انت هنا : الرئيسية » الواجهة » سيرة العشق والألم دراسة نقدية في رواية أنجلينا فتاة من النمسا

سيرة العشق والألم دراسة نقدية في رواية أنجلينا فتاة من النمسا

 بناء اللغة السردية في رواية “أنجلينا فتاة من النمسا” للكاتب المهجري مولود بن زادي.. 

الناقد والروائي حسام طه

 بناء اللغة السردية

لا ريب ان اللغة هي الوسيلة الاولى الاعظم اهمية في بناء العمل الأدبي لأنها عنصر جوهري في حياة البشر ، لا تنهض حياتهم بدونها واللغة داخل العمل الروائي هي القالب يصب فيه الروائي افكاره ، ويجسد رؤيته في صورة مادية محسوسة ينقل من خلالها رؤيته للناس والاشياء من حوله ، فباللغة تنطق الشخصيات وتتكشف الاحداث وتتضح البيئة ، ويتعارف القارئ على طبيعة التجربة التي يعبر عنها الكاتب ، فاللغة تستطيع التعبير عن اكثر الحركات والافكار والاحاسيس خصوصية ودقة ، بل انها اقدر على صياغة الاحداث والمواقف من السينما واللوحات الفنية .

اعتمد الكاتب في عرضه لتقنيات اللغة السردية على محوريين مهمين تمثلا في ؛ السرد ـ الحوار ، وهما الركيزتان الرئيسيتان اللتان استطاع الكاتب من خلالهما عرض آرائه ، وتنظيم افكاره ، وهما وان اشتركا في التفاصيل والدور ، اختلفا في الطريقة والعرض ، وفى “انجلينا فتاة من النمسا ” لم تضغي احداهما على الاخرى ، وإلا لأصبح عيب فنى ، وتصورا ابداعيا يحتاج الى تبرير فنى :

1 ـ السرد :

هو المادة المحكية من مكوناتها الداخلية من الحدث والشخوص والزمان والمكان ، وهى مكونات انتجتها اللغة بكل طاقاتها الواصفة والمحاورة والشارحة ، ولا تتم تلك العملية الا من خلال لغة دقيقة واضحة تستطيع ان تترجم الواقع بعبارات لغوية مكتوبة تتجلى للقارئ عبر عدة أساليب تتمثل في الراوي والرؤية السردية ولغة السرد .

الراوي شخصية خالية من صنع الكاتب ، ونلاحظ في رواية “انجلينا فتاة من النمسا ” ان الراوي ظل فنى للكاتب ، فهو يروى كما لو انه سمع ورأى وعرف ما يروى كما أنه حقا على علاقة فعلية وصادقة بما يروى .

2 ـ استخدم الكاتب في روايته الراوي العليم، الذى يعلم اكثر من الشخصية ، ونجد هذا النوع في المحكي التقليدي ، حيث يكون الراوي عالما بكل شيء ، محيطا بالظاهر والباطن ، فراوي تلك الرواية لا تقف امامه حدود ، ولا فواصل ، يحيا داخل الشخصية وخارجها ، يقدمها ويؤخرها ، يوجزها ويكثفها ، يحل في الزمان والمكان وقتما شاء واينما أراد ، يتحكم في ايقاع السرد ، فيبطئه تارة ، ويسارعه  تارة اخرى ، وهو اكثر انماط الرواية  واشهرها اتساعا في المدونة السردية العربية والعالمية .

والملاحظ ان الكاتب من خلال طرحه الى فكرة التعايش السلمى لكل المجتمعات ، إلا أنه طرح من خلال الرواية عدة رسائل ، ومضامين اجتماعية تضع كل من الغربي والعربي في مقارنة مستمرة كان نتيجتها دائما في صالح الغربي الذى عل الكاتب من شأنه وأحط  من شأن العربي .

وفى رواية “انجلينا فتاة من النمسا ” يبدئها الراوي العليم من الوضع الساكن الى المتحرك ، فيقول ” أنه الهدوء الذى يسبق العاصفة ، جال ذلك في خاطره ، وهو يقف على عتبة مطعم النسيم ، في ” ميدان ليسترسكوير ” ويقول أيضا  “فهي على ما يبدو”  وايضا ” هؤلاء الناس الذين يملئون الساحة “، وايضا “عجيب امر هذه الساحة فهي على ما يبدو” ، وايضا ” كانت الشمس حينذاك قد غربت  “، وايضا ” كان يشاهد توقعات الاحوال الجوية ” ، وايضا ” تابعت وهى تضع يدها على فيها “.

ونجد استخدام الراوي لضمير الغائب من الصفحة الاولى ، في “هي وهو وهؤلاء ” يحمى السارد من أثم الكذب ، فيجعله مجرد حاكى يحكى ، لا مؤلف يؤلف أو مبدع يبدع وكذلك استخدام السارد لضمير المخاطب يجعله يضيف مزيدا من الواقعية والحضور الفعلي بين الشخصيات داخل العمل السردي مما يجعل السارد يقدم العمل السردي عن طريق الحوار ، ليزيد من جذب وتشويق المتلقي ، وهذا النوع من الضمائر استخدمها الكاتب بكثرة ، فيقول ؛

ــ لست ادرى ، أنا آسف ربما لا استطيع مقاومتك .

ــ كم أنت جميلة ، كم أنت ساحرة

ــ ماذا فعلنا الآن .ــ أنا لست امزح .

ــ ولا أنا ، قال مقاطعا .

ــ أنا اعلم انها حلوياتك المفضلة .

ــ أنت هكذا تشعريني بالذنب كثيرا .

ــ الى حد الساعة لم استطع فهم ما فعلته معك ، وأنا في وعيي التام .

ــ ولا أنا في الواقع .

ــ أنت بهذا تضعني في موقف عسير للغاية .

ــ أنا اسعى لمساعدتك فقط

ــ أنا الآن افهم ما تقصده

ـ أنا متخرج من معهد ترجمة

ــ فأنا لم اعد احتمل كثيرا صخب المدينة .

ــ أنت بذلك متعود على اجواء المدينة .

ــ أنا الذى نشأت في مزرعة كبيرة .

ونلاحظ استخدام السارد لضمير المخاطب لجذب المتلقي للنص ، ولمعرفة ما سيحدث من أحداث الحوار القائم بين الشخصيات ، كما يعطى نوعا من التشويق اثناء القراءة ، كما أن الكاتب من خلال استخدامه لهذا النوع من الضمائر يرغب في أن يصنع من الراوي مركزا بؤريا للأحداث تدور في فلكه جميع آليات وعناصر السرد الاخرى ، ويصبح العمل الفني في هذا الشكل شبيها بأعمال السير الذاتية نتيجة التصاق ذلك الضمير.

يمثل ذلك النوع من اعمال الأدب ، فالبنية الصوتية المزدوجة للفصول ، التي تحاول التمييز بين السرد شبه المحايد بضمير الغائب ، فليس النص كله شيء محايد فالسرد الذاتي بضمير المتكلم الذى يسفر عن تورط السارد في الوقائع السردية والتي تسعى الى المزاوجة بين الخارجي والداخلي ، وبين الواقعي والنفسي ، وبين الموضوعي والانفعالي ، فالعمل كله ينهض على هذه الازدواجية .

عضو أتحاد كتاب مصر

رأي اليوم

عن الكاتب

عدد المقالات : 1687

اكتب تعليق

الصعود لأعلى