انت هنا : الرئيسية » الواجهة » حمدي العطار: الروائية ولام العطار تقدم: شخصيات من كواليس الحروب في رواية (انتظرني.. ريثما أجدني

حمدي العطار: الروائية ولام العطار تقدم: شخصيات من كواليس الحروب في رواية (انتظرني.. ريثما أجدني

بغداد – حمدي العطار:

رأي اليوم

كثيرة هي روايات الحروب تبعا لكثرة وقسوة الحروب، وفي معظم روايات ادب الحرب هناك ثيمة لعلاقة الحب حتى تتوازن المتناقضتين بين مفردتي ( الموت والتمسك في الحياة )، فهناك رواية (الحرب والسلام) ليو تولستوي، حول اجتياح نابليون لروسيا. ورواية (كل شيء هادئ على الجبهة الغربية) للروائي (ريمارك)تدور حول الحرب العالمية الأولى. وهناك روايات عن الحرب العالمية الثانية مثل (لي سيرفيس) والتي تتناول قصة حب صبي فرنسي مع فتاة بولندية في زمن الحرب العالمية الثانية ، ورواية (جناح فرانسيس) تأليف “ايرين نيميروفسكي ” التي كتبت سنة 1940 وقتلت قبل طبع الرواية سنة 1942 وتنناول الاحتلال النازي لقرية فرنسية، وتقع فتاة فرنسية في حب جندي الماني، اما اقدم رواية عن الحب والحرب هي ملحمة (الاوديسية) وتتحدث عن رحلة أوديسوس ملك ايتاكا وانتظار حبيبته عودته من (حرب طراودة) من تأليف (هوميروس) ولا تقتصر روايات الحروب عن الحربين العالمية الاولى والثانية، فهناك حروب اقليمية وكذلك حروب اهلية، فرواية (لمن تدق الأجراس) للروائي الامريكي “ارنست همنجواي” التي تتحدث عن رجل أمريكي ينظم الى المقاومة المناهضة للفاشية خلال الحرب الاهلية الاسبانية، وكذلك رواية (وداعا للسلاح)، اما رواية (المحبوب) للروائي “توني موريسون” تتحدث عن الحرب الاهلية الامريكية، القصة حول أمرأة هاربة من الرق تحاول بناء حياتها بعد الحرب وتلوح فرصة للحب لكن الماضي يطاردها، ورواية (دروب الحرية) لسارتر، الروايات عن الحروب في الوطن العربي لها نصيبها وقد بدأت بعد عام 1967 في مصر بنطاق ضيق مثل اعمال (محمود حجازي والروائي جمال الغيطاني) وهي الاخرى تزج بعلاقات الحب كخط درامي موازي لقسوة وعنف والالم اثناء الحروب ، مثل رواية (دين الحب في زمن الحرب) للروائي المصري “محمد جاد هزاع” ورواية (الحرب من اجلك تقام) للروائية (سارة الجمال) ورواية (طبول الحب) للروائية مهنا حسن” ورواية (نار الحب والحرب) للروائي “عمار وزينة” .، في العراق حيث الحروب المتتابعة ، ظهرت في زمن صدام مجلدات لروايات غير عميقة وفيها الكثير من النفاق وتعبوية اطلق عيها (قصص تحت لهيب النار) لا احد يحتاج الى استذكارها فهي نتاج الحرب العراقية الايرانية وكانت ترصد لها مكافآت مالية كبيرة ، استمد كتابها قصصهم من واقع ارض المعركة مع وضع تصور للحياة في المدينة وقصص الحب بين الازواج والزوجات وكذلك بين العشاق اثناء الاجازات التي يتمتع بها الجنود! وكانت اغلب تلك الاعمال تمجد بالحرب وتدين الطرف الاخر بصفتها روايات تعبئة لزيادة زخم الحرب وتوجيه المشاعر المعادية للخصوم، ولعل ما كتبه الروائي اليساري “علي عباس خفيف” وروايته (عندما خرجت من الحلم) رواية كتبها ثلاث مرات وهو في الاسر بإيران صودرت منه مرتين وتم تهريبها في المرة الثالثة قبل عملية تبادل الاسرى عام 2000 هي الرواية الاكثر تعبيرا عن بشاعة الحروب ، والرواية الثانية هي رواية (صوت طبول من بعيد) للروائي “فلاح رحيم” تدور حول الحرب العراقية الايرانية لكن السرد يتنقل بين ساحات الحرب وخنادق القتال الى بغداد حيث البطل (سالم) والى الرمادي حيث حبيبته الفاتنة البولندية (بيانكا) التي تعمل في شركة لبناء مضخات الماء على نهر الفرات .وهي سردية عبرت بشكل جميل ورومانسي عن العلاقات العاطفية وتشابه المشاعر للشخصيتين رغم اختلاف الهويات ، ووجود الحرب والدكتاتورية في العراق، مع وجود حكم الحزب الواحد في بولندا.

بعد 2003 توجد اشارات كثيرة حول تأثير الحروب والاضطرابات السياسية والاحتلال الامريكي على الروايات العراقية، (لماذا تكرهين ريمارك) للروائي الراحل (محمد علوان جبر) تدخل في هذا المجال ، وكل الروايات التي تتناول المرحلة التاريخية الممتدة من سنة 1980 حتى سنة 2003 لا بد من وجود مفردة الحرب وكذلك الحب غالبا ما يحتل محور من محاور الرواية.

راوية (انتظرني.. ريثما أجدني) للروائية “ولام العطار”اختارت شخصياتها الروائية (سكينة داود) و(نوفل ناجي) من كواليس الحروب! وحاولت الروائية بما تملكه من (حميمية في الاسلوب) ان تدين الحروب وتعدها استثناء لا بد ان ينتهي سريعا “رفع رأسه مراقبا نبض الحب الذي بدأ يلون المكان، كان ثمة طيور فوق الرؤوس المتقابلة، ودلو قبلها الان، لو اخذها بين ذراعيه، واعلن بصوت عال يسمعه الكون كله، انه يحبها، لكنه احس ان وغزا بدأ ينخر فؤاده، الم حاد، جعلته سنوات الحرب جرحا.. لا يمكن الخلاص منه قالت..- الى متى نظل ننتظر؟ قال وهو يأخذ بيدها التي احستها خشنة، دافئة،.- لا ادري سكينة..لا ادري متى تنتهي هذه الحرب!!”ص17

اهملت الروائية الوصف الخارجي للشخصيتين، بينما ركزت اهتمامها على وصف ما تفكر وتشعر به الشخصيات من خلال الحوار، وفي المقطع السابق يوجد وصف ليد نواف من قبل سكينة كونها (خشنة) لكنها (دافئة) وهكذا هي ايادي المحاربين دائما ! من كثرة حمل السلاح في المعارك، والاستدراك كان ذكيا، فالمشاعر لا تصبح خشنة بل هي مشاعر (دافئة) على الرغم من الاعتراف بتأثير الحرب وما تغيره فينا “- لقد غيرتك الأيام؟!/ – مثلما غيرتك الحرب.. لولا هذه الحرب لكنا الان في مكان غير هذا..ولكان حديثنا غير هذا الحديث..!!…ما اقسى رجل يخاف وهو مملوء بالحب؟!!/ هذه هي المحنة..مملوء بالحب يواجه الموت كل لحظة..ما فائدة الحب ان رفرف موت الرصاص فوق هامات الرجال أو تراه قادر على ايقاف الزمن لحظة واحدة”ص19 وتظل البطلة سكينة في هذه الرواية لا تحدث الا نفسها لان حبيبها لا يقضي الوقت الكثير الا بأرض المعركة، وهنا التداعيات تتجسد من خلال التعبير عن اللحظات الانسانية غير العادية اثناء الحرب وتمتد الى ما بعد الحرب ، وترى النساء بإن هذه الحروب غير ضرورية وليست حتمية ولا تستحق التضحيات، انها حروب عبثية تغتال منهم السعادة وتحرمهم ممن يحبون “تبدأ حياتها بالانتعاش، تراقبها الأم متحسرة وهي تهيئ أجمل فساتينها وتقف طويلا امام المرآة، كانت ساعاتها المترقبة، مشحونة بالاحلام والرغبات والجنون، تقف الام محاورة وجودها داخل المرآة، :الى متى هذا الانتظار؟!! خائفة ان لا يوصلك هذا الدرب الى شيء!!/- لا يا أمي..نحن لا ننتظر سوى نهاية الحرب!!/ – يا له من انتظار عقيم..لا اظن انها تنتهي قبل نهاية اعمارنا!! هي رواية عن كواليس الحرب (الخطوط الخلفية).

شخصيات من لحم ودم

مساحة النفس البشرية تتسع لحجم المعاناة حينما يكون الحديث عن الحروب وويلاتها، ومن هنا يبحث الانسان كثيرا عن السلام والتعايش السلمي، ليتجنب الانغماس بالحروب الوحشية التي لا تقدم للبشرية الا الموت والعوق والفقر والخراب والدمار، وعلى الصعيد الانساني الذاتي لا يمكن مواجهة الحرب ومعارضتها الا (بالحب)، وعند النساء تكون الضريبة باهضة حينما تقع الحرب، ويكون الانتظار قاتلا!

” النسوة أكثر الكائنات على وجه هذه البسيطة حملا للألم الحرب وكوارثها، كل شيء يمضي، السلاح يوضع في مخازنه، والارض تتشبع بروائح البارود والدم، ورجال يعودون لممارسة ما يشأون من الأفعال، لأن قلوبهم مغسولة بالنشوة، فمن يغسل قلوب اناث الحروب، من يمنحهن بعض حقوقهن في الحب والألفة، وامتداد الحياة، من يعطي لسكينة داود الحق”ص104

*شخصيات مثيرة

في رحلة سكينة الى زوجها بعد موت حبيبها (نوفل ناجي) بالحرب، زوجها عن بعد في (برلين) ، سافرت مع ابيها وابو العريس الى عمان ومن عمان الى باريس ومن باريس عن طريق التهريب الى حيث يقيم الزوج في المانيا ، لعل السردية الخاصة عن وجودهم في باريس هي الاكثرة اثارة في الرواية ، خاصة وان البطلة سكينة لا يفارقها وجود حبيبها نوفل بالاحلام او بالتداعيات رغم قبولها برجل آخر “(كانت الذبيحة المساقة الى مجهول ايامها، لا تعرف حتى الان اسم خطيبها) وعندما شاهدت صورته كان يشبه حبيبها  لكنه قالت لنفسها ( ان الرجال بعد سن الثلاثين متشابهين في كل شيء.. تبدأ وجوههم بالانكسار والانكماش وترتسم فوق الشفاه ابتسامات شامته حية..وتومض في عمق العينين اسئلة حائرة.. تضل الى زمن طويل تبحث عن منفذ للخلاص) ص90 ، هي تستذكر حبيبها نوفل وهو يحدثها عن باريس ” كأنه يعرفها شبرا، رسم امام عينيها حدائق قصورها الثره، وبرجها الذي ملأ الفضاء بالأنوار، وشوارعها الصاخبة ليل نهار، رسم عند اعماقها صورا لا يمكن ازالتها لمتحف اللوفر”ص83 وعندما كانوا يسيرون في شوارع باريس (سكينة وابوها وابو العريس) وكانا العجوزان يلمحون الى جمال النساء واناقتهم ورشاقتهم (الرجلين يبحثان في وجوه  آفلة، يجوسان طرقات الاشتهاء بخجل طفولي..تمنى والد عريسها لو انها عادت الى الفندق..قال والدها بهمس: ما رأيكما اذا ذهبنا الى اللوفر؟\ قال والد عريسها: لا أريد العودة الى ايما ماض..أذهبا انتما ان شئتما!!\ قال الوالد بفرح: من لم ير اللوفر ما شاهد باريس؟ قال والد العريس ضاحكا: وانا لا اريد مشاهدة باريس..بل اريد مشاهدة عريها وانحطاطها!!

*شخصية جديدة

تتخلص سكينة من الرجلين – اللذين يتصرفان مثل الصبيان  – وتضيع في الزحام بين الناس لتصل الى متحف اللوفر وحدها وتلتقي برجل غريب الاطوار” اصطدم جسدها عند الباب بوجه مألوف، فرفعت رأسها..بعربية شابتها رائحة الخجل والارتباك – عفوا..أنا اسفة!! ” يأتي هنا وصف الشكل الخارجي للشخصيات في الرواية لأول مرة (ابتسم الوجه المستدير مثل رغيف خبز، وهز رأسه بطريقة عجيبة، فتناثر شعر رأسه الموشوم  بخصال بيض، ظل غير قادر على تجاوز حيرته..قال بصوت رائق:- أنت عربية؟!\ ..كيف لا تكون عربية، وكل ما تحمل من اثار يشير الى عروبتها، سمار الوجه واسوداد العينين وانسدال الشعر الفاحم فوق الكتفين الملتصقين الى بعضهما،  وحركة الارتباك المشوبة بحركات الايادي، وظل الحزن الذي تحمله الشفاه وتبوح به العينين، والالق الذي لا يمكن سبر حدوده لإنسان لا يعرف معنى ان تكون الانثى عربية، قال الرجل: انا عربي ايضا!- اسمي تاج الدين بن السويلم!!\ – انا سكينة داود\ أأنت عراقية!! انا من الجزائر- ما الذي جاء بك الى باريس؟ – ماذا تقول له (جاءت لترتمي بين يدي فارس يروي هياجها، بعد ان دمرت الحرب وسنوات القحط، فحولة فارسها الذي كانت تنظره هناك) – ماذا تعمل !؟\ انتم اهل العراق هكذا كثيروا الأسئلة؟! \ اننا نريد معرفة ما يحيط بنا.. لكي نستوعب الزمان الذي نعيش!!\ باريس يا سيدتي..عصية على امرأة مثلك لانها تشكو عزلتها ايضا..كائنات هنا لاهثة لا ترى من يومها سوى الخبز والرغبات.. الانسان هنا تدمره الالة\ قالت سكينة بحزن: والانسان هناك تدمره الاحلام!!

الموت يلاحقهم

يتدبرون امر تهريبهم من باريس الى برلين عبر رحلة نهرية، ليكونوا في غرفة المحركات ، ويتعرض والدها الى نوبة الم قوية ويموت(لا بأس الرب هو الباقي)  لتصل سكينة وابو العريس الى ميناء في برلين ، ويتوجهون الى حيث يسكن العريس، وهنا تكون المفاجأة ، عندما يفتح العريس الباب “كانت العيون التي تبصرهما مشربة بالانهزام والتعب والخوف، عيون اتعبها الجري وراء الاحلام غدت مقيدة بكرسي متنقل، ابصرهما الرجل المكتف الى الكرسي، وبهدير صاخب، ارتمى الوالد اليه، الى عمق الحزن، ظلت سكينة ترى اليهما حائرة، لا تدري ما تقول، فجأة اكتشفت ان الذي يجلس امامها مدمرا، سابحا في اعمار متاعبه، لم يكن سوى، الفتى  الذي احبت، وانتظرت، وقاومت طوال السنوات، لتجده”ص124

الخاتمة

رواية (انتظرني …ريثما أجدني) من الروايات التي تجمع بين العمق والقدرة على الاقناع وتصل بالقارئ الى المتعة على الرغم من انها تتناول كواليس الحروب.

 

عن الكاتب

عدد المقالات : 1615

اكتب تعليق

الصعود لأعلى