدث فوضى. والآن حان وقت التغيير ا. سيؤسس  نظام عالمي جديد ؛ وعلينا أن نقوده ونوجه بقية العالم الحر للقيام بذلك “.

مرة أخرى ، لا يوجد “آخر” في المقابل. عند القيام بالحركات ، يتم تدوير رقعة الشطرنج 180 لللعب من الجانب الآخر.

النقطة هنا هي أن الهجوم المضاد المدروس بعناية على روح بريجنسكي قد تم إطلاقه رسميًا في بكين ببيان مشترك، مفاده أن روسيا و الصين لا تقبلان أن تلعب الولايات المتحدة الشطرنج بمفردها دون آخرين، مما يحدد مستقبل انفتاح الجغرافيا السياسية. و هي قضية يستعد “الآخرون” لخوض الحرب بشأنها (ليس لديهم خيار آخر.)

تقدم لاعب شطرنج ثانٍ وأصر على اللعب – روسيا. والثالث جاهز: الصين. يصطف الآخرون بصمت ليشهدوا تجربة أول  انخراط  في هذه الحرب الجيوسياسية “.

 يبدو من تعليقات بايدن المذكورة أعلاه ، أن الولايات المتحدة تعتزم استخدام العقوبات ،وكل إمكانيات الخزانة  الأمريكية الهائلة وغير المسبوقة  ضد المنشقين عن مشروع بريجنسكي.  يراد لروسيا أن تكون عبرة لما ينتظر أي منافس يتطلع لمقعد في مجلس الإدارة.

لكن هذه المقاربة مغلوطة في الأساس. وهي تستند على مقولة كيسنجر الشهيرة :”من يتحكم في المال يحكم العالم”. الفكرة خاطئة من الأساس: الواقع  أن كل من يتحكم في الغذاء والطاقة (الإنسان والحفريات) والمال، يمكنه التحكم في العالم”. لكن كيسنجر تجاهل ببساطة الشرطين الأولين – وطبع الأخير دوائر القرار في واشنطن.

 عندما كتب بريجنسكي مؤلفه، كان الوقت مختلفًا تمامًا. اليوم، بينما بلغ التحالف  الأوروبي –الأمريكي ذروته ،فإن الغرب  وللمفارقة،يبدو أكثر عزلة من أي وقت مضى .

 بدت معارضة روسيا في البداية عاملا لوحدة عالميًة: سيعارض الرأي العالمي بشدة هجوم موسكو لدرجة تخيف الصين من دفع ثمنً سياسيً باهظً إذا لم تركب قاطرة المناهضة لروسيا. لكن ما هكذا مرت الأمور.

 يقول السفير الهندي السابق بهادراكومار

بينما يعلق الخطاب البلاغي الأمريكي روسيا على عمود التشهير بسبب “جرائم الحرب “والأزمة الإنسانية في أوكرانيا، ترى عواصم العالم  أن ما يحدث هو مواجهة بين الولايات المتحدة وروسيا. باستثناء المعسكر الغربي ، يرفض المجتمع الدولي فرض عقوبات على روسيا أو شيطنتها”.

رفض بيان إسلام أباد ، الذي صدر في ختام الاجتماع الخامس والأربعين لوزراء خارجية دول منظمة المؤتمر الإسلامي التي تضم 57 دولة ، المصادقة على عقوبات ضد روسيا. لم تفرض أي دولة في القارة الأفريقية أو في منطقة غرب آسيا وآسيا الوسطى وجنوب وجنوب شرق آسيا عقوبات ضد روسيا .

قد يدخل عامل آخر في اللعبة: في الواقع ، عندما تسمع هذه البلدان الأخيرة عبارات مثل، ” استحق الأوكرانيون ، بفضل بطولتهم ، حق  دخول” نادي قيمنا ” ، سيفهمون أن” أوربا البيضاء : منهكة  وتتشبث بزوارق النجاة.

 الحقيقة أن العقوبات التي أشار إليها بادين في خطابه قد فشلت. روسيا لم تتخلف عن السداد. بورصة موسكو مفتوحة؛ الروبل  في حالة انتعاش ،حسابها الجاري في حالة جيدة، وروسيا تبيع الطاقة بأسعار استثنائية (حتى بعد الخصم).

 باختصار ، سيتم “تحويل” التجارة وليس تدميرها  وهذه ميزة أن تكون مُصدِّرًا للسلع المنتجة محليًا بالكامل تقريبًا ( أي   اقتصاد قلعة).

الغرابة الثانية في سياسة بايدن هي:

إذا كانت عقيدة كلاوزفيتس (التي تلتزم بها روسيا إلى حد كبير) تدعو إلى تفكيك “مركز ثقل العدو لتحقيق النصر” :

مما يفترض السيطرة الغربية على العملة الاحتياطية العالمية وأنظمة الدفع، فإن أوروبا والولايات المتحدة هما اللتان تقومان  اليوم بتفكيكها وتحصران أنفسهما في تضخم جامح ويقلصان النشاط الاقتصادي ، في نوبة  من المازوشية الأخلاقية يستحيل  تفسيرها.

يقول أمبروز إيفانز-بريتشارد في التلغراف،: “الواضح أن سياسة العقوبات الغربية  تخلق أسوأ العوالم. نحن نعاني من أزمة طاقة تقوي مداخيل روسيا من الحرب ..والخوف من انتفاضة السترات الصفراء حاضر بقوة في أوروبا ، وكذلك الريبة من رأي عام متقلب لن يتسامح مع صدمة تكلفة المعيشة عندما تتقادم صور أهوال حرب أوكرانيا على شاشات التلفزيون “

مرة أخرى ،قد نستطيع أن نعزو هذا السلوك المتناقض إلى هوس كيسنجر بسلطة المال و نسيانه لعوامل أخرى مهمة.

أدى كل هذا إلى نوع من التوتر الذي تسلل إلى أروقة السلطة في بعض عواصم الحلف الأطلسي بشأن  المنعطف الذي يتخذه الصراع الأوكراني: لن يتدخل الناتو ولن يفرض حظرًا للطيران ،تجاهل طلب زيلينسكي الجديد  للحصول على معدات عسكرية إضافية. يعكس هذا الموقف ظاهريا إرادة الغرب  في تجنب حرب نووية.

 في الواقع ، يمكن أن يؤدي تطوير أسلحة جديدة إلى تغيير جيوسياسي في مجرد لحظة .(نورد على سبيل المثال ، مدمرة Kinjal الروسية التي تفوق سرعتها سرعة الصوت). الحقيقة أن الناتو ، وبشكل عام ، لا يمكنه أن يهزم روسيا عسكريًا في أوكرانيا.

يبدو أن البنتاغون قد انتصر – في الوقت الحالي – في الحرب ضد وزارة الخارجية وبدأ عملية “تصحيح الرواية”.

قارنوا هاتين الروايتين:

قالت وزارة الخارجية يوم الإثنين-25مارس- إن الولايات المتحدة تثني زيلينسكي عن تقديم تنازلات لروسيا مقابل وقف إطلاق النار. أوضح المتحدث ” أنه منفتح على حل دبلوماسي لا يضر بالمبادئ الأساسية في حرب الكرملين ضد أوكرانيا”. وعندما سئل برايس عن مزيد من التفاصيل ، أجاب أن الحرب “أهم” من روسيا وأوكرانيا. “النقطة الأساسية هي أن مبادئ  ذات تطبيق عالمي توجد على المحك هنا”.” وصرح أن بوتين حاول انتهاك “مبادئ أساسية”.

 لكن البنتاغون “ألقى قنبلتي حقيقة” في معركته مع الدولة والكونغرس لمنع المواجهة مع روسيا.ذكرت نقلا عنه، مجلة نيوزويك في مقال بعنوان”يمكن لقاذفات بوتين أن تدمر أوكرانيا لولا ضبط النفس”:

 “قيادة روسيا لهذه الحرب   تجري عكس ما يروج له بأن بوتين  ينوي تدمير أوكرانيا وإلحاق أكبر قدر من الضرر بالمدنيين – و تكشف لعبة التوازن الاستراتيجي للزعيم الروسي.

ونقلت أيضا عن محلل  مجهول من وكالة الاستخبارات الدفاعية التابعة للبنتاغون قوله: “قلب كييف لم يمس تقريبا. وقد استهدفت جميع الضربات البعيدة المدى أهدافًا عسكرية. وأضاف ضابط متقاعد بالقوات الجوية الأمريكية ، يعمل الآن محللًا لدى بعض المتعاقدين مع البنتاغون: “نحن بحاجة إلى فهم السلوك الحقيقي لروسيا. إذا أقنعنا أنفسنا بأن روسيا تقصف عشوائيًا أو أنها تفشل في إلحاق المزيد من الضرر لأن أفرادها ليسوا على قدر المهمة أو لأنها غير كفؤة من الناحية الفنية ، فإننا لا نفهم الصراع الحقيقي”.

قنبلة الحقيقة” الثانية تقوض بشكل مباشر تحذير بايدن الدراماتيكي من هجوم كيماوي تحت علم زائف. ذكرت وكالة رويترز نقلا عن مسؤول رفيع المستوى في الدفاع الأمريكي أن”الولايات المتحدة لم تر حتى الآن مؤشرات ملموسة على هجوم روسي وشيك بأسلحة كيماوية أو بيولوجية في أوكرانيا ، لكنها تراقب عن كثب تدفقات المعلومات الاستخباراتية لاكتشافها.”

 يتخذ بايدن موقفا وسطا:

“بوتين مجرم حرب” ،لكن لن تحدث حرب بين الناتو وروسيا”. قال مسؤول كبير في الإدارة أثناء مناسبة خاصة في بداية الشهر: “النهاية الوحيدة  لهذه اللعبة هي نهاية نظام بوتين. حتى ذلك الحين ، طالما بقي بوتين ، ستكون روسيا دولة منبوذة ولن يتم إعادة دمجها في المجتمع الدولي. لقد ارتكبت الصين خطأ فادحا في الاعتقاد أن بوتين سينجو بدون خسائر“.

 خلاصة الأمر: هوالعمل على استمرار المذبحة في أوكرانيا ؛ ومشاهدة “الأوكرانيين الأبطال ينزفون روسيا حتى الموت” ؛ القيام بما يكفي لإدامة الصراع (من خلال الإمداد بالأسلحة) ، ولكن ليس بالقدر الذي يصعده ؛ وتقديمه ككفاح بطولي من أجل الديمقراطية لإرضاء الرأي العام.

 الواقع أن الأمور تسير عكس ذلك. قد يفاجئ بوتين الجميع في واشنطن بمغادرة أوكرانيا بعد انتهاء العملية العسكرية الروسية. (بالمناسبة ، عندما يتحدث بوتين عن أوكرانيا ، فإنه لا يعتبر الجزء الغربي الذي ألحقه ستالين أوكرانيا).

   قال بلينكين في تبريره للعقوبات الجديدة المفروضة على الصين الأسبوع الماضي: “نحن ملتزمون بالدفاع عن حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم وسنواصل استخدام كافة الإجراءات الدبلوماسية والاقتصادية لتعزيز المساءلة. إلا أنه  لا يمكن استخدام هذه الأساليب مع الصين .

 فرضت العقوبات لأن الصين لم تتخلى عن بوتين،هكذا بكل ببساطة. لا يمكن فهم لغة المسؤولية و (التكفير) المستخدمة إلا كتعبير عن ثقافة الووكيزم المعاصرة. يكفي أن يقدم جانب من جوانب الثقافة الصينية على أنه غير صحيح سياسياً (مثل عنصري أو قمعي أو كاره للمرأة أو متعصب أو مسيء)، ليصبح على الفور كذلك. وهذا يعني أن أي جانب من جوانب  هذه الثقافة  الصينية يمكن أن تتذرع به الإدارة كما تشاء لفرض عقوبات.

 المشكلة تعود مرة أخرى إلى رفض الغرب قبول “الآخرين” على رقعة الشطرنج.

ما الذي يمكن  للصين أن تفعله غير استخفاف كل هذ الهراء؟

 في خطابه أمام لوبي الأعمال la Business Roundtable

تصوربايدن نظامًا عالميًا جديدًا ؛ ولمح لإعادة ضبط كبيرة ووشيكة.

ولكن ربما تلوح في الأفق “إعادة ضبط كبيرة «بديلة لترتيب مختلف يستطيع أن يعيد الكثير من الأمور إلى وضعية كانت  فعالة حتى وقت قريب نسبيًا.  تتغير السياسة والجغرافيا السياسة في كل لحظة.

عن الكاتب

عدد المقالات : 1687

اكتب تعليق

الصعود لأعلى