شعراء أرامل وآخرون بلا نساء … هل المرأة ضرّة للقصيدة؟
الشارقة – يوسف أبولوز – ” وكالة أخبار المرأة “
هل المرأة ضرّة للقصيدة، أو العكس، وهل يستطيع الشاعر أن يعدل ويجمع بينهما؟.. أم أن هناك من الشعراء من ضحّى بما يسميه الشعراء «المؤسسة الزوجية»، بل هناك من الشعراء من تجاهل أبناءه، وعاش حياة أقرب إلى البوهيمية بحجة الانتماء إلى الشعر. ولكن في المقابل، ثمة شعراء يقولون إلى الجحيم بالشعر وبكل قصائد الدنيا إذا كانت سبباً في ضياع عائلتي وأبنائي.
على أي حال الأسئلة أعلاه كلّها مجرد مقدّمة لموضوع آخر يتصل بما يمكن أن يُسمى نساء الشعراء إن جازت العبارة، أما المرأة الضرّة والقصيدة الضرّة فسوف نعود إليهما في مناسبة ثانية، وإن كانت هذه المادة تلتقي في عناصرها معاً عند نقطة مهمّة أو ثنائية بالغة الأهمية هي: الشاعر وامرأته، أو الشاعر والمرأة التي مشت معه وإلى جواره، منهم مَنْ بقيت إلى جواره حتى نهاية الطريق، بل وما بعد الطريق، ومنهم من خذلته امرأته، ومنهم مَنْ لم يكن الأمر برمّته على درجة من الأهمية.. وهل يجب على الشاعر أن يكون على يمينه أو على يساره امرأة، وهل يعترف الشاعر بالترمّل إذا ماتت زوجته؟ وبمناسبة الترمّل، ألا تلفتك العلاقة بين الترمّل والرمل، كأن الرجل يصبح رملاً بعد موت زوجته وفي معجم المعاني: الإنسانُ الأرملُ: الفقير الذي ليس له من يَعولُه ويطعمه، لا أهل له، والأرملُ من الأعوام: القليلة المطر والنفع والخير.
لم يعرف نيرودا الترمّل، مثلما عرفه مثلاً الماغوط الذي رحلت عنه زوجته سنية صالح عام 1985 وعنها قال الماغوط: «.. سنية هي حبي الوحيد، نقيض الإرهاب والكراهية، عاشت معي ظروفاً صعبة، لكنها ظلّت على الدوام أكبر من مدينة، وأكبر من كون، ربما آذاها اسمي، فقد طغى على حضورها، وهو أمر مؤلم جداً..».
من النبل أن يعترف الماغوط أن اسمه قد طغى على اسم زوجته التي أصدرت مجموعتها الشعرية الأولى «الزمان الضيق» في العام 1964، لكنها في كل الأحوال لم تكن ضحية، ولم يكن الماغوط طاغية، ولكل منهما حدوده الشعرية، وتجاوز الماغوط كينونته الشعرية إلى المسرح، وكتب فيه أكثر مما كتب في الشعر وغيره، لكن، ظله الشعري بقي كثيفاً في قصيدة النثر العربية وحاجباً للكثير من شعرائها وليس سنية صالح وحدها.
ارتبط اسم امرأة أصبحت علماً، وإن كانت لا تكتب الشعر هي ماتيلدا يوروتيا، باسم نيرودا الذي عرف قبلها نساء أخريات، إذْ كشفت تقارير صحفية قبل سنوات عن جانب معتم من شخصية هذا الشاعر التشيلي رغم مثالياته في الحرية والعدالة والديمقراطية، غير أنه كشف النقاب عن أن لنيرودا زوجة لا يعرف عنها شيء، وكانت ابنته مريضة دائماً، فتنكر لابنته الطفلة المريضة كما ورد في آرشيفه، وهو أمر متناقض ويشي عن خلل في شخصيته، فكيف نفهم غنائية قصائده وهو يتحدث عن حبّه الكبير لماتيلدا، وهو يرتكب ما يشبه الجريمة في حق ابنته الطفلة المريضة.
إلسا أراغون
أيضاً يرتبط اسم إلسا باسم الشاعر الفرنسي لويس أراغون. قصة حب عاصفة، وكان أراغون آنذاك كما يذكر المفكر السوري هاشم صالح: «.. طويلاً، جميلاً تنثال عليه النساء من كل حدب وصوب، وما كان من السهل على تلك الروسية المهاجرة (يقصد إلسا) أن تخترق الصفوف لكي تصل إلى قلبه.. يضاف أن أراغون كان خارجاً للتوّ من قصة حب هائلة مع أمريكية تدعى: نانسي كونار».
لا ترمّل أيضاً، ولا قصيدة ضرّة، أو ضرّة قصيدة، في مثل هذا الحب الذي جمع بين نيرودا وماتيلدا، وبين اراغون وإلسا وامتزج الشعر بالسياسة في قصة الشاعر الفرنسي والروسية التي أصبحت ناراً على علم بعد علاقتها بهذا الشاعر الوسيم، وعلى المنوال نفسه لا صراع ضرّة وقصيدة، أو صراع قصيدة وضرّة في قصة الحب التي جمعت بين بول إيلوار وغالا، وهي أيضاً روسية، وسوف يعرف القارئ إحاطة شبه كاملة عن علاقة الحب هذه من خلال كتاب «قصائد حب يليها رسائل إلى غالا».. من ترجمة: عصام محفوظ صدرت طبعته الأولى في 2003 / بيروت، ويعتبر محفوظ أن علاقة الحب بين إيلوار وغالا.. «.. أسطورة عشق جديدة تضاف، إلى أساطير العشق لدى الشعراء، وإذا كانت هذه الأساطير ازدادت ندرة فإنها لم تتوقف في منذ مجنون ليلى إلى «مجنون إلسا».
في إحدى رسائل إيلوار إلى غالا يقول:
يا امرأتي الجميلة، لا يجب أن نندم على شيء. أما عن حزني فإنه يولد معي، فلا تبتئسي لذلك، لم يكن حبي لك خلاصاً، لكنه في الأقل الشيء الثابت والأكيد في حياتي».
3 تجارب
ثلاث تجارب في الحب بين شعراء ونساء أصبحن علامات فارقة في حَيَوات هؤلاء الشعراء الشخصية والشعرية، لا بل هي ظاهرة إنسانية ثقافية إذا بحثنا في أرشيف شعراء آخرين حملوا حبّهم معهم في الحياة وفي الشعر، فلم تكن المرأة ضرّة للقصيدة، أو القصيدة ضرّة للمرأة، وإذا ترمّل شاعر، فلا يصبح رملاً أو أرضاً بلا ماء.
غير أن هذه الظاهرة ليست قاعدة، فليس كل الشعراء ارتبطت أسماؤهم بأسماء نساء أصبحن علامات في طريقهم: ماتيلدا، إلسا، غالا.. خذ لوركا مثلاً. أين هي.. أو.. مَنْ هي إلسا أو ماتيلدا أو غالا لوركا. فلم يُعرف عن ارتباط اسم امرأة باسم لوركا كما هو الحال مع أراغون ونيرودا وايلوار على سبيل المثال.
كان لوركا شاعر الغجر وحبيبهم وحبيب الصباحات الأندلسية الهادئة، وحبيب الزيتون والكمنجات، لكن ما من امرأة فعلت في قلبه مثلما فعلت غالا في قلب ايلوار مثلاً على رغم شعر الحب الغزير في لوركياته ومسرحياته أيضاً.. ويأتي في الموسوعة العربية.. «.. تعالج معظم أعماله أوضاع المرأة الإسبانية التي تسقط مأساوياً نتيجة طغيان الأعراف الأخلاقية التي تكبل حريتها..».
عاش لوركا فترة في نيويورك، وعاد إلى إسبانيا، وعاش حياة حرّة عاصفة، شعرية، وسياسية، وفنية، لكن ظل أرملاً على نحو ما.. وإن لم تمت له زوجة أو حبيبة.