مكانة المرأة في العصر الجاهلي
بنحسين نعيمة دكتورة في الأدب العربي ،جامعة السربون
تعد المرأة شطر النفس الإنسانية ، ودعامة الكون ، ومربية الأجيال والأمينة عليها. خلقها المولى جلت قدرته من جوهر إنسانية الرجل مخالفة له في طبعها و خصائصها ، وموجبا في نوع الإنسان ، إنها زوجية روحية بين إنسانية إنسان وإنسانية إنسانة ، جعلها الله سكنا للرجل ليبدد بها قلقه وحيرته حتى ينتهيا معا إلى النتيجة المرجوة من هذه العلاقة الودية الإنسانية وهي المودة والرحمة والمحبة والوئام والصدق والوفاء ، قال سبحانه وتعالى : “هو الذي خلقكم من نفس واحدة ، وجعل منها زوجها ليسكن إليها .” سورة الأعراف آية 189.
ولهذا نجد أن الدراسات تعددت واختلفت، حول مكانة هذا المخلوق الذي اتجهت إليه الأنظار منذ القديم وتضاربت حوله الآراء على مِمر الأزمنة والعصور. وذلك منذ خلق الله تعالى هذا الكون ابتداء من سيدنا آدم عليه السلام أب البشرية وأمنا حواء .
وتعاقبت هذه الدراسات حتى العصر الجاهلي وهي الفترة ما قبل الإسلام . لترسم لنا صورة عن المرأة ومكانتها في هذا العصر باعتباره من أزهى العصور ، حيث اشتهر وتألق فيه شعر المعلقات ، مما يجعل الشاعر في مقدمته الطللية يقف على ديار وأطلال الحبيبة فيصفها ويتغزل بها . وكانت هذه المقدمة تعد غرضا من أغراض القصيدة وهو الوقوف على الأطلال إلى أن أصبح الغزل غرضا خاصا بذاته .
أعود بكم للحديث عن مكانة المرأة في هذا العصر الزاهر، والجدير بالذكر أن هناك نوعان من النساء : إماء وحرات، أما الإماء فكن كثيرات، وكان من بينهن من تتخذن الأخذان ومنهن قينات تضربن على المزهر وغيره من الآلات الموسيقية في حوانيت الخمارين، كما كان منهن جاريات تخدمن الشريفات، وربما تقمن برعي الإبل والأغنام، وكن في منزلة دانية، لدرجة أن العرب إذا استولدوهن لم ينسبوا إلى أنفسهم أولادهن، إلا في حالة استثنائية وهي إذا أظهروا بطولة لشرفهم، على نحو ماهو معروف عند الشاعر عنترة بن شداد العبسي، فإن أباه لم يلحقه بنسبه إلا بعد أن أثبت شجاعة فائقة ردت إليه اعتباره.
ونجد من بين الأعمال التي كانت تقوم بها المرأة الحرة طهي الطعام، ونسج الثياب وإصلاح الخباء، إلا أن هناك حالات استثنائية، وهي إذا كانت المرأة من الشريفات المخدومات فقد كان يسند الأمر لبعض الجواري للقيام بمثل هذه الأعمال، وتدل الدلائل الكثيرة على أن بنات الأشراف والسادة كانت لهن منزلة سامية تتمتعن بها، فكن يخترن أزواجهن وكان لديهن الحق في تركهم إذا تعرضن منهم لسوء معاملة.
كما كان العرب يعتبرون المرأة جزء لا يتجزأ من عرضهم، ولَم يكن تمة شيء يثيرهم كسبي نسائهم وهم خارج الحي، فيتكبدون المصائب من أجل إنقاذهن لغسل عار سبيهن عنهم، وكانوا يصحبونهن أيضا في الحرب، حتى يشددن من عزائمهم بما تنشدنه من أناشيد حماسية، وفِي حالة قتل فارس تندبنه ندبا حارا مع الحض على الأخذ بثأره والانتقام من قتلته، وقد لمعت في هذا الجانب أسماء لكثيرات من النساء على رأسهن الشاعرة التي ذاع صيتها في الآفاق وهي الخنساء، ومراثيها في أخويها صخر ومعاوية.
ومن المعروف عن الرجل الجاهلي أن جمال المرأة كان يثيره، فينطق لسانه بوصفها ووصف ما كانت تتزين به من طيب وحلي وثياب على نحو ما تصور ذلك معلقة امرؤ القيس، إذ يقول:
وتضحى فتيت المسك فوق فراشها
نؤوم الضحى لم تنتطق عن تفضل
فالشاعر الجاهلي لم يقف عند وصف جمال المرأة الجسدي بل فطن إلى جمالها المعنوي، وما تتحلى به من شيم وخصال كريمة، على نحو ما قال الشاعر الشنفرى في زوجته أميمة:
تبيت بعيد النوم تهدي غبوقها
لجاراتها إذا الهدية قلت.
فالمرأة الجاهلية كما هو معروف نالت حظا وافرا من مختلف أغراض الشعر عموما، والغزل والتشبيب والنسيب خصوصا، فقد كانت متار الشاعر الجاهلي الذي كان يفتتح بها قصائده، وخير دليل على هذا ما قاله ابن رشيق القيرواني في مرجعه “العمدة” : (وللشعراء أسماء تخف على ألسنتهم وتحلو في أفواههم، فهم كثيرا مايأتون بها زورا، نحو ليلى، وهند، وسلمى، ودعد، ولبنى، وعفراء، وأروى، وريا، وفاطمة، ومية، وعائشة، والرباب، وزينب، وجمل، ونعم، وأشباههن:)
وذلك على نحو ما جاء في معلقة امرؤ القيس:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
بسقط اللوى بين الدخول فحومل
أفاطم مهلا بعد هذا التدلل
وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي.
يتبع