“منْ هَمّي..”
دليلة حياوي
والعالم يستشرف “موسم الولي الصالح فالِنْتينو”.. قفزت إلى ذهني تفاصيل طريفة بطلتها جارة سابقة وضعها القدر في طريقي وأنا أخطو بِرَهْبة وخوف بين شعاب الشهور الـ18 الأولى من غربتي.. أي مولدي الثاني بالمهجر وما عقبه من محاولات حَبْوٍ على كِبَرٍ.. ثم وقوف فاشل\ناجح.. فَمشْيٍ.. فنُموّ أسنان تبدو للغير أنياباً مع الأسف!..
كانت “Dali” وهذا اسمها المشابه لحروف اسمي الأولى.. لاجئة سياسية جورجية.. استقدمَها الصليب الأحمر وابنها اليتيم إلى روما دون امتيازات تذكر.. على خلفية تأليف زوجها الراحل لكتاب ينتقد استقلال بلدهم عن روسيا الاتحادية.. وما تلاه من فقدانها للوظيفة الحكومية وما تحتكم عليه من عقار ومنقول وغيرهما.. ورغم ذلك فقد كانت بمثابة أخت كبرى بحقّ.. متدفقة العواطف جياشتها.. حنونة ومِعْطاءَة بمبالغة تطبع كل تصرفاتها.. فإذا احتضَنَتْ أو كَرِهَتْ أسرفَتْ.. وإذا ضحكَتْ أو غضبَتْ أسرفَتْ.. وإذا استغرقَتْ في النوم أسرَفَتْ وأيقظ شخيرها سكان العمارة.. وإذا جافاها النوم أسْرفَتْ في حركتها بين جدران البيت وأزعجَتْ سكان الحي المجاور.. وإذا مدحَتْ أو انتقدَتْ أسرفَتْ.. وإذا طبخَتْ أسرفَتْ في استعمال الثوم والكرنب\الملفوف.. وبالطبع إذا اجتاحتها موجة خيبة أو يأس أسْرفَتْ.. لدرجة أنها في منتصف يوليو.. لا تميز بين صفاء الشمس وكثافة غيوم لا يراها غيرها.. كما لا تميز في منتصف أبريل بين زقزقة العصافير وزمجرة رعد يشق أسماعها دون سواها..
واعتبارا بحداثة غربتي أثناء ملاصقة مسكني لمسكنها.. كنتُ أجنح إلى ترجمة معاني “الفضول المراكشي” حرفيا كلما تحدثتُ بالإيطالية.. فمثلاً حينما يجمعني وإياها الممر أو المصعد في الصباح.. لا أتمنى لها يوماً\صباحاً سعيدا كما هو متعارف عليه.. بل أترجم “كيف أصَبْحْتِ؟”.. وأجوبتها أثناء موجة اليأس المذكورة كانت لا تنأى عن: “لا أزال أتنفّس.. مع الأسف”.. أو “أحيا ضياعي ما بين الاشتراكية والرأسمالية”.. أو “أقبرتُ حُلماً آخر في ليلتي”.. لدرجة أن لساني مرة فاجأها وفاجأني بصيغة: “أَتُحبّينَني؟”.. غير المنتظرة في التحيّة.. وبعد استفسارها عن السبب ابتدعتُ ردّا مفاده أنّ “نعم\لا” منها تحديدا فارقة.. لأنها امرأة صادقة.. لتجيب: “نعم.. ونعم ونعم لو كان الأمر سيسعدك”..
وفعلا.. أسعدني نجاحي ذاك الصباح في جعلها لا تتفوه بجُملها المحبطة للآمال والمثبطة للهِمَم والعزائم.. لكن أسعدني أكثر في المساء عثوري على أرنب فرو أحمر بعتبة بابي.. وبين يديه قلب أبيض عليه جملة: Ti amo .. وبطاقة مكتوب عليها بخط يدها: “إنها إجابة نهائية.. لكن متجددة”..
ما سردته يبدو عاديا.. لكن ألا ترون معي أن سؤالي في حدّ ذاته رغبة دفينة في أن أُحِبَّ وأُحَبَّ.. تصريحا وليس تلميحا؟.. ألا ترون أن الإناء النّاضح بما فيه عادة.. نضح حينها برواسب سنين تخلو من عبارات دافئة.. تماما كما يخلو تاريخ مغربنا من قصص العشق ما عدا الأسطورة اليتيمة.. “إيسلي وتسليت”؟.. ألا ترون أنه يحق لي أن أستعير من فبراير 2010 عنوان إطلالة بوبتُ لها بـ:”هل نعرف الحب؟”.. وكانت مهداة إلى قارئة عاشقة مقيمة بالمغرب راسلتني بهذا الشأن لشهور؟.. ألا ترون أنه وبعد انقضاء 3 سنوات كاملة.. تجدونني في نفس الفترة من الزمان أتمتم من جديد: كمغاربة.. هل نعرف الحب؟.. وإذا حدثت المعجزة وعرفناه.. هل نجيد فنّه؟.. وإذا تكررت المعجزة حتى بتنا نجيد فنّه حتى الإتقان.. هل نغدقه على من حولنا؟.. أم نضنّ به لدرجة احتكار تبدو وكأن “الكاف” بها “قاف”؟.. ألا ترون أن المرأة المغربية لا تسمع عبارة “أحبك” من أمها أو أبيها أو أخيها في الصغر قبل أن تطمح لسماعها ممن ستقاسمه الحياة في الكِبَر؟.. ألا ترون أن أسرى مفاهيم الفحولة المغلوطة.. واللائمين المستنكرين والعائذين بالله من ارتباط المغربية بالأجانب العُربان والشيعة والعُجمان.. دون أن يحركوا ساكنا.. لا يفقهون كون المغربية ليست “Wonder woman “.. وبأنها بحاجة إلى كلمة حانية.. ولمسة شافية كالقوارير التي حث على الرفق بهن الرسول الكريم (ص)..؟
عن تجربة حياتية ليست باليسيرة اعتباراً بسنين عمري العديدة.. فبدوري لم أسمع قبلاً عبارات حبّ من رجلٍ بما في ذلك “بابا” الذي يجري في عروقي دمه.. قبل أن يتفوّه بها والد صديقتي.. الإيطالي “ميكيلي” الذي لم تُثنه أعوامه الـ85 وتنفسه الاصطناعي.. عن تثمين عيادتي له إثر مغادرته المستشفى هامساً: “amore\حبيبتي!” .. “che tesoro di figlia sei\ يا لَكِ من كَنْز يا ابنتي! “..
يااااه.. لَكَمْ هو مؤلم المثل: “مْنْ هَمّي.. أنادي الفأر عَمّي”..