انت هنا : الرئيسية » الواجهة » الروائي عبد الزهرة علي يقدم: شخصيات قلقة من الواقعية الكتابية في رواية “زهايمر”

الروائي عبد الزهرة علي يقدم: شخصيات قلقة من الواقعية الكتابية في رواية “زهايمر”

بغداد – حمدي العطار

رأي اليوم

ترى بعض الدراسات النقدية ان من الخطأ الشائع لدى بعض الكتاب هو (الفصل بين القالب الادبي ومحتواه ) وهذا يؤدي من وجهة نظرهم الى ان الرواية تسقط (ضحية الاستيعاب المحدود والضيق لقضايا الواقعية) ومن هنا ظهر تيار (الواقعية الكتابية \ النصية المطلقة) وهي التي تميز بين واقعية الشخصيات وواقعية الاحداث ، وكما عبر عنها (جورج لوكاش) بالانسجام بين  أن يكون (الشكل هو المضمون والمضمون هي شكله) عليه يجب الاهتمام في الروايات الواقعية الكتابية على (الاحتمالات) في قراءة الواقع المعيشي! وصاحب هذه الرؤية في مجال الروايات هو الروائي التونسي (إبراهيم درغوثي) في رواياته (الدراويش يعودون الى المنفى) و( القيامة الان) و(شبابيك منتصف الليل) وكذلك الروائي المغربي (أحمد المديني) في روايته (الجنازة)، ورواية الجزائري “محمد عرعار” (زمن القلب) تدخل في هذا الاتجاه الواقعي. اما في العراق فإن رواية (جاسم وجوليا) للروائي “زيد الشهيد” تنتمي الى الواقعية الكتابية كما في دراسة الناقد “محمد يونس” التي اطلق عليها توصيف (قرينة الواقع).

شخصيات قلقة

في رواية (زهايمر أكس) وهي علامة النفي والرفض للروائي “عبد الزهرة علي” فهو قدم شخصيات غير مستقرة نفسيا او قلقة جدا، وهذه هي بيئة الواقعية الكتابية ، التي تتصف بالقسوة والتعاسة وانحطاط الزمن، وحاول الروائي ان يخلق شخصية رمزية (شاعر قد مات منذ زمن) وهو (الرصافي) ان تضمين شخصية الرصافي في النص الذي يتابع شخصية (فاهم) وهو الذي يكتب الرواية ، والاسماء في هذه الرواية مهمة وفيها معاني ورموز، فهناك شخصية تمثل الشر في زمن صدام وتتحول الى زمن الاحتلال والديمقراطية بثوب مغاير لكنه ايضا يمثل الشر ، الاسم هو (فرهود) ، والان لماذا الرصافي، وتمثاله ، في الاهداء يزج الروائي بعبارات تدل على اهمية كتابة الحقائق ( لئن أرضيت الحقيقة بما أكتبه لها، لقد أسخطت الناس علي، ولكن لا يضرني سخطهم إذا أنا أرضيتها) وكذلك قول الرصافي “أكتب للحقيقة وحدها لا شريك لها عندي” اما العنوان (زهايمر اكس) فهو لا يعني به مرض فردي يصاب به شخص كبير السن وتضعف ذاكرته وتركيزه ! فالزهايمر هنا هو جعل الشعب كله ينسى هويته الوطنية (أنهم يردوننا ان نصاب بالزهايمر..!)ص11 ودائما على لسان (فاهم) الذي يمثل الروائي تأتي كلمة زهايمر بأوضاع تدل على الهوية الجمعية ( لماذا الموت يلاحقنا مثل ظلنا… ايريدون ان نصاب بالزهايمر كي ننسى الحياة)ص45 ، “قلت بصوت مسموع ان فرهود والمفسدين امثاله يدفعوننا كي ننسى ما يحصل في البلاد … يردوننا ان نصاب بالزهايمر”ص124 ، لكن الشخصيات التي تمثل الناس ، وهي لديها رسالة ووظيفتها المحافظة على الذكرة الجمعية للشعب  تقف ضد هذا المخطط ومقتنعة ب”استحالة محو الذاكرة العراقية”.

تنويع مستويات السرد

في هذه الرواية التي لا تكتفي بنقل الواقع وانتقاده بل في جعل الامل موجود لدى المتلقي لو توفرت رؤية واعية للأحداث فالشخصيات الشريرة مثل (فرهود) يموت بالتفجير، والشخصية المشعوذة الشاذة (نوال) – العمة- تموت منتحرة، والاب (عواد) الذي يرضى ان يبيع ابنته الجميلة (هيفاء) يفقد ذاكرته ويصبح متشردا،  عناصر الخير يصيبها الالم والمعاناة وحتى الموت وهذه تعد تضحيات للمحافظة على كيان الوطن، موت الشاعر (جميل) واغتصاب (وديعة) هي نماذج لما تقدمه قوى الخير عند مواجهتها للفساد والظلم والاضطهاد. تنوعت مستويات السرد على شخصيات الرواية ، الشخصية المحورية (فاهم) اخذ من السرد (8) فصول، وتوزعت باقي الفصول على (جميل، وفرهود، وعواد، والرصافي) من الرجال ومن النساء (هيفاء والعمة ووديعة)

شخصيات تمثل تجربة الالم

الروائي “عبد الزهرة علي” يكتب روايته منطلقا من تجربة الألم ، وهذا الالم لا يمكن تهدئته إلا بالوهم، ومن هنا استحضر دعما من التراث شخصية الشاعر والاديب (معروف الرصافي) ولا يخلو السرد من استخدام منهج استباق الاحداث ربما الهدف منه رفع مستوى التشويق “صعقتني جثة الرجل المسجى على الرصيف.. ” لم يكن هذا الرجل شخصا مجهول بالنسبة لفاهم – كما سنعرف لاحقا- بل هو صديقه الوحيد (جمال) لكن السارد يذهب باتجاهه آخر ليجعل المتلقي يسترجع هذا الحدث فيما بعد “تركت الشرطة تحمل الجثة وسرت باتجاه الشورجة.. كانت المحال مغلقة والشوارع خاوية الا من هياكل الكونكريت التي تحيط بالبنك المركزي. قبل ان اصل إلى ساحة الرصافي”ص7 اذن هو يريد ان يبدأ بشخصية وهمية ليتحمل الم رؤية الرجل المسجى قبل لحظات وهذه التهدئة لا بد ان تأتي من شخصية لا تعيش في هذا الزمن “استحضرت صورته .. بين دهشتي وحلمي ورؤية انسلاخ الرجل – الرصافي- من التمثال..تيقنت اني اقابل من اريد..

  • اهدأ .. قالها ثم اضاف..رؤياك في ضباب.. أنت في الضفة الآمنة.. ولم تضع..
  • اين مكان الأمان يا سيدي.. ذلك الجسر المصبوغ باللون الأخضر الفستقي.. ذلك الجسر الذي سالت عليه دماء المتظاهرين عام 1948.. هو ما زال شاخصا..لكن الشمعدانات التي تضيء في الليل.. قد أهملت ونسيت قناديله التي كانت زينته وشاهدته..الزمن يتغير..نحن نرى عقارب الساعة تتقدم إلى الأمام بينما الزمن يرتد إلى الوراء.. جئتك سيدي كي تشاركني حكايتي..ثمة اشخاصا ينتظرون روايتي حتى يشاطروني فرحتي واحزاني فيما اكتب.. لذا اريدك ان تكون جنبي عابرا كل انهر الزمان والمكان التي تفصلنا”ص10، ويستمر حضور الرصافي كلما اصاب فاهم اليأس او التردد، حتى هو الذي يقنع فاهم بالزواج من حبيبته التي اغتصبها (فرهود) (وديعة)”-يعني الامانة- انت عاشق يا فاهم..ومن يعشق لا يستطيع ان ينسى أو يتخلى ..أصدق القول لقلبك..وتوكل”ص122

    شخصيات ام رموز

اذا كانت وديعة وحادثة اغتصابها من قبل فرهود تماثل مدينة بغداد وما تعرضت له من اغتصاب على يد الاحتلال الامريكي (هي وبغداد واحد، كلاهما قد اغتصبا) واذا اكتشاف الشاعر جمال بأنه لقيط ، ويصبح متشردا  ( ذات يوم ستعرف البلاد ان شاعرا مات مهملا فوق هذا الرصيف )ص123 ، وهذا هو تكملة للمشهد الاستهلالي في الرواية.شخصية فرهود هي ايضا تمثل رمزا سلبيا للوضع الحالي وما تمثله هذه النماذج الفاسدة في الحياة العامة ، فبعد ان اعدم النظام السابق عمه، وفشله في المدرسة واهانته من قبل المعلم (- ما خاب من أسماك فرهود) ويمارس كل النذالة في ذلك الزمان حتى تصل به الحال الى اغتصاب حبيبة فاهم (وديعة) ..ويركب الموجة الجديدة بعد ان كان يشتم عمه بدأ يقول لنفسه “أنا أبن أخ المعدوم من قبل النظام السابق ..والان من حقي ان احصل على شيء من كعكة البلد” ولا يكتفي بالعمل مع الفاسدين من الحكام بل يخطط لاستخدام الفاتنة (هيفاء) بنت عواد ليقدمها هدية للحجي “استدارت الفتاة معه.أشعلت سيجارة. أخذت أدخن بهدوء وانا اتملى مذهولا الاغناء الرائع لوركيها.. أحسست بأني اغور في طيات جسدها البض والطافح بالنشوة..سحنتها المترعة بالبياض تجعلني أشعر بالرضا والارتياح تجاه الحياة..- ألو حاج..\-حاج..أنت ضيفي في المزرعة في الخميس القادم| نعتبرها عيد ميلاد.. ستكون هناك لك مفاجأة مذهلة”ص53 ، حفلت الرواية بشخصيات غنية ومكتملة النضوج على الرغم من طوق الغموض الذي يلقي بظلاله على الرواية ، لكن المتلقي الضمني سوف يحلق في فضاءات فلسفة الحداثة البعيدة عن قيود العمل الروائي التقليدي ، انه التجريب والتجديد في اسلوب المعالجات الفنية للشخصيات عند الروائي عبد الزهرة علي،” الكتابة هي حياتي، عندما اعجز عن الكتابة فسوف اموت.. لكن بوجودك جنبي سأموت عاشقا”

الخاتمة

أثارت رواية (الزهايمر) الكثير من القضايا الفكرية والسياسية والاجتماعية ، وهي كانت قادرة على تحريك المشاعر والاحاسيس لدى المتلقي، ومن خلال تكنيك عالي المستوى في الانتقال بالصور والشخصيات من زمن نص قديم – الرصافي وكتبه واشعاره وحياته- الى نص معاصر نتج عنها صيغ وافكار جعلت الشخصيات تتحول من التعاسة الى السعادة الممكنة في ظل مجتمع غير مستقر.

عن الكاتب

عدد المقالات : 1687

اكتب تعليق

الصعود لأعلى