قراءة في رواية وكر الثعابين للروائي العراقي احمد الجنديل … اعترافات امرأة تبيع جسدها في ظل الواقع العراقي المضطرب
الكاتب الصحفي : نهاد الحديثي – العراق – خاص بـ ” وكالة أخبار المرأة “
رواية “إمبراطورية الثعابين”، الصادرة عن دار تموز للطباعة والنشر والتوزيع بدمشق، للروائي العراقي احمد الجنديل, تكشف عالم البغاء الجسدي يقابله عالم البغاء السياسي وبغاء البزنس، كوحدات توصيفية لعلامات سردية، سعى الروائي إلى تأطيرها،هي تضخيم خطيئة الجسد، والتي تكشف من خلالها خطيئة الجسد السياسي العراقي في مرحلة ما بعد الاحتلال الأميركي، حيث انهيار المركز القديم، وصعود قوى الهامش الاجتماعي والطبقي والأخلاقي, ان اختيار الكاتب اسم (ساجدة البركان ) كان فيه مفارقة جميلة فهو يجمع الاضداد في المعنى بين كونها ساجدة مطيعة والبركان تجسيد لثورة غضب، حيث كانت تمتلك اسلوبها الخاص بالانتقام ،في اعتقادي ان هذه الشخصية مثلت دور البلد بأكمله والشخصيات التي تعاقبت على امتصاص رحيقها ماهي الا ساسة المكونات الثلاثة الذين تقاسموا الادوار فشخصية (سميع السامون وراشد الازعر وطارق ) هذه الشخصيات كانت مختارة بعناية وادوارها كانت تناسب كل مكون حسب ما يمثله من قوة مجتمعية وسياسية, فالواقع العراقي المضطرب يزخر بالكثير من الأحداث التي بلغت لشدة وطأتها وصفت بـ”الواقعية الغرائبية” الواقع المثخن بالخراب بصوت امرأة، وخاصة امرأة مهمشة مثل شخصية بائعة الهوى، الرواية تطرح مبدأ ميكافلي متطرف في الوصول الى الغايات ،فغاية ساجدة كانت البحث عن المال الذي سيوفر لها الوصول الى مركز اجتماعي مرموق في لعبة السلطة وفي عالم المال والجنس,
قد تكون هذه الرواية جريئة في خطابها الاعترافي، وفي فضح العالم السياسي، لكنها أكثر جرأة في اختيار شخصياتها البطلة بدلالة اسمها، وبأقنعتها المتعددة، فمثلا اسم ساجدة خليبص شرهان يوحي بدلالة طبقية واجتماعية، لكنّ أقنعتها هي الفاعلة والحاضرة والمتعالية -فيفيان، عطارد، همسات وغيرها- والتي تتجوهر حول هويتها كـ”بغيّ” لها وظيفة الأفعى، وهي تتغلغل في “إمبراطورية” المال والسياسة، تقول “ماذا يقول زبائني الذين اعتادوا على إراقة رجولتهم على جسدي بأن اسمي الحقيقي ليس رولا ولا فيفان ولا همسات أو سوزان أو غيرها من الأسماء المستعارة التي كانت تخرج من شفاه ملتوية خدرها السكر وأطاح بها الشبق الذي كان يهيمن على أحاسيسهم
اختيار الروائي الاعتراف النسوي في هذه الرواية له دلالته الصادمة، عن طبيعة التحولات السياسية والاجتماعية في المدينة، ، فبقدر ما سعت إليه الرواية من خرقٍ لمألوفية السرد الاعترافي، فإنها في المقابل حافظت على تمثيلها الواقعي، كما أنّ الرواية لم تتحدث عن استلاب المرأة، ولا عن أيّ خصوصية للفكرة الأنثوية، ساجدة وصديقتها جنان في استعراض مفاتنها، وفي إثارة الهوس الغرائزي للرجال الذين وضعوا الجسد وإشباعه مقابلا إيهاميا لرغائب السلطة والمال والمتع السرية والمُقنّعة
نحن نجد الرذيلة في عناوي مختلفة فمثلا “مؤسسة الزعفران الخيرية” هي قناع لـ”وكر الثعابين” الذين يدسّون من خلالها سمومهم وأوهامهم، و”فندق برج الحرير” هو عالم سري لممارسة الرذيلة والعهر، ولتمثيل شفرة السردية العارية التي تعيش أوهامها تلك الشخصيات، وعبر تغويل سلطة المال والجنس، أو عبر صراعاتهم الشخصية والقاتلة، حتى تبدو وكأن التعالق ما بين الوهم والسلطة، أو بين السلطة والجسد، هي الرهانات التي حاول الروائي أنْ يؤسس من خلالها رؤيته في نقد الاحتلال والسلطة والنفاق الاجتماعي والسياسي والثقافي، وفي ما يصنعه الخراب من خطاب للعفونة والخراب والضياع.