مكانة المرأة في العصر الجاهلي : النكاح وأنواعه في هذا العصر
الدكتورة نعيمة بنحسين
نستعرض بعض أنواع النكاح التي سادت في هذا العصر
نكاح المقت
ومن الأعمال البشعة التي قاست منها المرأة في العصر الجاهلي أنها كانت تباع وتشترى مثل البهيمة الخرساء، حسب ما نقله بعض المؤرخين، فزوجة الأب كانت تورث كما يورث المتاع، وهذا ما يسمى عند العرب بنكاح المقت، والذي كان يطبق بالخصوص على المرأة التي ليس لها أولاد كبار، وكان الذي يملكها يحجر عليها لدرجة أنها لا تستطيع التصرف في ملكها، مما جعل الزوج يتمتع بكل الحقوق فيتصرف في أموالها بدون إذن منها. وفِي نفس الوقت أبيح للوالد بيع ابنته، لدرجة أن منهم من أسقط القصاص والدية على الرجل عند قتل المرأة.
ونجد أيضا أن من ضمن العادات البشعة التي سادت في ذلك العصر أن ولي الأمر عندما يزوجها يسيطر بكل بساطة أو بالأحرى بكل وقاحة على صداقها، في حين لم يكن لديها الحق في الاعتراض على ذلك..
نكاح البعولة
أما فيما يخص قبيلة قريش
فنجد أن نكاحهم كان يشبه نكاح المسلمين، والذي كان من أول شروطه: الخطبة، والمهر، والعقد والإيجاب والقبول ، وهو ما عرف بنكاح البعولة، والذي أقره الإسلام فيما بعد، و سمي بالزواج الشرعي، الذي يؤدي إلى النسل الصحيح للأنساب. وهو زواج الناس إلى يومها هذا، ولكن مع إلغاء بعض العادات الجاهلية : كالإستبداد، وتزويج المرأة كرها وعظلها أو منعها مطلقا من الزواج، وأكل المهر، وغير ذلك من الأشياء التي تمس بكرامة النساء وشرفهن.
نكاح الإستبضاع
ومما شاع أيضا ما أطلق عليه باسم نكاح الإستبضاع، وهذا النوع كما هو معروف لديهم يجري من طرف الزوج الذي يسمح لزوجته أن تتصل برجل من أشراف القوم حتى تستبضع منه، فإذا تبين حملها أصابها زوجها؛ والذي كان يدفع الزوج على حمل امرأته على هذا التصرف الشنيع هو الحصول على الولد أو أحيانا ليشبه الولد الشخصية الفذة التي تستبضع منها المرأة من فروسية وحكمة وحنكة وقيادة…
أما في حالة ما إذا ضاجعت الزوجة فارسا مرموقا في القبيلة أطلق على ذلك الإستبضاع (الاستفحال)، بمعنى صفات الفحولة.
ولقد عرف زواج المباضعة في أكثر من حضارة مثل الشعوب الأصلية التي سكنت الأمريكتين، إلا أن الإسلام حرم أيضا زواج المباضعة..
نكاح المخادنة
المخادنة تعني المصاحبة في السر، وذكر في القرآن الكريم سورة : النساء، آية 25 .”ولا متخذات أخدان”.
فقد شاع في العصر الجاهلي اتخاذ الأخدان وعرف ب(الصواحب العشيقات)، إلا أن الرجل العربي كان في الغالب ما يخفيه ويعد ماظهر منه لؤما.
نكاح الرهط
وهو أن يشترك رهط من الرجال في الدخول على امرأة واحدة، فإذا حملت ووضعت، فلها مطلق الحرية في إلحاق ذلك الجنين بمن شاءت من هؤلاء الرجال، فتقول له : هو ابنك يا فلان، فيلتحق الولد به، ولا يستطيع من تسميه أن يمتنع. وقد ثبت أن هذا النوع من النكاح الفاسد لا يزال موجودا في بعض البلدان كالتبت وغيرها..
صاحبات الرايات
وكان يطلق عليهن البغايا يعرفن حاليا بممارسات الدعارة، فقد كن تنصبن الرايات الحمراء على أبوابهن، ومن كانت له رغبة فيهن لجأ إليهن.
نكاح البدل والمبادلة
ومعناه أن ينزل رجلان كل منهما عن امرأته للآخر، وذلك إما لفترة معينة رغبة في التمتع والتغيير، وهذا بدون إعلان طلاق أو تبديل عقد زواج. وفِي هذا الصدد يروى عن أبي هُريرة رضي الله عنه قوله:… “إن البدل في الجاهلية، أن يقول الرجل للرجل: انزل لي عن امرأتك، وأنزل لك عن امرأتي….”
نكاح المضامدة
وهو أن تتخذ المرأة زوجا إضافيا أو إثنين، غير زوجها. وجاء في المعاجم اللغوية ما معناه : الضماد هو أن تقوم المرأة بمصاحبة إثنين أو ثلاثة، وذلك لهدف معين وهو أن تأكل عندهما معا أثناء أوقات القحط، إلا أن هذا النوع لم يكن مستحبا، وربما اعتبره العرب خيانة من المرأة، رغم انتشاره.
وقد أنشد أبو ذؤيب الهُذَلِي، الشاعر الجاهلي المعروف:
تريدين كيما تضمديني وخالدا
وهل يجتمع السيفان ويحك في غمد؟
ويروى أنه ألقى البيت السابق، لما أشركت زوجته معه ابن عمه خالد بن زهير، وكان الهُذَلِي يعتبر هذا النوع منكرا قائلا: “إني رأيت الضمد شيئا منكرا”.
نكاح المتعة
وهو ما عرف بالزواج المؤقت أو المنقطع، وهو أن تتزوج المرأة إلى أجل معلوم كأسبوع أو شهر. وقد وردت أحاديث كثيرة تحرمه، فهو فقط استمتاع مؤقت لأجل مسمى، ولا ميراث فيه للزوجة، والفرقة تقع عند انقضاء الأجل. فهو خالي من الهدف الأساسي للنكاح وهو التناسل والترابط…وقد أباحته الشيعة الإمامية من المسلمين، في حين اختلفت الطوائف الإسلامية في شرعة هذا الزواج، فيرى أهل السنة والجماعة والإباضية والزيدية أن زواج المتعة هو حرام حرمه الرسول صلى الله عليه وسلم. ويعتبر أيضا من الأنكحة الباطلة المحرمة بالإجماع، فلا يجوز لأحد الإقدام عليه ولا التفكير فيه البتة ولا الاستماع إلى شبهات من يبيحه.
نكاح الشغار
ويقال، أنه يدخل في إطار نكاح البدل والمبادلة، فهو خالي من المهر والصداق أو بعض الشرائط، حيث يزوج الرجل وليته (يعني ابنته أو أخته)، على أن يزوجه الآخر وليته بدون صداق أو مهر. وقد أبطله الإسلام. وعن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار. (رواه البخاري ومسلم).)
ولغويا، سمي شعارا من الخلو، لأنه في الغالب لا يهمهم المهر وإنما يهمهم فقط الاتفاق على هذا العمل، يقال بلاد شاغرة، يعني خلت من سكانها.
ومازال هذا النوع من الزواج يمارس في بعض أجزاء بلاد اليمن إلا أنه باطل وفاسد…
فالشعار ماهو إلا وسيلة إلى ظلم النساء والتعدي عليهن، مع إجبارهن على النكاح بمن لا ترضين، فقط من أجل مصلحة الأولياء وغيرهم.
وطالما أدى هذا النوع من النكاح إلى حياة تعيسة ومشاكل لا نهاية لها أدت إلى سفك الدماء وإلى قطيعة الأرحام. فالحياة الزوجية عقدها مستمر مدى الحياة، ويجب التفكير فيها بكل أمانة وإخلاص والإقدام على هذه الحياة على بصيرة وتغليب مصلحة الزوجين…
فالإسلام أبطل معظم هذه الأنكحة الفاسدة التي كانت تحط من مكانة المرأة، ومنحها المساواة والعدل، وأحاطها بهالة من التقديس والاحترام، لأنها مربية الأجيال والأمينة عليها، كما ذكرت في أول مقال.