انت هنا : الرئيسية » الواجهة » حمدي العطار: الروائي ناطق خلوصي يقدم: شخصيات واقعية برؤية فنية في رواية (بستان الياسمين)

حمدي العطار: الروائي ناطق خلوصي يقدم: شخصيات واقعية برؤية فنية في رواية (بستان الياسمين)

بغداد – حمدي العطار:

رأي اليوم

الواقعية التي تعالج مشاكل وهموم الطبقة الوسطى (البرجوازية ) تختلف عن الواقعية المفرطة ذات الطابع العقائدي، فواقعية مكسيم غوركي تختلف عن واقعية نجيب محفوظ، وهناك واقعية تملك تجربة قريبة من الشخصيات وقد تصل الى حد المباشرة ولا ينقذها الا البصيرة والرؤية الفنية لتتحول الشخصيات الواقعية الى شخصيات روائية! تأتي رواية (ألف) للروائي البرازيلي “باوو كويلو”عام 2011 وهي تتحدث عن شخصية تقوم برحلة الى افريقيا والى اوربا وآسيا لاكتشاف الذات ويلتقي البطل بعازفة الكمان (هلال) ليكونا معا للحصول على السعادة الحقيقية رغم صعوبات تواجههم، كذلك رواية (الفقراء) او كما يطلق عليها البعض (المساكين) للروائي الروسي”دستويفسكي” وهي الرواية التي كتبها وعمره 24 عاما وكان في السجن، وتحدث فيها عن حياة بعض المساجين، اما واقعية نجيب محفوظ عن الطبقة الوسطى في مصر فهي تمثلت بالروايات الاجتماعية (الثلاثية) وكذلك رواية (اللص والكلاب.).

الروائي (ناطق خلوصي) في روايته (بستان الياسمين) يقدم لنا عيوب الطبقة الوسطى في العراق، على الاخص بعد الاحتلال الامريكي، وانتشار الفساد في جميع مناحي الحياة ، وغياب القانون وسيادة الفوضى، فالشخصيات عنده تتوزع تقريبا على اكثر من محور، (مسعود ) الشاعر يمثل (الجانب الادبي والثقافي) ، (سالي)  مطلقة وعاقر تبحث عن التعويض في فشل زواجها والفراغ العاطفي عن طريق الحصول على شهادة علمية كطالبة الماجستير تمثل ما وصل اليه التعليم العالي من تصدع وتراجع في مجال البحث وكتابة رسائل وأطاريح الدكتواره (الجانب التعليم العالي – التحصيل الدراسي) شخصية تمثل الفريسة الجاهزة للصيد ! وشخصية الدكتور (أشرف شاهين ) الاستاذ الجامعي الفاسد (مهنيا واخلاقيا) والانتهازي والذي يسهم في تدني مستوى التعليم العالي بدلا من تحصينه بالبحث والدراسة من خلال (كتابة رسالة الماجستير لطالبته سالي مقابل المال وأشياء أخرى) ، شخصية (سميح الوادي) رجل اعمال وصاحب نفوذ سياسي وهو من مخرجات الاحتلال والنظام السياسي الجديد والد سالي!غير مقنع لزوجته (جنسيا) وغير قادر للسيطرة على بناته  الثلاث(سالي )  والوسطى سلوى والاخت الصغرى سوسو)التي مارس معها الجنس سائق ابيها الخاص!

شخصية (وائل) الطبيب ابن الشاعر مسعود، يمثل ما يعانيه الاطباء في عملهم المهني وتعرضه الى التهديد والابتزاز في حالة موت المريض وتتحول القضايا من (الموت بيد الله) الى (قتل بسبب الطبيب) ومطالبته بالتعويض المالي، ما يدفع هذه الشريحة الى الهجرة والعمل خارج العراق (بيئة طرد للكفاءات العلمية)

شخصية (سهير) زوجة وائل ، وعنصر نسائي آخر مضطرب، تتقرب من عمها الشاعر في غياب زوجها بسبب السفر وتحاول ان تجعله يمارس (الجنس معها) – الزنا بالمحارم- ولم يكن العم (الشاعر مسعود) بريئا من هذا التقارب والاستدراج وكان ينظر لها كمرأة جميلة وليست كزوجة ابنه! لو لا تراجعه في اللحظة الاخيرة لتعرض الى السقوط الاخلاقي مما ينعكس على تقييم شريحة الكتاب والشعراء الذين يمثلهم في الرواية! شخصيات مثل (نائل ورفيف ونبيل وربيعة وابنتها ميس في بيروت وتايه ) وكذلك (الجنود في السيطرات ) وطريقة تصرفهم غير الاخلاقي مع النساء ! كل من هذه الشخصيات كانت تمثل اتجاها وسلوكا منحرفا ومحرما وخطأ ، استطاع الروائي ان يقدم شخصيات الطبقة الوسطى بعيوبها وسلبياتها وأنا نيتها ونرجسيتها، لا يخلو السرد من ذكر الاسباب حتى يتمكن السارد  بما يملك من البراعة اللغوية وقوة الملاحظة من تبرير بعض السلوكيات لهذه الشرائح الاجتماعية! شخصيات الرواية يمكنك التعرف عليها من دون ان تبذل جهدا كبيرا فبمجرد ظهورها سوف تتذكر مثيلاتها في الواقع من خلال تدفق سردي متقن وحوارات فنية ذكية! التوقع والرغبة في معرفة مصير الشخصيات وخواتم الاحداث تلازم القارئ منذ بداية الرواية (هل سوف ينجرف الشاعر والمثقف والارمل مسعود ليمارس الجنس مع زوجة ابنه المسافر؟) (هل سالي تستطيع اغراء الشاعر مسعود في ممارسة الجنس معها من خلال ما تفعله من حركات واحاديث جنسية موحية على الاخص عندما يكونان وحدهما في بيت البستان؟) ( هل خيانة سهير لزوجها لها ما يبررها ؟) (هل سوف يمارس الشاعر مسعود الجنس مع لميس بعد ان مارس الجنس مع امها في بيروت؟)

يقدم الروائي ناطق خلوصي مفهوم (الهروب) او الانسحاب من الحياة كطريقة للدفاع عن (النفس ) كما في حالة الطبيب (وائل) وللدفاع عن المبادئ كما في حالة (الشاعر مسعود) وكطريقة للانتقام كما في حالة (سهير) وللهروب من الفشل والفراغ العاطفي والعقم كما في حالة (سالي) .

رواية (بستان الياسمين) التي كان يعتقد القارئ بإنه سوف لا يشم الا رائحة الياسمين منها كما يمهد الروائي هذا التصور بهذه العبارة ((لقد بذلت ما أستطيع لأن يطغى الياسمين على المكان))  على الرغم من العنوان الرومانسي فالقارئ ولا يشم الياسمين (الورد) بل هو يشارك في وخزات (الاشواك ) التي كثيرا ما تسبق الحصول على الجمال والعطر الساحر للازهار والورود.

*شخصيات رمزية

التحولات السياسية والانعطافات الايديولوجية انعكست كثيرا على البناء السردي وخلق الشخصيات الروائية، فبعد تراجع وفشل اليسار منذ فترة الثمانينيات من القرن الماضي صار البطل في الروايات لا يمتلك مواصفات متكاملة وجاذبية ثورية واضحة المعالم، صرنا نرى خيبة الامل وذاك الانكسار والانعزال الذي نعيشه في صورة البطل بالرواية، وظهر مفهوم (البطل المهزوم) أو (اللابطل) .

شخصية البطل في رواية (بستان الياسمين) – الشاعر مسعود- يعاني من الوحدة والانعزال صعوبة التكيف مع الوضع الجديد!”لم يعجبني الوضع هناك.إنهم حديثو نعمة. من الطبقة العراقية الجديدة كما تسمونهم يا نبيل”ص90 ، نبيل هو زوج رفيف بنت الشاعر مسعود! وكلاهما- مسعود ونبيل- يعانون من الضعف البشري، وقد يرتكبون الاخطاء الخطيرة بحق انفسهم والاخرين! يرد نبيل على عمه (أنهم من الحثالات الذين وجدوا فرصة التسلق السريع إلى مواقع جيدة ما كانوا يحلمون بها قبل الاحتلال. لا أشك في أن رب الأسرة- سميح الوادي- (اب سالي) هو أحد لصوص المال العام”94

الجزئية التي تخص علاقة (سهير) زوجة الطبيب (وائل) ابن (مسعود) هي محل ادانة لكل الشخصيات المرتبطة بالأحداث بهذه العائلة، فتقرب (سهير) وتحرشها بوالد زوجها يلقى التشجيع من عمها على الرغم من تراجعه في اللحظات الاخيرة “-لم أسمع غنائك من قبل، وغرفتكم فوق غرفتي. تصوري إنني كنت أسمع حتى حركة اهتزاز السرير فأضحك/ – حقا ؟ لقد انفضحنا إذن. لا بأس. لست غريبا”ص40

وحينما يقارن مسعود بين (سالي) وزوجة ابنه (سهير) يقول (لا وجه للمقارنة بينها وبين سالي هذه:سهير من معدن نفيس وسالي من معدن رخيص ومبتذل ) لكن في النتيجة كلاهما يمارس نفس الخطأ (الخيانة والزنا) مع اختلاف الاسباب! والعم الشاعر لا يمانع الاحتكاك ولا الاغراء ولا حتى القبل مع سهير زوجة ابنه المسافر (وجدها تقترب منه حتى يكاد جسدها يلتصق بجسده. نظرت إليه بعتاب وقد انفك عنها وما لبثت أن ابتسمت بخبث ..وحين بلغ غرفة نومه ألقى جسده على السرير وبدأ يحاكم نفسه وقد استبدت به حالة لوم وتقريع شديد)ص51 ، لكن شخصية سهير تكاد  تكون جاهزة للخيانة وناضجة لممارسة الجنس من غير زوجها، فعلاقتها بالمراهق وسام ومداعبتهم الجسدية في شقتها بلندن مؤشر على ذلك، وتأتي خيانة زوجها وائل مع الممرضة الهندية (نرجس) تدفعها الى احضان (نبيل) زوج اخت وائل “اريد مكانا ننفرد فيه لوحدنا/ – معي مفتاح بيت اختي/ خذني أليه – خذني إلى غرفة نوم أختك/ – فأدرك أنه وقع في الفخ وصار يلوم نفسه”ص196

علاقة الروائي مع الشخصيات

ناطق خلوصي متساهل جدا مع أخطاء شخصيات الرواية لأن الثنائية عنده ، الاشرار يتحمل وزر المأساة العراقية ويدفعون الثمن لذلك يقسو عليهم جدا (الاب سميح) يطلب للتحقيق في قضايا فساد ويصاب بالشلل، أبنته (سالي) تنهار في مناقشة الماجستير ويغمى عليها، الدكتور الفاسد (اشرف ) يطلق زوجته ويفقد بيته ويهرب من قاعة المناقشة، بينما تمر اخطاء (سهير ونبيل زوج رفيف بنت مسعود عندما يمارسون الجنس بدون عقاب او حتى فضيحة ولا ندم) وكذلك (اخطاء مسعود) حينما يتغزل ويستدرج زوجة ابنه (سهير) من دون محاسبة ولا عقاب ليس الا الاسترخاء والمراجعة الناعمة في نهاية الرواية “استلقى على سريره ووجد أن عليه هو الآخر أن يبدأ بمحاكمة نفسه الآن”ص213

شخصيات سلبية

شخصيات الرواية من الشمولية والتنوع والتفاوت ما يجعلنا عندما نقرأ الرواية كأننا نتابع فيلما سينمائيا او دراما تلفزيونية، اهتم كثيرا الروائي (ناطق خلوصي) بتأثير المكان على الشخصية الرئيسة (الشاعر مسعود) وكأن بغداد كلها لا تعادل هذا المكان الذي يطلق عليه مسعود (المشروع) ويلاحظ القارئ ان الاخطاء لا تحدث في بيت البستان بل في بيت (العائلة القديم) والاماكن الاخرى، حتى ان (سالي) بمواصفات الفريسة الانثوية حينما تقرر ان تبيت في بيت البستان وحاولت اغراء مسعود لم يستجب لها! وكأن المكان بالنسبة اليه مقدس، على الرغم من انه نام مع امها في ذلك البيت” تظل المسافة بيني وبينه- تقصد زوجها- باردة فأشعر بقشعريرة تهز روحي وليس جسدي. هذه هي حالنا منذ ثلاث سنوات.. ما هذا يا رجل؟ أريتنا كل مكان في البيت بأسثناء غرفتك./ أطرق خجلا فرن صوتها: – لماذا سكت؟ أتستحي مني؟/ ضحك: – ليست لي غرفة. قسمت ما أملك وأنا حي/ – لا تمزح معي. لن أترك البيت دون أن أراها/ ساوره شيء من الشك حول اطبيعة نواياها. فتح باب الغرفة: – تفضلي هذه هي غرفتي المتواضعة”ص97 وفي  مقطع اكثر اثارة ولكن في بيت البستان ومع ابنتها سالي التي تنام معه على نفس السرير للصبح فلا يفعل لها ما فعله مع امها”انتبه إلى أنها تقترب بجسدها منه وتحتك به وكأنها تسعى إلى إثارة رغبته فيها دنت برأسها من رأسه وهمست له: – حين أخبرتها أنني سأبيت هنا قالت: هنيئا لك ستتمتعين بوقت  رائع هذه الليلة/ نظرت إلى وجهه وكأنها تنتظر رده، فاجأه رده بعد لحظات صمت طالت بعض الشيء:- تذكري أنك ضيفتي وأنك أمانة أهلك لدي/ – لكن أمي كانت ضيفة لديك هي الأخرى/- الأمر مختلف معها…(وانا لا اجده مختلفا) فجأة تفجر صوت رصاص قريب وبشكل غير اعتيادي وبدأ كأن المنطقة تتعرض لهجوم مباغت..سالي تلبسها الرعب وها هي تقتحم علية الغرفة وتلقي بنفسها في حضنه وهي ترتجف../ها أن الرصاص توقف. عودي إلى مكانك/ قالت بإصرار عنيد وقد صارت تزداد اقترابا منه – لن أترك هذا السرير حتى الصباح/ استيقظ صباحا وهي تغط في نوم عميق وكانت قبل ذلك قد ازدادت من احتكاك جسدها بجسده وحاولت إثارته بألاعيب أصابعها الماكرة لكنها لم تفلح في ذلك”ص147ولا يرمم الروائي ما هدمه من شخصية مسعود وهو يحدث نفسه عندما اضاع فرصة النوم وممارسة الجنس مع سالي ويبدو ان شخصية مسعود متناقضة “سأل نفسه:هل كان عليه أن يستجيب لنداء جسدها وهي في (ضيافته) كما أنها في عمر (أبنته)؟ هل خان المبادئ التي يحملها وفرط بالقيم التي ينادي بها؟إنه رجل قبل كل شيء: له مشاعره وأهواؤه ونزواته مثل أي رجل يعاني الحرمان الجسدي”ص151

العنصر النسائي

عدا شخصية (رفيف) بنت مسعود فجميع الشخصيات النسائية عليهم مؤشرات جنسية! ينقلنا الروائي الى بيروت- بحجة طبع ديوان الشعر الجديد لمسعود هناك- واصل المسألة هو لقاء عشيقته (ربيعة)”امرأة تجمع بين الفتنة والجرأة وحسن التدبير..أنها أرملة ضابط استشهد في الحرب وخلف لها بنتا صغيرة.. فتحت بيتا ضمت أيه أربع (بنات) حسناوات..أعتاد زيارة البيت بين حين وآخر وكان يفضلها على (البنات) ” وتشوب علاقة مسعود ببنت ربيعة (ميس) الغموض بينما يظهر من السرد ان مسعود لم يمارس الجنس معها (- كيف كانت ليلتكم؟/ وجد نفسه مضطرا لأن يكذب:- على اروع ما يكون) بينما تدعي (ميس)  بعد أشهر أنها حامل من مسعود!! لا يخلو الحوار من أشارات الى تأثير الحروب على الاخلاق والشرف (- أريد أن أسأل.أما زالت بنات بغداد معك؟/ ضحكت:- لا يا عمي أي بنات بغداد؟ أي بطيخ؟ أحلتهن الى التقاعد.أضخ دماء جديدة كل عام/ – ومن أين تحصلين على هذه الدماء الجديدة؟/ أوه ه. كثيرات تمدنا الحروب بالجديد منهن كل عام)

الخاتمة

ملامح الشخصيات الروائية عند ناطق خلوصي على الرغم من التركيز على الهم الخاص لكن خليفة الشخصية تنطلق من فكر سياسي ومواقف متباينة بين الشخصيات، الشخصيات تمثل الوان الطيف الاجتماعي والنفسي  في العراق، تدخل الروائي في الحوار واضح من خلال شخصية البطل فهو يعبر عن وجهة نظر الروائي ، باقي الشخصيات بين مؤيد ومناقض لتلك الشخصية لكنهم جميعا يعترفون برجاحة العقل والتفكير والسلوك للبطل! وتلك هي المشكلة.!

عن الكاتب

عدد المقالات : 1688

اكتب تعليق

الصعود لأعلى