هل بمقدرة روسيا وواجبها إيقاف الحرب في القوقاز؟
ترجمة: دبوطاهر لطيفة
من المقالات التحليلية الكثيرة التي كتبت حول الحرب في القوقاز ،ارتأينا ترجمة هذا المقال الذي نشر في الموقع:
http://thesaker.is
يطرح وجهة نظر روسية في حرب” فخ” على أبواب روسيا لجرها لمستنقع يستنسخ أفغانستان.
استطاعت روسيا أن تقلب المخطط لصالحها وتظهر أن الصراع في القوقاز سياسي وجيوسياسي وليس دينيا أو مذهبيا، وأنه وبتعبير واضح وارد في المقال، أصبحت روسيا”صانعة الملوك في القوقاز كما في الشرق الأوسط.
هذا ما ورد في المقال:
رسميا هذه حرب بين أذربيجان وجمهورية ناغورنو كاراباخ (غير المعترف بها) والمعروفة باسم “جمهورية أرتساخ” (ROA) والتي سأسميها ببساطة ،ناغورني كاراباخ أو “إن كيه”.(1)
وكما هو الحال في الغالب، فإن الواقع أكثر تعقيدًا. فمن ناحية ، تدخلت تركيا بزعامة أردوغان بقوة منذ اليوم الأول (وحتى قبل ذلك بوقت طويل) ، بينما تدعم أرمينيا ناغورني كاراباخ منذ تفكك الاتحاد السوفيتي.
والأدهى من ذلك، فإن تركيا عضو في الناتو بينما أرمينيا عضو في منظمة معاهدة الأمن الجماعي.
وهكذا ، فإن اندلاع حرب في منطقة صغيرة ونائية نسبيًا، يمكن نظريا، أن يؤدي إلى حرب نووية دولية. لحسن الحظ،هو أن لا أحد في الناتو أو منظمة معاهدة الأمن الجماعي يريد هذه الحرب ، خاصة وأن ناغورني كاراباخ ليست جزءًا من أرمينيا التي لم تعترف بهذه الجمهورية حتى الآن!. وبالتالي فهي ليست تحت حماية منظمة معاهدة الأمن الجماعي. وبما أن تركيا لم تتعرض لهجوم حتى الآن على الأقل ، فليس للناتو أي سبب للتدخل أيضًا.
يجب أن أذكر هنا أنه من ناحية القانون الدولي ، فإن ناغورني كاراباخ جزء لا يتجزأ من أذربيجان. ومع ذلك ، يتفق الجميع تقريبًا على وجود اختلاف بين إن كيه” نفسها وشكل المنطقة الأمنية التي أنشأها الجيش حولها.(انظر الخريطة).
جمهورية ناخيتشيفان (نخجوان)المتمتعة بالحكم الذاتي تشكل جزءا من أذربيجان
لكن الواقع الميداني مختلف تمامًا، لذا دعونا نتفحص موقف كل فاعل، بدءًا بالطرف الذي بدأ الحرب: أذربيجان.
قامت أذربيجان بإصلاح وإعادة تسليح جيشها منذ هزيمة قواتها بالكامل في حرب 1988-1994. علاوة على ذلك ، تمثل هذه الحرب بالنسبة للرئيس علييف ، ما قد يكون أفضل وآخر فرصة لهزيمة ناغورني كاراباخ والقوات الأرمينية. يتفق معظم المراقبين على أنه إذا لم يتوصل إلى تحقيق نصر شكلي على الأقل، فإنه سيفقد السلطة.
كان الحفاظ على الوضع الراهن والاستمرار في تشكيل دولة أمر واقع مع ناغورني كاراباخ والإبقاء على دولتين بحكم القانون من دواعي سرور أرمينيا.علما، أن الأرمن الذين يعيشون في “جوار” القوقاز الصعب والخطير ، يعلمون أنهم محاطون بدول معادية إلى حد ما ، ويدركون تمامًا أن الإيديولوجية العثمانية الجديدة لأردوغان تجعل هذه الحرب حتمية عاجلاً أم آجلاً.
إيران ، التي غالبًا ما ننساها، ليست متورطة بشكل مباشر في الصراع ، على الأقل حتى الآن . وعلى الرغم من أن الأذربيين شيعة فإنها تميل للتعاطف مع أرمينيا ، على أساسً أن الإيديولوجية السالفة الجديدة تمثل خطرا عليها والمنطقة بأسرها.
لعبت تركيا دورًا حاسمًا وراء الكواليس في إعادة تسليح وإعادة تنظيم القوات الأذربيجانية. كما الحال في ليبيا،تم استخدام الطائرات “بدون طيار” الهجومية بفعالية هائلة ضد قوات ناغورني كاراباخ على الرغم من امتلاك الأرمن دفاعات جوية جيدة جدًا. أما بالنسبة لأردو غان نفسه ، فهذه الحرب هي آخر محاولاته للظهور كسلطان عثماني جديد يسعى لتوحيد كل الشعوب التركية تحت حكمه.
إحدى الأفكار الرئيسية الخاطئة حول هذا الصراع هي، فرضية أن روسيا كانت وستظل دائمًا إلى جانب
أرمينيا و ناغورني كاراباخ. إّذا كان هذا صحيحًا بالتأكيد لروسيا ما قبل عام 1917 ، فإنه ليس كذلك اليوم .
لماذا؟
لنتفحص الموقف الروسي في هذا الصراع.
أولاً ،دعونا نستبعد ما البديهيات: -أرمينيا على عكس ناغورني كاراباخ- عضو في منظمة معاهدة الأمن الجماعي. -إذا قام أحد بما في ذلك أذربيجان وتركيا أو تركيا بمهاجمتها -، فمن المؤكد أن روسيا ستتدخل وتتصدى للهجوم، إما بالوسائل السياسية أو حتى بالوسائل العسكرية. اعتبارا لما فعلته تركيا بالشعب الأرمني خلال الإبادة الجماعية الشائنة في الفترة الممتدة من 1914 إلى 1923 ،يعلم الأرمن أن روسيا لن تسمح أبدًا بتكرار إبادة جماعية أخرى. والأتراك يعرفون ذلك أيضًا.
ومع ذلك، فإن الأمور ليست بهذه البساطة.
على سبيل المثال، باعت روسيا الكثير من أنظمة الأسلحة المتطورة لأذربيجان. والواقع أن العلاقات بين فلاديمير بوتين وإلهام علييف دافئة للغاية. وعلى الرغم من أن أذربيجان قد غادرت منظمة معاهدة الأمن الجماعي في عام 1999 ، فإنها حافظت على علاقة قوية جدا مع روسيا ينعتها البعض بالشراكة أو حتى التحالف.
بالإضافة إلى ذلك ، تعد أذربيجان شريكًا أفضل لروسيا من أرمينيا ، خاصة منذ “ثورة الألوان” التي مولها سوروس عام 2018 ، و أوصلت نيكول باشينيان إلى السلطة. من حينها، انتهجت أرمينيا “سياسة متعددة النواقل” التي سارعليها لوكاشينكو ، البيلاروسي للتخلص من روسيا والاندماج في منطقة هيمنة الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة.
يوجد اختلافان كبيران بين روسيا البيضاء وأرمينيا:
(أ)البيلاروس والروس شعب واحد،
(ب) لا تستطيع روسيا تحمل خسارة روسيا البيضاء لكنها في غنى حقا عن أرمينيا.
الجانب السلبي ، لم تكتف أذربيجان بالانسحاب من منظمة معاهدة الأمن الجماعي سنة1999 ، بل انضمت أيضًا إلى منظمة جوام المعادية لروسيا ومقرها في كييف.
ثم هناك عامل تركيا، بألفاظ بسيطة، لن يثق الروس أبدًا في تركي يشاطر أردوغان رؤية العالم من زاوية الإيديولوجيةا لعثمانية الجديدة..
خاضت روسيا بالفعل اثنتي عشرة حربًا واسعة النطاق ضد العثمانيين ولن تسمح للأتراك ببدء حرب أخرى (وهو ما فعلوه تقريبًا عندما أسقطوا طائرة روسية من طراز Su-24M فوق شمال سوريا.
بطبيعة الحال ، روسيا أقوى بكثير من تركيا ، على الأقل من الناحية العسكرية ، ولكن من الناحية السياسية ، يمكن أن تكون الحرب المفتوحة ضد تركيا كارثية بالنسبة لأهداف سياستها الخارجية والداخلية. وبطبيعة الحال ، فإن أفضل طريقة لروسيا لتجنب مثل هذه الحرب في المستقبل، هي التأكد من إدراك الأتراك أنهم إذا هاجموا ، فسوف يتعرضون لهزيمة ساحقة في وقت قصير جدًا. حتى الآن ، تسير الأمور بشكل جيد ، خاصة بعد أن أنقذت روسيا أرد وغان من الانقلاب المدعوم من الولايات المتحدة.
يرى بعض المراقبين أن وحدة الدين المسيحي تلزم روسيا بنوع من الالتزام الأخلاقي تجاه أرمينيا. أنا لا أوافق على الإطلاق. السبب الرئيسي لهّذا الاختلاف، هو أن الروس أصبحوا الآن على دراية كبيرة بالجحود المثير للاشمئزاز الذي أظهره “إخواننا ورفاقنا المفترضون من المسيحيين” كلما احتاجتهم روسيا.
———————————————————————————————–
معظم الأرمن ليسوا مسيحيين أرثوذكس ، لكنهم أعضاء في الكنيسة الرسولية الأرمينية ، وم ليسوا من
السلاف أيضا.
———————————————————————————————
الشعوب السلافية أو الأرثوذكسية الوحيدة التي أبدت امتنانًا حقيقيًا لروسيا هم الصرب. سارع الجميع لممارسة العهارة الفكرية مع “العم سام” وتنافسوا مع بعضهم البعض على “شرف” نشر أنظمة أسلحة أمريكية تستهدف روسيا. الحقيقة أن روسيا مثل أي قوة عظمى ، أكبر من أن يكون لها “أصدقاء” حقيقيين (صربيا استثناء جميل لهذه القاعدة).
كان القيصر الروسي الإسكندر الثالث يقول إن :”لروسيا حليفين حقيقيان فقط: جيشها وقواتها البحرية”. لكن القائمة اليوم أطول، يمكننا إضافة القوات الجوية ، وجهاز الأمن الفدرالي لروسيا الاتحاديةFSB ، إلخ). من حيث الحلفاء أو الأصدقاء الخارجيين ، فإن الشعب الصربي -على عكس بعض قادته- هو الصديق الوحيد الحقيقي لروسيا،(على الرغم من أن روسيا في عهد يلتسين و ” الأوليغارشية الديمقراطية”، خانت بشكل مخجل قائمة طويلة من البلدان والقادة السياسيين بما في ذلك صربيا).
ثم هناك العامل الديني الذي، رغم أهميته في الماضي، فإنه لا يلعب أي دورً في هذا الصراع.
بالطبع ، يحب القادة السياسيون من المعسكرين التظاهر بالتدين، لكن هذا كله يدخل في إطار العلاقات العامة.الحقيقة هي أن كلا من الأذربيين والأرمن يضعون الاعتبارات العرقية فوق الاعتبارات الدينية ،
لأن العديد، إن لم يكن معظم الناس في أرمينيا وأذربيجان وحتى روسيا ،بسبب الإلحاد المتشدد في الاتحاد السوفيتي السابق ،أصبحوا اليوم من اللاأدريين و العلمانيين الذين لا يهتمون إلا سطحيا “بالقيم الروحية التي تشكل هويتهم الوطنية” .
المصدر المقلق الكبير لروسيا هو تهجير التكفيريين من سوريا إلى أذربيجان. لقد أكد الروس بالفعل أن هذا قد حدث (هذا ما قاله الفرنسيون أيضًا).وإذا صح الأمر ، سيكون لروسيا الحق في ضرب هؤلاء التكفيريين على الأراضي الآذرية. حتى الآن ، هذا التهديد ضئيل ، لكن إذا أصبح حقيقيًا ، فمن المتوقع أن تدخل صواريخ كروز إلى المسرح.
أخيرًا ، هناك مجموعات آذرية وأرمينية كبيرة في روسيا ، وهذا يعني أمرين:
أولاهما، لا يمكن لروسيا السماح لهذا الصراع بعبور حدودها وإصابة البلاد،
وثانيًا، هناك ملايين من الروس الّذين تربطهم غالبا روابط قوية ، مع هذين البلدين.
وعلى الرغم من أن “الامبراطورية” غير متدخلة رسميا ،يجب أن نتفحص وجهة نظرها في هذا النزاع ولو بشكل سطحي.
باختصار ، أود أن أقول إن الإمبراطورية مسرورة للغاية بهذه الأزمة الثالثة التي تنفجر عند أبواب روسيا بعد أوكرانيا وروسيا البيضاء.ليس هناك الكثير مما تستطيع القيام به ضد ها، فقد فشل الحصار الاقتصادي والعقوبات تمامًا . ومن الناحية العسكرية البحتة، فإن روسيا أقوى بكثير من “الإمبراطورية”. ببساطة: لن تستطيع التصادم المباشر مع روسيا ، ولكن من السهل عليها إشعال النزاعات على أطرافها.
من ناحية، لا تتناسب الحدود الإدارية الداخلية لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية مطلقًا مع العرقية في الاتحاد السوفيتي السابق. عند النظر إليها ، قد يميل المرء إلى التفكير في أنها رسمت تحديدا لتوليد أكبر قدر ممكن من التوتر بين العديد من المجموعات العرقية التي تم تقسيمها إلى أجزاء منفصلة. كما أنه ليس من المنطق قبول حق الجمهوريات السوفيتية السابقة في الانفصال عن الاتحاد السوفيتي ، وإنكار هذا الحق نفسه للكيانات الإدارية المحلية التي تريد الآن الانفصال عن الجمهوريات المنشأة حديثًا.
ومن ناحية أخرى، فإن العديد ، إن لم يكن أغلب، ما يسمى بـ “البلدان” و “الأمم” التي ظهرت فجأة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي لا تملك أية حقيقة تاريخية. كنتيجة مباشرة ، ليس لهذه “الأمم” الحديثة الولادة أساس تاريخي تتجذر عليه ، ولا أدنى فكرة عن الاستقلال الحقيقيً. بعض الأمم، كالأرمن، لها جذور عميقة في التاريخ، لكن حدودها الحالية لا ترتكز على أي شيء إطلاقا. لذلك، لم يكن صعبا على “العم سام” الاستقرار في هذه الدول المستقلة حديثًا ، خاصة وأن العديد منها(إن لم يكن معظمها) كانت تعتبر روسيا عدوا (بسبب الأيديولوجية السائدة للإمبراطورية التي فُرضت على معظم السكان الجاهلين في محيط الاتحاد السوفيتي السابق).
النتيجة ؟ العنف وحتى الحرب ، في جميع أنحاء هذا المحيط (الذي يعتبره الروس “خارجهم القريب”).
أعتقد أن معظم الروس يدركون -وإن كان الثمن عاليا- أن فصل المحيط السوفياتي السابق عن روسيا كان نعمة .هذا ما تؤكده استطلاعات رأي عديدة تكشف أن الشعب الروسي بشكل عام، يرتاب للغاية من أي مشروع يتطلب استخدام القوات المسلحة خارج بلده.
(على سبيل المثال ، تطلب الأمر كل “مصداقية بوتين لدى الشارع “لإقناع الشعب ا بأن التدخل العسكري في سوريا كان فكرة جيدة).
هناك شيء آخر يجب أن نتذكره دائمًا: على الرغم من بلادة كل الدعاية الأمريكية والغربية بأن اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية كان “سجنا للشعوب”، فإن الأمم الصغيرة قد عاشت في هذا “السجن “أفضل بكثير من العيش في ظل النظام “الديمقراطي” للمعمرين الأوروبيين في كل أنحاء العالم!.
والحقيقة هي أنه بسبب الآراء المسعورة للشيوعيين السوفييت المعادية للروس –إلى أن عكس ستالين هذا الاتجاه-، فإن الجمهوريات السوفييتية “الطرفية” عاشت جميعها أفضل بكثير من “بقية روسيا” التي أطلق عليها السوفييت “جمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية”. في الواقع ، كانت الفترة السوفيتية نعمة من نواح كثيرة على جميع الجمهوريات غير الروسية في الاتحاد السوفيتي . الآن فقط ، في عهد بوتين ، انعكس أخيرا هذا الاتجاه.
أصبحت روسيا اليوم أكثر ثراءً من بلدان محيطها، ولا ترغب في تبديد هذه الثروة على أطراف معادية ناكرة للجميل. والحاصل: روسيا غير مدينة بشيء على الإطلاق لدول مثل أرمينيا أو أذربيجان وليس لديهما الحق في أن ينتظرا مساعدة منها. لن يحدث ذلك، إّذا لم تحصل روسيا –بأقل تقدير-على مقابل يقاس بتدخلها.
ومع ذلك ، دعونا نتفحص الأسباب التي من أجلها يمكن لروسيا أن تتدخل
بداية، يتعلق الأمر مرة أخرى بحالة جنون عظمة وخبث أردوغان اللذان سببا وضعاً خطيراً للغاية لروسيا. كل ما يحتاجه الأذربيون لتأمين التدخل التركي المفتوح هو:
إما مهاجمة أرمينيا ، الأمر الذي قد يجبر روسيا على التدخل ،
أو أن يهزموا من الأرمن لحد يضطر تركيا لتدخل يجنب أليف وأرد وغان فقدانا تاريخيا لماء الوجه.
ثانيًا، من الضروري أن تثبت روسيا أن منظمة معاهدة الأمن الجماعي مهمة وأنها تحمي بشكل فعال دولها الأعضاء. بعبارة أخرى، إذا سمحت روسيا لتركيا بمهاجمة أرمينيا مباشرة، فستفقد المنظمة كل مصداقيتها ، وهذا ما لا تستطيع فعله.
ثالثًا، من الأهمية بمكان بالنسبة لروسيا أن تثبت لأذربيجان وأرمينيا أن وعود الولايات المتحدة فارغة، و لا يمكنها القيام بأي شيء في القوقاز. بمعنى آخر، يجب أن يكون حل هذه الحرب حلاً روسيًا وليس أمريكيًا ،حلفا أطلسيا- أو أوروبيا. بمجرد أن يتضح في القوقاز ،أن روسيا كما هو الحال في الشرق الأوسط ، أصبحت “صانعة الملوك” ،فإن المنطقة بأسرها ستعرف السلام والعودة البطيئة إلى الازدهار.
أصبح واضحا أن الأذربيجانيين كانوا يأملون في حرب قصيرة ظافرة. وعلى الرغم من التقدم الحقيقي في التدريب والمعدات لم يحققوا إلا بعض النجاحات الأولية التي حدثت جميعها في مدن صغيرة يقع معظمها في السهول. انظروا لهذه الخريطة الطبوغرافية لمنطقة العمليات لتروا أكبر مشكلة تواجه الأذربيين:
يقع معظم ناغورني كاراباخ تقريبًا في الجبال (“ناجورنو” تعني “جبلية”) تشكل العمليات العسكرية الهجومية في الجبال كابوسا حتى بالنسبة للقوات المستعدة والمجهزة جيدًا ،-خاصة خلال فصل الشتاء الذي يقترب بسرع بخطى شاسعة. يوجد عدد قليل جدًا من الدول التي تستطيع تنفيذ عمليات هجومية بنجاح في الجبال، روسيا واحدة منها، وأذربيجان ليست كذلك.
حاليا ، يتفق الطرفان على شيء واحد فقط: النصر الكامل هو الذي سينهي هذه الحرب. اذا كان لهذه اللغة معنى في السياسية ، فالجميع يعلم أن هذه الحرب لن تنتهي بانتصار كامل لمعسكر وهزيمة كاملة لآخر. الواقع أن الأذربيين لا يستطيعون غزو كل ناغورني كاراباخ بينما لا يستطيع الأرمن (أرمينيا و ناغورني كاراباخ) شن هجوم مضاد وهزيمة الجيش الأذربيجاني في السهول.
حاليا ، وطالما اتفق الأذربيون والأرمن على أنهم لن يتوقفوا حتى النصر الشامل ، فإن روسيا وببساطة لا تستطيع التدخل. على الرغم من امتلاكها لقوة عسكرية تجبر الجانبين على وقف الحرب فإنها لا تملك السند القانوني للقيام بذلك. ويرجى أن تتذكروا أنه على عكس الولايات المتحدة ، تحترم روسيا القانون الدولي ولا تنوي أن تصبح “الولايات المتحدة التالية” أو نوعًا من أنواع الهيمنة العالمية المسؤولة على حفظ على السلام في العالم. لذلك لا يوجد سوى احتمالين للتدخل العسكري الروسي:
- هجوم مباشر (ومؤكد بأدلة دامغة) على أراضي أرمينيا
- أن يتفق الأذريون والأرمن على هذا التدخل ا.
أعتقد اعتقادًا راسخًا أن أردوغان وعلييف سيبذلان كل ما في وسعهما لمنع تحقيق الخيار الأول (بينما سيبذلان كل ما في وسعهما للفوز ، دون هجوم مفتوح على أرمينيا). ومع ذلك ، فإن بعض الحوادث الجارية تنذر بخطر تصعيد سريع ودراماتيكي للصراع قائماً مالم يتفق الطرفان على إنهائه.
حتى الآن، لم يستطع أي طرف تحقيق انتصار واضح. ومهما كان محزنا قول ّذلك، فإن للجانبين احتياطات ليست فقط عسكرية بل أيضا سياسية واقتصادية للاستمرار لفترة من الوقت.
ولكن، ليس لدى أي من الطرفين ما يلزم لشن حرب استنزاف طويلة ودموية، خاصة في سلاسل الجبال. لذلك من المحتمل أن الجانبين يدركان ضرورة إنهاء الحرب في أقرب وقت ممكن (وفقًا لبعض الخبراء الروس ، لن يستغرق الأمر إلا بضعة أسابيع(.
بالإضافة إلى ذلك ، يوجد تصعيد الخطير للغاية ، يمثله القصف بالمدفعية والصواريخ على البلدات والبنية التحتية. إذا اضطر الأرمن حقًا ، فقد يعترفون بغورني كاراباخ ويضربون في نفس الوقت البنية التحتية للطاقة والنفط والغاز في أذربيجان بصواريخ إسكندر الباليستية التكتيكية الهائلة. إذا حدث ذلك ، يمكننا أن نكون على يقين من أن الأذريين والأتراك سيحاولون مهاجمة أرمينيا ، مع اعتبار التداعيات الخطيرة و المأساوية.
يمكن أن يصبح هذا الصراع أكثر دموية وأكثر خطورة. من مصلحة المنطقة بأسرها ( باستثناء الولايات المتحدة) إيقافه .هل سيكون اللوبي الأرمني قويًا بما يكفي للضغط على الولايات المتحدة لاتخاذ موقف مفيد؟ حتى الآن ، دعت الولايات المتحدة رسميا-عطفا على روسيا وفرنسا -، جميع الأطراف إلى وقف إطلاق النار ، لكننا نعرف جميعًا ما تستحق كلمة “العم سام «من ثقة. على أقل تقدير، لا يوجد دليل علني على أن الولايات المتحدة تدفع بالحرب وراء الكواليس .غياب مثل هذه الأدلة لا يعني بالطبع عدم وجود مثل هذه التحركات.
حتى كتابتنا لهذه السطور (9 أكتوبر) تنتظر روسيا تنتظر عودة الأطراف للواقع والقبول بحل تفاوضي. إذا وعندما يحدث ذلك ،توجد خيارات ، بما في ذلك تحويل ناغورني كاراباخ إلى منطقة خاصة في أذربيجان ووضعها تحت الحماية المباشرة لروسيا أو منظمة معاهدة الأمن الجماعي مع نشر القوات الروسية في داخل اين كيه. بل من الممكن أن يكون هناك تواجد عسكري تركي في كل مكان (وحتى عدد قليل من المراقبين في الداخل!) لطمأنه الأذربيجانيين بأن القوات الأرمينية تركت المنطقة وبقيت خارجها.
يعلم الأذربيجانيون أنهم لا يستطيعون هزيمة أرمينيا دون المخاطرة برد روسي ، ومن المرجح أن يفهموا يجدوا أنه لا يمكنهم غزو ناغورني كاراباخ.
من الجيد والممتع لعب الورقة “متعددة النواقل” ، لكن روسيا لن تحترم هذه القواعد بعد الآن. رسالتها بسيطة: “إذا كنت كلبةالعم سام “، فدع “العم سام “ينقذك ؛ إذا كنت تريد منا مساعدتك ، فامنحنا سببًا وجيهًا للغاية: نحن نستمع إليك “.نحن لكم صاغون.
يبدو هذا الموقف معقولاً للغاية بالنسبة لي ، وآمل وأعتقد أن روسيا ستتمسك به.
ملاحظة: آخر الأخبار هي أن بوتين دعا وزيري خارجية أذربيجان وأرمينيا إلى موسكو لإجراء “مشاورات” (وليس “مفاوضات” ، على الأقل حتى الآن) مع سيرجي لافروف كوسيط. ربما يمكن أن تنقذ الأرواح لأن السلام السيئ أفضل دائما من حرب جيدة.
آخر الأخبار (9 أكتوبر –01-010 بالتوقيت العالمي) هي أن الروس أجبروا أرمينيا وأذربيجان على التفاوض لأكثر من ثلاثة عشر ساعة ، في نهاية اليوم اتفق الجانبان على وقف إطلاق النار الفوري وبدء مفاوضات جوهرية. بصراحة، بالنظر إلى العداء الشديد للطرفين تجاه بعضهما البعض، فإنني أعتبر أن هذه النتيجة شبه معجزة. ومع ذلك ، نحتاج الآن إلى معرفة ما إذا كان بإمكان روسيا إقناع الجانبين بالالتزام بهذه الصفقة.
فيما يلي ترجمة للتقرير الروسي الأول حول هذه النتيجة:
بيان صادر عن وزراء خارجية الاتحاد الروسي وجمهورية أذربيجان وجمهورية أرمينيا.
استجابة لنداء رئيس الاتحاد الروسي بوتين ووفقًا لاتفاقيات رئيس الاتحاد الروسي ، ورئيس جمهورية أذربيجان لفييف ورئيس وزراء جمهورية أرمينيا باشينيان ، اتفقت الأطراف على الإجراءات التالية:
1 – إعلان وقف إطلاق النار اعتباراً من الساعة 12:00 يوم 10 أكتوبر / تشرين الأول 2020 لأغراض إنسانية لتبادل أسرى الحرب وغيرهم من المحتجزين والجثث بوساطة ووفقاً لمعايير اللجنة الدولية. للصليب الأحمر.
- – ستكون المعايير المحددة لنظام وقف إطلاق النار موضوع اتفاقية أخرى.
3 – تدخل جمهورية أذربيجان وجمهورية أرمينيا ، بوساطة الرئيسين المشاركين لمجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا ، على أساس المبادئ الأساسية للتسوية ، في مفاوضات موضوعية بهدف التوصل إلى تسوية سلمي في أسرع وقت ممكن.
- يؤكد الطرفان ثبات شكل عملية التفاوض.