انت هنا : الرئيسية » الواجهة » مكانة المرأة العصر الجاهلي : النظام الأُسَري

مكانة المرأة العصر الجاهلي : النظام الأُسَري

أما فيما يخص النظام الأسري، فإنه لم يكن من الممكن أن يضع الباحث نظاما موحدا للأسرة العربية في هذا العصر الجاهلي، وذلك نظرا لاختلاف العادات والتقاليد، والذي يعود بالأساس إلى النظام القبلي الذي يجعل القبيلة وحدة مستقلة، لها عاداتها وأخلاقها بحيث تختلف من قبيلة لقبيلة. إلا أن هناك ظاهرة تكاد تكون مشتركة بين جميع القبائل العربية وتتمثل تلك العادة في الحرص على المرأة عامة وعلى عرضها خاصة مع اعتباره أغلى من النفس والمال والجاه والولد. و نجد أن من مظاهر هذا الحرص أن شاعت بين العرب عادة أخذ النساء في مؤخرة الجيوش حتى يدرك المحارب أثناء الصراع أن هزيمته ستجعل عرضه مباحا للأعداء، وهذا كفيل لاستماتة المحارب في الصراع مما يجعله يثبت في المعركة ويناضل حتى النفس الأخير.
وكثيرا ماكانت المرأة تنتهز فرصة التحاقها بالجيش فتشجع الرجال وتشد أزرهم، وجاء في هذا الصدد للمؤرخ أحمد شلبي في مرجعه التاريخ الإسلامي، ما يلي: “ومما يروى عن النساء في الحروب أن في يوم ذي قار الذي وقع بين الفرس وبين قبيلة بكر، أن امرأة وقفت تنشد مستحتة الرجال على الصبر والجلاد مشجعة المنتصرين ومهددة في آن واحد المهزومين. وقالت في رجز لها:
إن تهزموا نعانق ونفرش النمارق
أو تهزموا نفارق فراق غير وامق

لكن نجد أنه طالما اشتد هذا الحرص مسببا المآسي والعار والخذلان، فالعرب ينكرون الهوان والضيم، ولهذا كانت تثور ثائرة الجاهلي كلما أحس أن كرامته استبيحت، وخير دليل على هذا ثورة عمرو بن كلثوم على عمرو بن هند، وذلك حين علم الشاعر عمرو بن كلثوم بتعرض أمه للإهانة في بلاط الملك عمرو بن المنذر بن ماء السماء، الذي استضاف عمرو بن كلثوم وأمه ليلى بنت مهلهل، فطلب الملك من أمه أن تستخدم ليلى، ولكن هذه الأخيرة ردت على هند: “لتقم صاحبة الحاجة إلى حاجتها”، ولما فطنت ليلى للمؤامرة والتي كان المراد منها جرح كرامتها، صاحت: واذلاه! فسمعها ولدها عمرو بن كلثوم، فقام واستل سيفه فقتل به الملك عمرو بن هند. و نظم معلقته الشهيرة في الفخر  والحماسة والملحمة. ونستشهد بهذه الأبيات:

ألا هبي بصحنك فاصبحينا
ولا تبقي خمور الأنذرينا

صبنت الكأس عنا أم عمرو
وكان الكأس مجراها اليمينا

أبا هند فلا تعجل علينا
وأنظرنا نخبرك اليقينا

بأنا نورد الرايات بيضا
ونصدرهن حمرا قد روينا

ألا لا يجهلن أحد علينا
فنجهل فوق جهل الجاهلينا

إذا بلغ الفطام لنا صبي
تخر له الجبابر ساجدينا

أكتفي بهذا القدر، ولقد كان بودّي الإستشهاد بكل المعلقة، لأن رصيدنا اللغوي ومستوانا التعليمي أصيبا بالتدني والإضمحلال ، لعزوفنا وإهمالنا لهذا الثراث الثري الذي صار في طي الكتمان ، إلا من رحم ربي.

وهناك عادات مستهجنة سادت بين الأسر العربية في العصر الجاهلي، فأبطلها الإسلام، ومن ضمنها وأد البنات والذي كان كثير الإنتشار في بعض القبائل كبني أسد وتميم، وهذا خوفا عليهن من العار والأسر، ولا سيما في الطبقات الضعيفة. وقد جاء ذكر هذه الظاهرة في القرآن الكريم مصداقا لقوله تعالى : “وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم، يتوارى من القوم من سوء مابشر به أيمسكه على هون، أم يدسه في التراب، ألا ساء مايحكمون” (سورة النحل. آية: 58-59).
وقوله تعالى في سورة التكوير: آية : 8-9 : “وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت”
ومن الملاحظ أن الأسرة العربية تتكون تكوينا عاديا، حيث يخطب الرجل المرأة من ذويها، فإذا وافقت خطبها وأخذها إلى بيته، ثم بنى بها، وكثيرا ماتستشار المرأة في أمر زواجها فيتم الإقتران بعد الحصول على موافقة الأهل.
والأسرة العربية تفتخر كل الإفتخار بكثرة الأبناء، فهم يشكلون رمز عدتها في مستقبل أيامها، والذائدون عن حياضها.
وقد عرف العرب الطلاق، وكانوا في آن واحد يخافونه وينفرون منه، وغالبا ما يكون بيد الرجل، لكن بعض النساء كن يشترطن أن تكون الفرقة بيد المرأة، وإذا أراد الزوج تطليق الزوجة وكان لها أولاد، دفع إليها مهرها بعد أن يقول لها أنت طالق، إلا أنها تتولى تربية أولادها بنفسها ولها في المقابل حصة من دخل زوجها.
وكان الرجل العربي يعير اهتماما كبيرا بالمنجبات من النساء، وأشار الشاعر لبيد لهذا في رجز طويل قائلا: “نحن بني أم البنين الأربعة”. فالعرب يحبون كثرة البنين، والدليل على ذلك دعاؤهم عند الزواج  : “بالرفاء والبنين”، فهم عماد الأسرة.
أما فيما يخص تعدد الزوجات،  فكان محدودا عند عرب الجاهلية، وقد أوردت الكتب الإسلامية نماذج كثيرة لأزواج أسلموا ولهم أكثر من أربعة نساء، وربما يصل أحيانا إلى عشرة، ولكن الإسلام أمرهم باختيار أربعة ومفارقة الباقيات، وكانت المرأة العربية تمثل خير رفيق وعون لزوجها نظرا لما تجيده من الفنون كالرعي والغناء، ونظم الشعر والرقص والغزل والنسيج وشد الخيام، هذا بالإضافة إلى إثقانها بواجباتها المنزلية كأم وربة بيت.

يتبع

عن الكاتب

عدد المقالات : 1687

اكتب تعليق

الصعود لأعلى