خالد الهواري: الاعلام العربي.. وهاوية المبالغة
خالد الهواري :رأي اليوم
غابت شمس الحق، ليست مجرد كلمات يتغنى بها المقهورين الذين يشاهدون عمليات التنكيل بالحقيقة وتزييفها علي ايدي من ماتت ضمائرهم، بل هي الحقيقة الواضحة التي لا تحتاج الي استدعاء الادلة والبراهين، قتلوها امام اعيننا جهارا نهارا، وصادروا حقنا حتي ان نستغيث ونصرخ، فصوت الحق اصبح جريمة في زمن يكيدون لنا كيدا بما يمتلكون من نوافذ اعلامية تفتح علي طريق واحد، واصبح الليل الثقيل وانيابه التي تعربد وتنهش في حياتنا وواقعنا ومستقبلنا جنودا ومفكرين وفلاسفة وجوههم لامعه مسترخيه من النعيم الذي يعيشون في ثماره التي جنوها من حياتهم في اروقة قصور الحكم والتقاط فتات الموائد من تحت احذية اسيادهم ، هؤلاء الذين لم تعرق جباههم في يوم من الايام من اجل العودة لأطفالهم بملابس العيد، ولم يشعرون يوما بالحسرة والقهر من العجز عن تدبير مصاريف المدارس وقدوم العيد وتزويج البنات، يستغلون علاقاتهم الشخصية بوسائل الاعلام ليدافعون عن الليل الاسود الثقيل الذي يعرفونه، ويقاتلون بكل ما يملكون من الاموال والقوة من اجل بقاءه جاثما علي العقول والقلوب والارواح التي تتساقط مثل اوراق الشجر اليابسة في معركة الحياة من اجل الحصول علي كسرة خبز
انا افهم ان للجرائد بما فيها جريدة “راي اليوم” توجهات وقضية سياسية تدافع عنها، وهذه الجرائد والاعلام العربي بشكل عام يلجئ الي المبالغة في القاء قنابل الدخان من خلال مجموعة من الكتاب يساهمون في ترسيخ الواقع الذي تهدف اليه، فعلى سبيل المثال نجد ان قناة “الجزيرة” القطرية، وقناة “العربية” السعودية هم مجرد جزء من الامن القومي للدولتين، والميزانية المخصصة لهم في تجنيد وجهات النظر وتجييش واستقطاب الافكار تتجاوز ميزانية الصحة والتعليم في بلدان لا يحصل فيها العمال الوافدين علي حقوقهم التي اقرتها قوانين العمل الدولية والمنظمات الانسانية ومن يتجرأ منهم ليحافظ علي كرامته يموت بدماء بارده ويعود الي اهله في صندوق لايفتح بأوامر من الانظمة الخائنة، ولم يحدث ان تمت استضافه من يعارض توجهات ومنهج الانظمة التي تمتلك هذه القنوات الفضائية بل لا يتركوهم ايضا يبحثون عن نوافذ للحق فتمتد ايضا اياديهم لتعتم علي وجودهم وتصمت اصوتهم، فمثلما يتم اختيار كتاب لتلميعهم علي صفحات الجرائد وتحويلهم الي ادوات لتحقيق الهدف بتضليل العقول وحشد القراء الوهميين ليصنعوا لهم شعبية، يتم ايضا في القنوات الاعلامية بناء على دراسات اجهزة الاستخبارات تلميع اسماء معينة والصاق اليها صفات الخبراء والفلاسفة والمحللين السياسيين والعسكريين يستحقون الشفقة وهم يتلعثمون في كلماتهم، وعلي الرغم انهم يعرفون ان الجماهير العربية تتعامل مع هذه المخططات بالسخرية ويعرفون ايضا انها مجرد قنابل الدخان يصور لهم الوهم انها سوف تعمي الاعين عن رؤية الواقع على حقيقته بدون تزييف وصباغته بمساحيق التجميل، تواصل وسائل الاعلام مخططاتها ولا تضع في حساباتها ان هذه المبالغة في الحرص علي القيام بالدور الاستخباراتي الساذج قد تجاوزها الزمن ودارت عليها عجلات التاريخ والاحداث، ولم تعد الجماهير العربية والجيل المعاصر يتلقون الاخبار عبر اثير الراديو الترانزستور صاحب التاريخ الاسود في تزييف الحقيقة.
ولازال مسلسل العبث الديمقراطي الذين يمارسون من خلاله نظرية اكذب ثم اكذب حتي يتحول الكذب الي حقيقة يتواصل، ولازالت وسائل الاعلام العربية التي تجردت من ابسط قواعد الاعلام ترتكب ابشع الجرائم التي تعتبر جرائم ضد الانسانية لأنها تستهدف العقل وتنتهك حقوق المعرفة بترسيخها للأكاذيب ودعم الطغاة ووضع العراقيل والاسلاك الشائكة امام العقل العربي ليتخلص من الاوهام وينطلق في حرية ومعرفة في عالم لم يعد يمنح الجهل مجرد مقعد للتواجد.
هل ما حدث في سورية التي تقسمت الي دويلات انتخابات ديمقراطية او حتى غير ديمقراطية؟
سورية التي تهدمت علي رؤوس ساكنيها عندما تمسك النظام بلغة واحدة ترتبت ابجديتها علي الدماء والنار، وفتحت أبوابها، وتحولت شوارع وميادين سورية الي ساحة لجميع اجهزة المخابرات بما فيها مخابرات الدول التي يطلق عليها الاعلام جمهوريات الموز، والشعب الذي تشرد بالملايين الي مشارق الارض ومغاربها واصبحوا عبئا ثقيلا علي اقتصاديات الدول التي تبحث ليل نهار عن وسيلة للتخلص منهم، شهدت بالعصا السحرية للإعلام اعراس للديمقراطية، واصبحت الان دولة رغم انها تمزقت علي الخريطة.
سيظل هذا الوطن يذبح من الوريد الي الوريد والمجرم الحقيقي هو الاعلام الذي يتاجر بالدماء، الاعلام الذي يؤمن بنظرية ان لم تكن خادما في اروقة الباطل الذي ادافع عنه اضرب راسك في اقرب جدار.
عضو الاتحاد السويدي للأمم المتحدة
عضو منظمة العفو الدولية “الامنستي”