انت هنا : الرئيسية » الواجهة » العامية واللهجات في المسرح العربي

العامية واللهجات في المسرح العربي

سعاد خليل، المصدر:رأي اليوم

يقول الفنان المعروف: عبد الحق الزروالي: مهما تشعبت الآراء والاستنتاجات، فان الكتابة للمسرح تبقي مشروطة بظروفها الزمنية والمكانية ومرتبطة بطبيعة المضامين والقضايا التي نكتب عنها .ومن هنا فان اللغة ليست مجرد وعاء لاحتواء هذه المضامين ، بقدر ما هي وسائط تبليغيه منصهرة ضمن مكونات العرض واخذة بعين الاعتبار نوعية المتلقي الذي هو بدوره متعدد في ذوقه ومستوي ادراكه ومعتقداته.

حول هذا الموضوع وكيف اللهجات والعامية بالتجربة المسرحية العربية والتي يمكن ان تدور حولها تساؤلات مثل: هل تؤدي هذه الظاهرة دورها في بناء  النسيج الثقافي كطرف مؤثر وفاعل.

او هل تمثل الظاهرة الضمير الثقافي للإنسان العربي بكفاءة وهل اكتمل حضورها بالمشهد الثقافي مستكملة تضافر عناصرها الاساسية من لغة درامية ومشهديه فنية حيوية . بشكل عام هل بات المسرح حاجة اجتماعية عربية . انه مازال في طور التجارب بحثا عن طريق يكون فيه حضورا يدل عليه بأفعاله ويدل عل جوهر القيمة الاجتماعية والفنية للمسرح كشريك ثقافي بالغ الاهمية.

سنأخذ جزئية من دراسة كتبها وليد اخلاصي عن العاميات واللهجات في التجارب العربية الواقع والتاريخ. وكذلك وجهة نظره وكيف يري الطريقة والاسلوب الذي يجب ان يكتب به الكاتب المسرحي باللغة العربية  اذا اعتبرنا  ان خيال الظل الشرقي هو البذرة الجنينية لنشو المسرح العربي في شكله الاوروبي وفي مناطق عربية محدودة، وهو الذي جاء في مرحلة سابقة ظلت موازية ،للتجارب المسرحية الاولي في نقلها لعدد من الاعمال المترجمة تعريبا وتقديمها لايام قليلة علي الخشبة فكانت تلك العروض المسرحية اشبه بالندوات والاجتماعات  الضيقة الانتشار شعبيا.

لقد قدمت تلك المسرحيات العربة نموذجا بارزا لعملية المثاقفة بين العرب والغرب في (النقل) الخاضع لعملية التعريب اكثر منه للترجمة الامينة وقاد ذلك النوع من المثاقفة الي استعراض حقيقة كانت سائدة في تاريخ الترجمة الاولي للتراث الغربي والعالمي من الي اللغة العربية والذي صب معظم اهتمامه علي العلوم والفلسفة وغيرها مستبعدا اية محاولة لترجمة الادب الدرامي أي المسرح، أي اننا لم نمتلك قديما فرصة التعرف الي المسرح اليوناني او غيره مما ادي الي تأخير التأثر المبكر به.

وبالعودة الي خيال الظل الاكثر حضورا فتأسيس البدايات الحديثة ستكشف حقيقته عن امرين بالغين في الاهمية الممتدة في الواقع المسرحي المعاصر . اولهما اعتماد خيال الظل علي مبدأ ( الحكاية ) مع تسخير معظم احداثها واتجاهاتها لظاهرة النقد الاجتماعي الذي لا يبتعد كثير عن النقد السياسي وهكذا كانت الحكاية هي محور خيال الظل دون العناية او الاهتمام بالبناء الدرامي المعتمد علي ا( التطهير )و( الصراع) وتناول القيم الكبرى الاساسية والتي كانت وما تزال الارضية التي ينطلق منها المسرح الحقيقي . وثانيهما ان لغة عروض (خيال الظل ) كانت المحكية ( أي بالعامية) كما تكون وفق لهذه المنطقة التي يقدم فيها . وكان خيال الظل في اعتماده اللغة المحكية كان يستجيب للمزاج الشعبي الذي يميل الي اللغة اليومية التي ينطق بها ويتفاعل معها ولإيمانه بان تناول خيال الظل لقضاياه وهمومه يجب ان يكون بلغة يدرك اسرارها ورموزها ودلالاتها مما يكون الوسيلة المثلي التي تعبر عن المتعة المتزايدة عنده مع الوظيفة الاجتماعية التي يحتاج اليها.

وهكذا في البحث عن تكوين ظاهرة المسرح ، قامت اللغة المحكية بتأسيس حضورها . والي  جانب دور الحكواتي المؤثر قبل انتشار الراديو ومن بعده التلفزيون ، تكونت الارضية التي ارسي عليها المسرح اقدامه كما نعرفه الان في وضعه الراهن . وسينتشر المسرح الناطق باللغة المحكية بأسرع مما فعل المسرح الناطق بالفصحي وبخاصة في الأوساط الاجتماعية الشعبية . وكأنما هذا الانتشار الاوسع كان مسايرا لاستجابة للوجدان بعامة للمحكية اكثر من الفصحي المسرحية التي اعتبرت رسمتها امتدادا للغة الدينية التي قد للا ترحب بالحرية والانطلاق التي تعتمدها اللغة المحكية.

وكان التعريب قد اجتذب عدد من محبي المسرح والعاملين علي مناصرته ، وبخاصة في بلاد الشام وقد دفع التعريب البعض من الكتاب الي تأليف اعمال بالفصحي ، وكان معظمها علي علاقة بالتاريخ الاتجاهات الوطنية او الدينية وقد قدم عدد من تلك النصوص علي الخشبة في عروض قليلة ارتبطت بأماكن معينة كالمدارس والمنتديات وظهر ان الاهداف التعليمية والتربوية والاجتماعية  كانت تتحكم في تلك لنصوص الملتزمة باللغة الفصحي ولنقل ملتزمة باللغة التي تكتب فيها النصوص الدينية علي وحجه العموم.

ان ثنائية اللغة الشائعة في الوطن العربي، الكلاسيكية او الفصحي من طرف ، والمحكية من طرق اخر وفق البيئة التي تنطق بها ، وقد خلقت ازدواجية في آدابه وبخاصة في الشعر ومن بعده المسرح  ، كما اسفرت تلك الثنائية علي مشكلة مستمرة في اوساط المثقفين والسايسين. اصوات تندد باللغة المحكية في الاعمال الادبية ، وقذ ذهب بعضها الي اتهام تلك اللغة بانها انتهاك لقداسة اللغة العربية التي جاء بها القران الكريم علي وجه التخصيص ، وانها جعلت كوسيلة لتمزيق المشاعر القومية ،وانها تعمل علي الاساءة الي الوجدان العربي وتشجع علي ظهور النوازع الإقليمية وتدق اسفينا في جسد الثقافة والامة . ومن اهم المصادفات التاريخية ما كان من امر تنام الواقعية في الادب كضرورة حتمية لإظهار الشخصية الشعبية ، والذي ادي بروزها الي تبني استخدام المحكية في الآداب المنتجة بشكل نسبي وعلي النقيض من ذلك تبنت اراء مبدأ الابداع الحقيقي الذي لا يعنيه شكل اللغة المستخدمة ، فصحي كانت او محكية ، ولذلك وفق ارادة صاحب النص الادبي ، لان الهدف من الادب كما يؤمنون هو الصدق والانجاز الكامل للمعني الذي لا شيء غيره ولم تمنع الخلافات في الآراء حول اللغة المحكية من ان تثبت أقدامها في الشعر الشعبي وفي المسرح وكذلك في الاعمال الدرامية التي قدمها التلفزيون والمذياع ، وعلي سبيل المثال بات المسرح في مناطق مختلفة يجتذب الاهتمام باللغة المحكية فيحس المشاهد انه واحد من شخوص العمل المسرحي وانه قريب من كامل الفعل المسرحي وهكذا ترسخت اقدام المسرح المقدم بالمحكيات المختلفة وتعزز التصاق المسرح الشعبي به. وبالرغم من اراء وابحاث اكدت علي اصول مفترضة للمسرح العربي المعاصر كمثل (خيال الظل ) كما ذكرنا سابقا والطقوس الشعبية من دينية واجتماعية ، الا ان الحقيقة المتفق عليها بشيء من الاجماع تدل علي ان شرارة الانطلاق كانت بالتأثر بالمسرح الغربي  ، من ترجمة وتعريب لنصوص غربية معروفة ، وبالإضافة الي رغبة بالتقليد والي محاولة لامتصاص ظاهرة فنية اجتماعية بدل استيرادها علي تعزيز المحاولات النهضوية لتظهر في انتج ثقافي مشابه للغرب. وتصاعد تفاعل المسرح مع المشهد الثقافي العام معبرا عنه بالعروض المستمرة التي تقدمها فرق متخصصة في دول عربية ، وليتوج ذلك التفاعل باهتمام بعض الحكومات التي قامت بأحداث معاهد فنية عالين ،والتي اوفدت البعثات الي دول عريقة في المسرح لإعداد كوادر عليمة تدعم الحركة المسرحية ، كما انها عملت علي اعداد البني المعمارية للمسارح .

ويطرح واقع المسرح  الان نفسه علينا لنتساءل : هل ادي موروث الماضي من ظواهر كخيال الظل وغيره وكذلك الاهتمام الرسمي لبعض من الحكومات، الي بناء مسرح عربي له وجود فعال كما الامر مع الجريدة اليومية والمحطة التلفزيونية ، فيمكن علي سبيل المثال ان يكون لمسرح ما برنامج سنوي او موسمي يعلن عنه سلفا وتصبح مواعيده من ضمن الحياة اليومية للمجتمع؟ فاذا كان الجواب بالإيجاب فهذا يعني ان المسرح العربي بات ظاهرة اجتماعية للمجتمع ، فاذا  كان الجواب بالإيجاب فهذا يعني ا ان المسرح العربي بات ظاهرة اجتماعية مستقرة، والجواب اذا كان سلبا فما الذي يعني هذا؟

هناك حقيقة لابد من الاعتراف بها ن بعد اكثر من قرن علي اول عرض مسرحي فان المسرح العربي مازال يقع في خانة التجربة المسرحية (تأليفا وعرضا) التي لم تسفر بعد عن قوام ثابت في الحياة الاجتماعية، وظلت هذه التجربة في لغتها المنطوقة تنوس بين المحكية والفصحي وكانت اللغتان مع ذلك تخضعان للهجات السائدة في حيزها الجغرافي. وكان اختيار اللغة التي فيها الاستجابة الي نزعة التجريب التي كان ابرز اطرافها استخدام نوع اللغة، فالتجريب لم يكن فكريا او فنيا فحسب، بل كان لغويا ايضا وذلك ضمن امتحان تفاعل المسرح مع قطاع اكبر من المجتمع.

اللغة مسيرة تاريخية وهي دليل قاطع علي اسلوب التواصل بين البشر ولاشك ان استخدام الفصحي في المسرح هو تقيد بانتظام حركة التأليف مع الذاكرة الثقافية التي ارتبطت بتراث ديني ونزوع قومي وهو انسجام مع القواعد الوضعية للغة الفصحي. كما ان استخدام المحكية هو تأكيد علي التواصل مع المزاج الجماهيري ومحاولة الوصول الي الهد من المسرح أي تقبل المجتمع له ، ، وكذلك التعبير المباشر عن الروح السائدة.

لقد دافع انصار الفصحي أي اللغة الكلاسيكية المتفق عليها عن دورها في انه القاسم بين الجماعات العربية في كل مكان ، ويؤمن انصار المحكية بانها الوسيلة المثلي لتحقيق الواقعية وبخباصة في المسرح الكوميدي  الذي يلقي الترحيب من معظم افراد المجتمع والذي اكد ان  التعبير عنه لن يصلح الا باستخدام المحكية التي تتجلي فيها عادة اللهجة المحلية الممثلة لقوة المجتمع . ولهذا يمكن الاعتراف بان روح التجربة او اسلوب التجريب مازال السائد في عالم المسرح العربي ويتغلب علي اسلوب التخطيط والتنظيم الهادف استكمال بناء الكون المسرحي.

 ولأيمكن اعتبار (التجربة) بمثابة نقيصة، وبخاصة ان الثقافة العربية مازالت بحاجة تالي التجريب وبخاصة في المسرح . وربما هذه التجربة كأمر ملتصق بالمسرح ستسفر ذات يوم عن تأصل للمسرح في المجتمع مستفيد منن تجاربه في اللغة والمبني، وآنذاك لن تكون هناك اشكالية تتعلق بنوعية اللغة اصلا.

يقول الكاتب في دراسته: اكتب للمسرح بالفصحي ، فهي الوعاء اللغوي الوحيد لأهدافي الدرامية وهي وسيلة التعبير المثلي عن مواقف الشخوص في الدراما وهي التمثيل المتوازن عندي عن الافكار والاحداث والصراع . كما واني اشاهد اعمالا مسرحية بلعة محكية فلا اجد غضاضة من الإعجاب منها، وبخاصة اذا ما كانت افكارها فصيحة دون الانتباه الي لغتها المسموعة. أي ان شرط اللغة ليس في شكلها بل في معناها وقدرتها علي التواصل مع حواس المشاهد.

لذا اجدني مدفوعا الي طرح مشروع لغوي لمستقبل المسرح العربي ، واظنه يضع حلا لمشكلة الازدواجية في لغة التعبير التي تعاني منها الثقافة العربية، واقترح ما يلي:

ضرورة ان يكتب الادب المسرحي في كافة البلاد العربية بلغة فصحي ، وهي المتفق عليها في نظام الدراسة والاعلام وغيره من المؤسسات القائمة ، فهذا الالزام للكاتب سيؤدي دون ريب الي تكوين موسوعة وبالتالي تراث مسرحي قابل للحفظ والانتشار والتوريث وايضا الي ترجمته الي لغات اخرى.

واما عن نقل هذا الادب الي الخشبة فيترك امره للفنيين يقدرون الحفاظ علي الفصحي او الاستجابة الي المحكية في المنطقة الجغرافية التي ستعرض فيها المسرحية وثمل هذا الامر سيسمح بانتشار الادب المسرح ي العربي في كافة الامصار والمناطق، وسيؤكد علي وحدة البناء الدرامي للأدب العربي ، كما سيؤكد علي التباين في طرق التوصيل التي ستعبر عن جوهر المجتمعات العربية.

عن الكاتب

عدد المقالات : 1687

اكتب تعليق

الصعود لأعلى